قبل أزيد من ثلاثة عقود، كتب واتربوري، في كتابه " أمير المؤمنين، الملكية والنخبة السياسية المغربية" أن دوائر النخبة في المغرب تتشكل عبر عنصرين أساسيين: بالوراثة وذلك بانفراز شخصيات سياسية عبر قنوات بيولوجية في الأساس، وبذلك يصبح ابن الزعيم زعيما، وابن القائد قائدا. ويمكن للشخص أيضا أن يخترق دوائر النخبة المغربية، بحسب كاتب "أمير المؤمنين"، عبر المصاهرة بين العائلات ليبقى عامل فرض الذات داخل الصراع العائلي ليصل إلى مركز القيادة. اليوم في المغرب، بدأت تتخلخل هذه القاعدة التي دامت في بنية النخبة السياسية لمدة عقود. فوصول شخص مثل شباط اليوم إلى الأمانة العامة لحزب " سي علال" عبر صناديق الاقتراع متفوقا على نجل "علال الفاسي" زعيم الاستقلاليين يجعل من نظرية النخبة المغربية تفقد صلابتها التفسيرية على الأقل ظاهريا. فهل نحن فعلا أمام تحول في بنية النخب السياسية؟ أم أن مسألة صعود شخص لا ينتمي، لا عن طريق النسب أو المصاهرة لآل فاس، هو مجرد تبادل أدوار متحكم فيه عن بعد ؟ شباط وصل اليوم إلى الأمانة العامة، بتوافق ودعم من وجوه بارزة داخل الاستقلال، ومن شخصيات سياسية ذات أصول فاسية، مثل بادو والدويري وغلاب واحجيرة، دعمت "السيكليس" لكي تتمكن من وضع قدم في الحكومة الحالية، اختار الاستقلاليون بين رجلين مختلفين تماما والطموح السياسي فرق أبناء القبيلة الواحدة، لتكون بذلك نوازع النفس الأولى هي المفسرة، كما قال العروي في كتابه "من ديوان السياسة" لأي فعل غريب يمكنه أن يطفو فوق الساحة السياسية. فكيف يمكن لأشخاص تقلدوا مناصب وزارية في عهد الحزب الاستقلالي المغلق على "فاسة" من دعم " مصلح الدرجات" الذي أصبح الرجل الأول في حزب " الفاسيين" ؟ البعض اعتبر أن هذا انقلابا على العائلة الفاسية داخل الحزب، وأن صعوده ينم عن تحول في بنية النخبة التي قادت المغرب لسنوات. هذا تحليل متسرع يهمل معه مجموعة من المعطيات النسقية systémique المفسرة لعملية تجديد النخب، خصوصا أن عملية التحول تتطلب تحولا مجتمعيا ينعكس بدوره على النخبة المشكلة لإحدى طبقات المجتمع وليس من خلال وصول شخص إلى رأس هيئة تنظيمية. فالقائل بإن هناك عملية تجديد لطبقة النخبة، ينسى أو يتناسى أن عملية التجديد لا يمكن أن تكون بوجوه وأفراد متحكم فيهم من فوق، وبالتالي ستجدد النظام السياسي كعادته انطلاقا من نخب مستحدثة مدجنة وخاضعة لمنطق التضييق والاحتواء الذي يعتمده المخزن منذ 13 قرن على وجوده.