«لا أحد يتصور أن يكون هناك رابط قرابة بين الاتحادي محمد اليازغي والاستقلالي عادل الدويري. كما أن أمر المصاهرة التي تربط الملياردير عثمان بنجلون بالجنرال المذبوح الذي كان متورطا في انقلاب الصخيرات، مسألة قد لا يصدقها البعض. كما لن يصدق العلاقة العائلية التي جمعت بين أسرة محمد بن عبد الكريم الخطابي وعائلة بوجيبار التي ترتبط مع عائلة الفاسي، وهذه بدورها ترتبط مع أسرة نزار البركة وزير الاقتصاد الاستقلالي الذي انسحب ذات تعديل حكومي.. التقطوا أنفاسكم إذن. فهذه ليست إلا البداية».
كيف التحم القادمون من الهامش بالفاسيين ليصبحوا أقرباء لوزراء ومستشاري الملك لقرابة الدم وقع غريب على عالم السياسة. يصعب حقا أن تصدق مثلا أن الشيخ السلفي حسن الكتاني تلتقي خيوطه القريبة داخل الشبكة العائلية مع نسب المليادير ميلود الشعبي. الشيخ السلفي تربطه علاقة، بحكم عراقة الأسرة التي ينتمي إليها، بالفاسيين، داخل تشابكات بالغة التعقيد، وهؤلاء بدورهم يلتقون بالأسرة العلوية، بل وفي أكثر من مناسبة. لن تصدق مثلا أن الفاطمي بنسليمان، الرجل الذي سُحب البساط من أسفل قدميه سنة 1955، بعد أن كان يهيئ نفسه ليصبح رئيسا لأول حكومة بمباركة فرنسية، ومجلس يترأس الحكم في المغرب بعد أن فشلت فرنسا في تنصيب بن عرفة مكان محمد الخامس.. لن تصدقوا أن بنسليمان ينحدر من أسرة عريقة، تشكل ذراعا قويا للغاية في شبكة المصاهرات بين عائلة الفاسي وعائلات أخرى في ما بعد، حتى أن سخرية هذا التشابك أدت إلى مصاهرة بين عائلة المقاوم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي، ليصبح آل الخطابي وآل بنسليمان شركاء في قرابة لا يمكن القول إنها بعيدة ما دامت مرتبطة بدرجات متفاوتة من المصاهرات، بل وفي أجيال متكررة. من يظن مرة أخرى، أن الملياردير عثمان بنجلون، أحد الأسماء التي يضرب بها المثل في «الغنى» داخل المغرب، متزوج بأخت زوجة الجنرال المذبوح الذي قتله الكولونيل اعبابو إثر خلاف على طريقة سير انقلاب الصخيرات سنة 1971. حتى لو جمعتهما المصاهرة، أي عثمان بنجلون والجنرال المذبوح، في عائلة الماريشال أمزيان تحديدا، فإن التاريخ فرقهما، لتكتب لكل واحد منهما نهاية لا علاقة لها بقرابة المصاهرة التي ربطتهما ذات حياة. محمد اليازغي القيادي الاتحادي، الذي عرف بشغبه خلال سنوات السبعينات، قبل أن يصبح وزيرا في حكومة التناوب التي ترأسها عبد الرحمن اليوسفي، ويحصل على وزارات أخرى في ما بعد، تربطه علاقة عائلية مع عادل الدويري الوزير السابق للسياحة، المنحدر من حزب الاستقلال الذي سبقه إليه والده امحمد الدويري. هذه القرابة العائلية بين الدويري واليازغي ليست في الحقيقة إلا نتاج مصاهرة تختلط فيها الأنساب الفاسية هي الأخرى. تبدو الأمور متشابكة، لكنها في الحقيقة ليست كذلك. إذ يكفي الرجوع إلى الأسر التي تفرع منها أبناء أسرة بنسليمان والرجوع إلى أسرة الفاسي وأسرة بوجيبار، للوقوف عند انطلاق المصاهرات بين الأسر القديمة في فاس، لتلحق بها في محطات لاحقة أسر أخرى أنجبت وزراء وكتاب دولة ومسشارين للملك أيضا، وآخرين حملوا الاسم العائلي للأسرة العلوية، ويحملون في دمائهم جينات فاسية أيضا. ثم لنعرج على رجل لطالما حارب الفاسيين وأذلهم بشهادة بعضهم. يتعلق الأمر هنا بادريس البصري، الذي اهتم بأصوله السطاتية، إلى الحد الذي أصبح فيه بعض أبناء سطات اليوم يحنون إلى أيامه، لأنها انعكست على مدينتهم إيجابا. لكن هذا الوزير القوي، عندما تعلق الأمر بالمصاهرة، فإنه باشر إلى النظر في اتجاه فاس، وليس في اتجاه «العروبية» التي كان يفتخر بالانتماء إليها. وهكذا بارك ادريس البصري زواجا بين ابنته وبين واحد من أبناء أسرة «حصار» المعروفة بأبنائها الذين تقلبوا في السلطة وشغلوا مناصب سامية في عدد من المؤسسات. بذلك يكون ادريس البصري قد أصبح مرتبطا بالفاسيين بطريقة أو بأخرى، لأن أفراد عائلة حصار بدورهم يلتقون مع أكبر العائلات الفاسية في النسب، من خلال مصاهرات سبقت تاريخ مصاهرتهم مع ادريس البصري. وهكذا أصبح البصري قريبا من مستشار الملك الحسن الثاني، محمد عواد، بحكم القرابة الفاسية الكبيرة، التي تفتح المصاهرة أبواب الالتحاق بها، خصوصا إذا اقترنت بالمناصب الكبيرة، ويقطع وزير الداخلية مع ما كان يروجه في محيطه عن كرهه للفاسيين والمنحدرين من الأسر الفاسية الكبيرة، ورغبته الدائمة في التنكيل بهم سياسيا وإصدار الأوامر لهم مستغلا منصبه كوزير غير عادي للداخلية. الأمر لا يتوقف هنا، وإنما يمتد إلى أسر قديمة أخرى، تفاجئك بعضها بأنها تجمع من الأسماء، التي قد تظنونها متناقضة، لكنها في الحقيقة تخرج من نفس الأصل. هي رحلة قديمة قطعتها الأسماء العائلية لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم. أبناء كثيرون بأسماء عائلية كثيرة، بأباء وأمهات جائوا من أسر ليشكلوا أسرا أخرى، ويتوزع أبناء هؤلاء جميعا في رقعة السياسة والمال بالمغرب.. بعضهم حالفهم الحظ وأصبحوا كما عرفناهم ونعرفهم، وآخرون لم تشفع لهم المصاهرة في المضي قدما بحياتهم. للمصاهرات بين هؤلاء قصة قديمة ومتشعبة، إلى الحد الذي تفرعت عنها ظلال كثيرة تحجب الضوء. كيف دخلت عائلة محمد بن عبد الكريم الخطابي في دوامة مصاهرات الفاسيين لن تتعجبوا إذا علمتم أن المقاوم الريفي، محمد بن عبد الكريم الخطابي، لديه علاقة مصاهرة مع الفاسيين. صحيح أن الخط الذي تصاهر معه الخطابي، يبعد عن آل بنجلون، إلا أنه يلتقي معهم في فروع أخرى، متشعبة. حسب مصدر عليم بالأنساب الفاسية وعلاقتها بالأسر الأخرى، فإن عائلة محمد بن عبد الكريم الخطابي تلتقي في مصاهرة مع أسرة فاسية عريقة هي عائلة بوجيبار. هذه العائلة التي تفرعت من خلال ابنين كان لهما شأن عظيم في فاس، ليصير لكل واحد منهما شجرة مستقلة من الأبناء والأحفاد، نتيجة مصاهرات مع عائلات أخرى أولها عائلة بنسليمان الفاسية، فيما فرع آخر منها نتجت عنه مصاهرة أخرى ولدت لنا السياسي محمد بوستة. نفهم أن عائلة محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي كان معروفا بمواقفه المتعارضة مع نفوذ الفاسيين، تلتقي عبر مصاهرته مع بوجبيار، مع عائلة بنسليمان، التي لام الجميع واحدا من كبار أبنائها، الفاطمي بنسليمان، على مواقفه وعلاقته بالفرنسيين بعد نفي الملك محمد الخامس. القليلون فقط يعلمون أن المصاهرة بين أبناء محمد بن عبد الكريم الخطابي، مع عائلة بوجبيار، أدخلت الأسرة الريفية في علاقة تلاقح مع الفاسيين، عبر هذه الأسرة التي كانت طيلة عقود، قاربت القرن، تبارك زيجات فاسية خالصة، نتج عنها تمازج بين أجيال من الأسر، التي أنجبت سياسيين معروفين، سواء خلال السنوات الأخيرة من الحماية الفرنسية، أو السنوات الأولى لمغرب ما بعد الاستقلال. بعض الأسماء فرقتها الأحداث. ومن المفاجئ حقا أن نجد بعض الأسماء التي حكم عليها مغرب الاستقلال بالخيانة والعمالة لفرنسا، أنها تشترك عائليا مع أسماء اصطفت في صف الوطنيين وتقلد أبناؤها المناصب الوزارية الأولى في المغرب. الفاسي أول هذه الأسر، ولأن التشعب هنا يبلغ من التعقيد مبلغا كبيرا، يحجب زيجات كثيرة ربما لن يتسع المجال لذكرها هنا كاملة.. إلا أننا سنبسط الأمر بالقول إن آل بنسليمان بدأوا من العربي بنسليمان، حيث إن أبناءه محمد بنسليمان وزينب بنسليمان، دخلا في زيجات مع أسر فاسية، نتج عنها وجود مريم الكباص أم عبد الكريم الخطيب، ويستمر النسب نزولا إلى الجيل الذي بعده ثم الذي يليه، لتحل مصاهرة بين آل بنسليمان وآل حصار. نقصد هنا محمد حصار الذي كان رجلا نافذا في الداخلية. هذا الأخير سيسمح بمصاهرة تاريخية تدخل أسرة بعيدة تماما عن محيط هذه الأسر وعلاقات أفرادها المتشعبة التي لاقت بين أسماء يصعب تصديق أن هناك روابط عائلية بينها. الماريشال أمزيان زوج ابنتيه للملياردير عثمان بنجلون والجنرال المذبوح الذي قاد انقلاب الصخيرات! لنبدأ بمصاهرة غريبة تجمع بين اسمين يعرفهما الجميع. لن تصدقوا مثلا أن عثمان بنجلون، رجل المال الثري، يلتقي مع الجنرال المذبوح، الذي انقلب على الحسن الثاني في الصخيرات سنة 1971 في علاقة مصاهرة. المارشال أمزيان، الذي عاد من إسبانيا بنياشين كثيرة، بعد أن بدأ قصة حياة غريبة كواحد من أبناء الريف الذين تلقوا تكوينهم العسكري في إسبانيا وشاركوا مع الجنرال فرانكو في حربه، إلى درجة أن الإسبان أصبحوا يكرهون، جيل الماريشال أمزيان، بعد نهاية نظام الدكتاتور الإسباني قبل عقود. لكن المختلف في قصة أمزيان، أنه بدأ حلم الالتحاق بالحياة العسكرية عندما كان طفلا بسيطا لا يختلف في شيء عن أبناء الريف، إلا أنه أجاب ببراءة الأطفال، عن سؤال وجهه له الملك ألفونسو الثالث عشر: «ماذا تريد أن تصبح في المستقبل»؟ في زيارته لمدينة مليلية وتفقد أوضاع الناس هناك، ليكون جواب الطفل أمزيان إنه يحلم أن يكون مثله. رغم حداثة سنه، يقول الذين رووا الواقعة التي شكلت منعطفا حاسما في حياة الماريشال أمزيان، إلا أنه أجاب الملك ألفونسو بثقة نفس كبيرة، وهو ما أثار إعجاب الأخير. فهم ألفونسو أن للطفل أمزيان حلما يتلخص في ارتداء البذلة العسكرية، وهو ما وعد ألفونسو الثالث عشر بتحقيقه للطفل أمزيان حالما يقفل عامه السادس عشر. تحقق الوعد، وأصبح أمزيان ضمن الجيش الإسباني سنة 1913، ليصبح بعد ذلك أول مغربي، مسلم، يحصل على رتبة الجنرال في جيش إسبانيا. قاده ذلك الطموح الذي تكلل بالنجاح المهني، أن يحمل السلاح ضد عبد الكريم الخطابي، ما دام يقاتل في صف إسبانيا التي واجهت مقاومة كبيرة في الريف. مرت السنوات وكان اسم الماريشال أمزيان حاضرا خلال الأحداث الداخلية العنيفة التي عرفتها إسبانيا خلال عهد فرانكو، ليحصل بعد نهاية الحرب الأهلية على منصب حاكم لمنطقة جزر الكناري وأقاليم أخرى فيما بعد، ليلتحق أخيرا بالجيش المغربي بعد أن قضى مسارا طويلا مع الجيش الإسباني، إلى أن توفي في ماي 1975. للماريشال أمزيان عدة أبناء، ابنته ليلى تزوجت بعثمان بنجلون، رجل الأعمال المغربي وأيقونة عالم المال. فيما البنت الأخرى، زليخة، تزوجت بالجنرال المذبوح أيام كان في قمة نجاحه العسكري في الجيش المغربي، قبل أن تأتي سنة 1971 وتكون نهايته مأساوية فوق عشب قصر الصخيرات بعد فشل الانقلاب. للماريشال أمزيان ابنة أخرى اسمها مريم، هذه الأخيرة تزوجت من أحد الأثرياء النافذين، كانت تربطه علاقات متينة مع أهم رجال السياسة والاقتصاد في إسبانيا، ويمتد مجال نفوذه إلى درجة أنه ربط علاقات متينة مع الجنرال فرانكو أيام قوته. يقول المصدر الذي شرح لنا هذا التقارب العائلي، إن العلاقة الوطيدة بين الجنرال فرانكو وهذا الثري، هي التي مهدت لفكرة المصاهرة بينه وبين الماريشال أمزيان. لكن المعلومات المتوفرة عن أصل المصاهرة بينه وبين عثمان بنجلون والجنرال المذبوح، تذهب إلى أن الأمر راجع إلى الحظوة التي كان يتمتع بها الماريشال أمزيان في المغرب بعد التحاقه بالجيش المغربي. هذا الطفل الريفي الصغير القادم من بني نصار، ليصبح في أعلى قمة المؤسسة العسكرية في إسبانيا، تحول نجاحه إلى ما يشبه حلقة الوصل التي ستجمع ريفيا آخر بآل بنجلون، عندما يشترك الجنرال المذبوح مع عثمان بنجلون في تأسيس زيجات من بنات الماريشال أمزيان. حسب مصادر عايشت تلك الأحداث خلال بداية السبعينات، فإن الجنرال المذبوح، حتى لو نجا بجلده، ولم يُقتل على يد شريكه في التخطيط للانقلاب، الكولونيل اعبابو، فإن علاقة مصاهرته بالجنرال أمزيان لن تشفع له للنجاة من العقاب الذي طال كبار الأسماء العسكرية التي اقتيدت إلى حبل المشنقة ساعات بعد السيطرة على مجريات الأحداث. كتب للماريشال أمزيان، أن يعيش سنوات إضافية، ليشهد النهاية المأساوية لصهره الذي جاءه قبل سنوات من ذلك التاريخ ليطلب يد واحدة من بناته، ولم يتردد الأخير في منحها لشاب ريفي طموح، كان يتسلق الرتب العسكرية في الجيش المغربي بمهارة وسرعة، ليصبح سريعا واحدا من أضلاع المربع المحيط بالحسن الثاني خلال بداية الستينات، ويثار اسمه كواحد من الذين جمعوا بين المناصب السيادية في الداخلية، والرتب العسكرية. حسب شهادات الجنود فإن جثة الجنرال المذبوح، الذي دان له الكثيرون بالولاء وأصروا على الشهادة بحسن سيرته وسلوكه وبعده عن الارتشاء الذي كان يغزو صفحات سمعة مسؤولين كثيرين في المغرب، كان مصيرها أن تبقى طريحة عشب قصر الصخيرات لأيام قبل أن يتم انتشالها مع جثث الكثيرين الذين قضوا في ذلك اليوم. نهاية لم تعجب الكثيرين، خصوصا أن الجنرال المذبوح كان، حسب الذين كانوا حاضرين في قصر الصخيرات، يماطل شريكه الذي بدا هائجا يوزع الرصاص في كل اتجاه ويقتل ضيوف القصر الملكي، وجلهم شخصيات دبلوماسية أجنبية، وتستر عن الوجهة التي قصدها الملك الحسن الثاني ومقربيه، ولم يبح بها للكولونيل اعبابو، الذي أرداه قتيلا لما لمس منه ما أحس بأنه «تراجع». قدر المذبوح إذن، أن يموت بين المعسكرين، وذنبه أن أشرك اعبابو في التخطيط للاستيلاء على الحكم، وهو ما يمكن اعتباره طموحا كبر عن حده فانقلب إلى ضده. هذا الطموح الذي بدأ عندما قرر الأخير أن يصاهر الماريشال أمزيان، ويلتقي مع عثمان بنجلون في علاقة مصاهرة. نهايته وحدها حكمت عليها بالإعدام، لتصبح العلاقة ككل، موضوعا، لا يرغب أحد في إثارته بعد سنة 1971. هكذا التحق ادريس البصري بالفاسيين وزوج ابنته من أسرة حصار ادريس البصري، الذي جاء من عائلة بسيطة جدا من «العروبية» كما كان يحلو له أن يسميها، سيدخل في مصاهرات مع الفاسيين، ومن الباب الواسع أيضا. توقفنا عند المصاهرة التي حلت بين آل بنسليمان وآل الفاسي وتلاقح جزء منهم مع آل بوجيبار، وما نتج عن ذلك من ميلاد أسماء أعمامها من أسرة نافذة وأخوالها من أسرة أخرى، فاسية بطبيعة الحال، ليصبحوا وزراء في حكومات الستينات والسبعينات، ومسؤولين كبارا في مؤسسات أخرى. قلنا إن الأمر نتجت عنه مصاهرة ما، أدخلت أسرة حصار في علاقة مع عائلة بنسليمان التي أنجبت عبد الكريم الخطيب والجنرال حسني بنسليمان أيضا. عائلة حصار، سمحت بإدخال عنصر جديد إلى دوامة المصاهرات، حيث تزوجت «وداد» ابنة وزير الداخلية القوي ادريس البصري، بابن حصار، واسمه عبد الله الحصار. ليصبح «العروبي» كما كان يقول مفتخرا، صهرا لأسرة فاسية جمعت مصاهرات كثيرة مع أسر فاسية أخرى كان أفرادها يحكمون المغرب. لنعد أولا إلى حصار، الذي كان أيضا واحدا من الأسماء الذين أنجبتهم الداخلية. أي أن ادريس البصري وحصار، جمعتهما أمور أخرى في الحقل السياسي، الذي اشتغل كل واحد منهما داخله، على حدة، قبل أن تجمعهما المصاهرة. إلا أن حصار كان يتمتع برصيد يفوق رصيد ادريس البصري، ليس فقط لأنه ينحدر من أسرة تربطها مصاهرات مع الفاسيين كما رأينا، ولكن لأنه كان يربط علاقات أقوى من علاقات البصري، الذي كان حتى وهو في أوج قوته، محط كره كبير من الفاسيين. من بين الأسرار التي يعلمها القليلون فقط من المحيطين بادريس البصري، أنه كان يكره الفاسيين بدوره، خصوصا في السنوات الأولى لاشتغاله في وزارة الداخلية قبل أن يصبح وزيرا على رأسها. واستمر الأمر حتى بعد أن أصبح وزيرا للداخلية، إذ كان يسر للمقربين منه، كلما خرج من مكتبه في اتجاه الديوان الملكي، أنه ذاهب لينزل الفاسيين إلى الأرض. حيث كان معروفا أن أسماء تنحدر من عائلات فاسية عريقة، كان أبناؤها قد وصلوا إلى الديوان الملكي وعمل بعضهم كمستشار للملك الحسن الثاني. البصري كان يقصد بكلامه أنه كان يتمتع باستعراض صلاحياته التي يخولها له قربه من الملك الراحل الحسن الثاني أكثر مما يخولها له منصبه كوزير للداخلية. لكن أقدار هذا الأخير، شاءت أن يبدأ من الصفر ويتسلق إلى أن يصبح اسمه على كل لسان، ولم يكتمل نجاحه، أو هكذا يرى من عرفوه عن قرب، إلا عندما أدمج دمه مع عرق فاسي عريق، يجمع أجداده بين أسر كثيرة، ولم يكونوا في الحقيقة إلا نتاجا لمصاهرات فاسية مائة بالمائة. وهكذا أصبح ادريس البصري، مساهما في ولادة جيل آخر من أبناء أسرة حصار. عندما يلتقي عواد مستشار الملك مع عائلة نزار البركة الوزير في الحكومة السابقة يعود حزب الاستقلال مجددا إلى دائرة الضوء، فحتى الذين لم يكونوا يحملون كنية الفاسي في أسمائهم العائلية، فإنهم يرتبطون بها بالمصاهرة حتى لو كانت بعيدة.. لكن المثير أن الكل وصل إلى هرم السلطة. عائلة البركة، والذين تدرجوا بدورهم عبر مصاهرات مع عائلة الفاسي، من خلال تفاصيل يصعب شرحها في حيز ضيق، لديهم علاقات جاءت نتيجة مصاهرة في درجات عائلية ليست في الحقيقة إلا فروعا لشجرة واحدة تعود لآل الفاسي وتلاقحات مثمرة بينهم وبين أسر أخرى مستقلة. محمد عواد، الذي كان مستشارا للملك الحسن الثاني، ليس في الحقيقة إلا نتيجة لمصاهرة كبيرة مع عائلة الفاسي، تعود إلى وقت مبكر أيضا، أي قبل الاستقلال بفترة قصيرة. إذ أن عائلته تزوجت من عائلة الفاسي، من خلال زيجة كان هو نتيجة لها، وهنا تدخل عائلة البركة على الخط، من خلال مصاهرة أخرى تجمع عائلة عواد بعائلة البركة، والتي يعد الوزير الاستقلالي السابق للاقتصاد والمالية (قبل التعديل الحكومي بعد انسحاب حزب الاستقلال من حكومة عبد الإله بنكيران) نزار البركة أحد أشهر أبنائها. عندما يلتقي الاتحادي اليازغي بالاستقلالي الديوري بلافريج، كان معروفا أنه واحد من الأسماء التي ساهمت في التأسيس للحكومات الأولى في سنوات الستينات. بالإضافة إلى وزنه السياسي، كان معروفا بأنه ينحدر من أسرة فاسية تربطها مصاهرات قوية مع أسر فاسية أخرى. بلافريج شغل منصب وزير الصحة، ليصبح بذلك أول وزير يتقلد هذا المنصب. لبلافريج أبناء قليلون، واحد منهم هو محمد بلافريج وكان في وقت مبكر، موظفا كبيرا في المكتب الشريف للفوسفاط. أسرة بلافريج أقامت مصاهرة مع أسرة الدويري، ونتج عنها بروز اسم آخر هو محمد الدويري، الذي تقلب في الوزارات من خلال حكومات كثيرة، لينجب عادل الدويري، الذي كان بدوره وزيرا للسياحة في حكومة عباس الفاسي الأخيرة. ولفهم علاقة هؤلاء بآل اليازغي، فإن بنتا لمحمد بلافريج، كانت قد تزوجت في وقت مبكر أيضا، لتزف لآل اليازغي، وتنجب في ما بعد محمد اليازغي، الذي ناضل في صفوف الاتحاد الاشتراكي، وأصبح وزيرا في حكومة التناوب الأولى سنة 1998، بعد سنوات طويلة قضاها معارضا رفقة عبد الرحيم بوعبيد وآخرين. هذه المصاهرة بين آل بلافريج، والدويري من جهة، وبين اليازغي من جهة أخرى، أدت إلى وجود أسر يبقى أمر مصاهراتها مغيبا عن المشهد السياسي. هذا الأخير الذي يبدو فيه التياران في تنافر، لكنه في الحقيقة يجمع ما تفرقه السياسة في قرابة الدم. ولعل المغاربة يعلمون جيدا المحطات السياسية التي مر منها المغرب منذ سنوات الستينات، والمواقع التي تنقلت خلالها الأحزاب السياسية المغربية، بين المعارضة وتكوين الحكومات، والمنافسات الانتخابية وحتى الاتهامات التي يتبادلها الفرقاء السياسيون، لكن الحقيقة أن أشياء أخرى تجمعهم، توحدها قرابة الدم، والمصاهرات المتشعبة.
الفاسيون وأبناء عمومة القصر الملكي هنا يلتقي نسب هؤلاء الذين ذكرنا: آل بنسليمان والفاسي، وما تفرع عنهما من أسر باتت من نفس العائلة كأسرة حصار الذي صاهر ادريس البصري وأسرة بوستة التي كان أحد أبنائها هو السياسي امحمد بوستة، نسب هؤلاء جميعا قد يلتقي مع العلويين. يشرح لنا مصدر عارف بأشجار النسب التي يبدو أنها تخفي ظلالا كثيرة نتيجة تشابك الفروع، كيف أن «لالة بدرة» القادمة من أسرة بنسليمان كانت حلقة المصاهرة التي ستدخل في نسب السلطان مولاي يوسف أب الملك محمد الخامس. وهي، أي لالة بدرة، تقع في نفس المرتبة في الشجرة الكبيرة التي أنجبت الجنرال مولاي حفيظ العلوي. ولا حاجة إلى أن نذكر أن مولاي حفيظ العلوي يلتقي مع آل الخطيب في المصاهرة التي تمت بين آل الكباص (عائلة أم عبد الكريم الخطيب)، وآل بنسليمان. الجنرال مولاي حفيظ العلوي، الذي يقع في درجة أقل من درجة مولاي علي العلوي، الذي كان واحدا من الوجوه الحاضرة بقوة إلى جانب الملك الحسن الثاني، شغل هو الآخر منصبا غاية في الأهمية حيث أشرف على التشريفات والأوسمة، ويروي عنه الكثيرون أنه كان صارما، ليس فقط بفضل انتمائه العسكري، ولكن أيضا لأنه كان يحفظ لنفسه شخصية عصية على الاختراق. ويرجعها الكثيرون إلى قربه من الملك الراحل الحسن الثاني، ليس فقط في هرم السلطة، ولكن في القرابة العائلية. هذه القرابة ليست إلا مصاهرات مع أسر فاسية قديمة في السلطة تدرج بعضها في الوزارات منذ أيام المولى يوسف، كما هو حال عبد الله الفاسي وعبد الواحد (والد علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال)، مع بعض أمراء الدولة العلوية وسلاطينها أيضا. نفس الأمر يسري على أسرة الكتاني، الذين جمعتهم مع الملوك العلويين علاقات وطيدة. فالكتانيون يلتقون أولا مع آل الفاسي، قبل أن يصبحوا داخل شجرة واحدة يتشابك فيها النسب العلوي مع الفاسي.
السلفي حسن الكتاني والعلويون وعائلة الثري ميلود الشعبي! منذ أيام السلطان مولاي يوسف، كان أغلب أبناء عائلة الكتانيين قد أتموا دراستهم وتبوؤوا مكانة اجتماعية متقدمة بين النخب. هؤلاء كان عليهم أن يتصاهروا مع آل الفاسي الذين كانوا منذ ذلك الوقت، أيام مولاي يوسف، وزراء كبار في الدولة. متى بدأت العلاقة بين الكتاني والشعبي؟ منتصر الكتاني، وهو واحد من أبرز أبناء عائلة الكتاني وأكثرهم قربا من عائلة الفاسي، تزوج في وقت مبكر من السيدة آسية، والتي تشترك مع علال الفاسي في جدهما عبد الله الفاسي، أي أنها من الجيل القديم للفاسيين. وهنا بالضبط تصاهرت عائلة الكتاني مع عائلة الفاسي، تلك المصاهرة التي سيكون