حبوب يتحدث عن إدارة الإرهاب عن بعد واستمرارية التهديدات المنبثقة من الساحل من طرف كل من"القاعدة" و"داعش"    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية إستونيا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    توقيف فرنسيين بمراكش لتورطهما في جريمة قتل موظفين بسجن فرنسي    طقس بارد نسبياً وأمطار متفرقة متوقعة غداً الثلاثاء    تسجيل هزة أرضية خفيفة بالعرائش    أنشيلوتي: "مودريتش بمثابة هدية لعالم كرة القدم"    تداولات "البورصة" تنطلق بالارتفاع    وصول أول دفعة من مروحيات أباتشي AH-64E إلى طنجة    الذهب يستقر قرب أعلى مستوى    الدار البيضاء.. الأوركسترا السيمفونية الملكية تحتفي بالفنان الأمريكي فرانك سيناترا    سفير اسبانيا .. مدينة الصويرة تلعب دورا محوريا في تعزيز الروابط الثقافية بين المغرب واسبانيا    دنيا بطمة تعود إلى نشاطها الفني بعد عام من الغياب    نقابة الصحفيين التونسيين تدعو لإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين مع التلويح بإضراب عام في القطاع    رصاصة شرطي توقف ستيني بن سليمان    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الاتحاد الأوروبي يعلن تعليق عقوبات مفروضة على قطاعات اقتصادية أساسية في سوريا    مع اقتراب رمضان.. توقعات بشأن تراجع أسعار السمك    دراسة تكشف عن ارتفاع إصابة الأطفال بجرثومة المعدة في جهة الشرق بالمغرب    ائتلاف مغربي يدعو إلى مقاومة "فرنسة" التعليم وتعزيز مكانة العربية    الذهب يحوم قرب أعلى مستوياته على الإطلاق وسط تراجع الدولار وترقب بيانات أمريكية    فنلندا تغلق مكتب انفصاليي البوليساريو وتمنع أنشطتهم دون ترخيص مسبق    دينغ شياو بينغ وفلاديمير لينين: مدرسة واحدة في بناء الاشتراكية    السد القطري يعلن عن إصابة مدافعه المغربي غانم سايس    المهاجم المغربي مروان سنادي يسجل هدفه الأول مع أتليتيك بلباو    وزير يقاتل في عدة جبهات دون تحقيق أي نصر!    ألوان وروائح المغرب تزين "معرض باريس".. حضور لافت وتراث أصيل    اختتام النسخة الأولى لبرنامج الدبلوم الجامعي في تقييم التكنولوجيات الصحية بفاس    إصابة نايف أكرد تقلق ريال سوسييداد    انفجار يطال قنصلية روسيا بمارسيليا    وزيرة الفلاحة الفرنسية: اختيار المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس يعكس جودة التعاون الثنائي    "كابتن أميركا" يواصل تصدّر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    المعرض الدولي للفلاحة بباريس 2025.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما في مجال الفلاحة الرقمية    الملك يأمر بنقل رئيس جماعة أصيلة إلى المستشفى العسكري بعد تدهور حالته الصحية    السعودية تطلق أول مدينة صناعية مخصصة لتصنيع وصيانة الطائرات في جدة    الصين: "بي إم دبليو" تبدأ الإنتاج الضخم لبطاريات الجيل السادس للمركبات الكهربائية في 2026    غوتيريش: وقف إطلاق النار في غزة "هش" وعلينا تجنب تجدد الأعمال القتالية بأي ثمن    اتحاد طنجة يسقط أمام نهضة الزمامرة بثنائية نظيفة ويواصل تراجعه في الترتيب    آزمور.. مولود نقابي جديد يعزز صفوف المنظمة الديمقراطية للشغل    غياب الإنارة العمومية قرب ابن خلدون بالجديدة يثير استياء وسط السكان    قاضي التحقيق بالجديدة يباشر تحقيقًا مع عدلين في قضية استيلاء على عقار بجماعة مولاي عبد الله    مناقشة أول أطروحة تتناول موضوع عقلنة التعددية الحزبية في المغرب بجامعة شعيب الدكالي    الوزير يدعم المغرب في الحفاظ على مكسب رئاسة الكونفدرالية الإفريقية للمصارعة وانطلاقة مشروع دراسة ورياضة وفق أفق ومنظور مستقبلي جديدة    قطار يدهس رجل مجهول الهوية بفاس    نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي يدعو إلى قتل الفلسطينيين البالغين بغزة    صدمة كبرى.. زيدان يعود إلى التدريب ولكن بعيدًا عن ريال مدريد … !    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزواج الكاثوليكي
 بين المال والسلطة
نشر في اليوم 24 يوم 03 - 06 - 2018

في أوج حملة المقاطعة التي بعثت إلى كل من يهمه الأمر رسالة مفادها رفض المواطن استمرار التداخل بين المال والسلطة، جاء انتخاب صلاح الدين مزوار على رأس «الباطرونا»، ليخلط الأوراق من جديد في سياق سياسي يتسم بالجمود.
الحدث رأى فيه حزب العدالة والتنمية «خطوة صريحة» نحو تحويل نقابة رجال الأعمال إلى أداة في الصراع السياسي ضد الحكومة. عبد الله بوانو، برلماني الحزب، كشف صراحة أن «الباطرونا» في كل دول العالم تعيش تحت ظل الحكومات، إلا أنها في المغرب تقوم بأدوار سياسية، كما حدث «في عهد حكومة بنكيران، حيث روجت خطابا سياسيا تأزيميا»، وأضاف موضحا: «في 2013، أثناء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمغرب، رفضت «الباطرونا» لقاء رجال الأعمال الأتراك، كما خاض بعض أعضائها انتخابات مجلس المستشارين بلون سياسي معين، وأرادوا في 2016 إسقاط حكومة بنكيران».
توجس العدالة والتنمية وغيره من تحويل «الباطرونا» إلى أداة سياسية، ردّ عليه مزوار مسبقا بالقول إن انتخابه لا ينطوي على أي خلط بين السياسة والأعمال، كما قدّم استقالته من حزب التجمع الوطني للأحرار، في إشارة إلى أنه لن يرتهن في موقعه الجديد لتوجهات الحزب وأولوياته. لكن مصطفى أكوتي، أستاذ باحث مبرز في الاقتصاد، يرى أن انتخاب مزوار يندرج في السيناريو نفسه الذي أتى بأخنوش إلى رئاسة الأحرار، قائلا: «يبدو أن انتخاب مزوار على رأس الباطرونا هو السيناريو نفسه الذي أتى بأخنوش»، وأضاف أن مضمون هذا السيناريو «يبقى هو نفسه، أي توظيف رجال الأعمال للتحكم في المعادلة السياسية. من هذه الناحية يشكل هذا الحدث ترتيبا أوليا لما بعد التعويل على أخنوش، أي أنه نهاية لمعركة عض الأصابع بين أطراف داخل السلطة».
كما أن جل المتتبعين لم يفصلوا بين انتخاب مزوار وصعود اسم عزيز أخنوش في الحياة السياسية. في هذا السياق، قال المعطي منجب، الحقوقي والمؤرخ، إن «انتخاب مزوار على رأس الباطرونا مجرد عملية شكلية، لأن النظام هو الذي قرر أن يضع صديق أخنوش على رأس نقابة رجال الأعمال، وهو الأمر الذي حدث بدقة». منجب اعتبر أن الغاية من وصول مزوار إلى رأس الباطرونا هي «توفير التقوية السياسية لعزيز أخنوش مرشحا من الآن لرئاسة الأغلبية الحكومية، سواء قبل 2021 أو بعدها».
ويبدو هذا التوجه قديما داخل السلطة، فخلال بداية الألفية الحالية تنافست داخل الباطرونا مقاربتان؛ الأولى تعتبر أن الباطرونا يجب أن تكون طرفا في العملية السياسية، بشرط أن تمارس «السياسة بمعناها النبيل»، أي الانتصار لقيم التحديث والديمقراطية والحكامة، ونموذجها عبد الرحيم الحجوجي (1994-2000) الذي رفض «تدجين الباطرونا من طرف وزارة الداخلية» في عهد إدريس البصري، ثم حسن الشامي الذي واجه عاصفة قوية خلال فترة رئاسته بين 2000 و2006. ومقاربة ثانية بدأت برفع شعار عدم الزج بالباطرونا في الصراع السياسي، بدأت مع انتخاب مولاي حفيظ العلمي (2006-2009)، ثم محمد حوراني (2009-2012)، لتنقلب الباطرونا عليها مع مريم بنصالح (2012-2018)، حيث أصبحت أداة في الصراع السياسي ضد حكومة بنكيران وتوجهاته.
في هذا السياق، يتوقع أن يسير صلاح الدين مزوار على خطى بنصالح، أي استعمال الباطرونا في خدمة السلطة وفي مواجهة الحكومة إن اقتضى الأمر ذلك، وهو خيار لا يبدو أن نتائجه ستكون في صالح التنمية الاقتصادية، ولا الاستقرار الاجتماعي. مصطفى كرين، رئيس المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية، يرى أن انتخاب مزوار في الظرفية الحالية «يبين أن عقل الدولة المغربية لم يستوعب بعد دلالات وأسباب الأزمة الاجتماعية الحالية»، مؤكدا أن انتخاب مزوار «يعد استمرارا لمنظومة الخلط بين المال والسلطة، وينذر بتوترات اجتماعية أخرى في سياق شعبي يتسم بالرفض القوي لهذا الخلط»..
البورجوازية المغربية بين عصا السلطة وجزرة الديمقراطية
الرئيس الجديد للمنظمة الممثلة للباطرونا في المغرب، صلاح الدين مزوار، يسعى جاهدا إلى إقناع الآخرين بأنه تخلى عن انتمائه «السياسي» السابق، باعتباره كان رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار. مزوار وعد، خلال حملته الانتخابية مرشحا لرئاسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بتجميد انتمائه الحزبي، وسارع، مباشرة بعد انتخابه، إلى إطلاق النار على الحكومة التي «يتحكم» في مفاصلها حزب الحمامة. فهل الهيئة شبه المحتكرة لتمثيل الباطرونا في المغرب بعيدة عن السياسة؟
لم يكن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، منذ تأسيسه قبل أكثر من ثمانين عاما، بعيدا عن السياسة وحساباتها. وإذا كانت هذه الهيئة التمثيلية قد خرجت إلى حيز الوجود في العام 1933، في سياق التوجهات الاستعمارية الفرنسية الرامية إلى إحكام السيطرة على ثروات المغرب، ثم شهدت هذه المنظمة ولادة جديدة منتصف التسعينيات، من خلال محاولة الملك الراحل الحسن الثاني استعادة زمام المبادرة في الحقل الاقتصادي؛ فإن السياق الحالي لا يخلو، بدوره، من ارتباط شبه مباشر بين اتحاد الباطرونا والفعل السياسي.
فرغم أن الغرفة الثانية للبرلمان، مجلس المستشارين، ظل من حيث تركيبته محتفظا بشكله السابق على دستور 2011، فإن هذا المجلس، بعد تجديده عام 2015، أصبح يعطي الاتحاد العام لمقاولات المغرب حق تشكيل فريق برلماني كامل، تماما مثل التنظيمات النقابية الممثلة للعمال والأشخاص الذين تنتخبهم غرف الصناعة والتجارة والفلاحة… الباطرونا دخلت المؤسسة التشريعية من أوسع أبوابها، بعدما أصبحت لها الكلمة العليا داخل الحكومة. أول مشروع عرضته وزارة الداخلية ليكون قانونا تنظيميا لمجلس المستشارين، كان عنوانه تقليص مقاعد ممثلي المأجورين والنقابات من 27 إلى 12 مقعدا، مع منح ممثلي المقاولات عددا مماثلا من المقاعد.
دور الباطرونا هذا سيتواصل بعد رحيل بنكيران، بل تعاظم وبات واضحا، من خلال توالي الهدايا الحكومية للباطرونا، والضغوط المتواصلة التي مارستها هذه الأخيرة على حكومة العثماني. معادلة معقدة تلك التي واجهتها الحكومة الحالية، حين كانت في طريقها نحو تحضير أول مشروع قانون مالي في ولايتها. العثماني، وبعد الالتزامات المرقمة التي أعلنها وزيره في الاقتصاد والمالية، والمتمثلة في الملايير التي ستخصص لإتمام المشاريع والأوراش الكبرى التي أطلقت بإشراف ملكي ثم تعثّرت؛ جلس، مستهل شتنبر 2017، لينصت إلى مطالب الباطرونا. وفد ممثل عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، تقوده الرئيسة السابقة للاتحاد مريم بنصالح، بسط أمام العثماني ووزرائه ملف انتظاراته من مشروع القانون المالي المقبل، والتي تتركّز في تخفيضات ضريبية، وتخفيف للأعباء الاجتماعية عبر التخفيف من قيود قانون الشغل، مقابل تسريع مساطر وآجال الأداء لفائدة المقاولات…
دور واحد منذ الحماية
«تأسس الاتحاد العام لمقاولات المغرب في العام 1941، بناء على تجمع آخر هو «اللجنة المركزية للصناعيين» التي أحدثت في العام 1933»، تقول مريم كاتوس، الباحثة التي تخصصت في النخبة الاقتصادية للمغرب. الباحثة تقول، في إحدى دراساتها، إن بوادر التحول في الوظيفة الأصلية لهذا الاتحاد ظهرت مع سياسات التقويم الهيكلي التي انطلقت في 1983. كان الأمر حينها يتعلّق بسعي الدولة إلى التقليل من حضورها وإسهامها في الاقتصاد والخدمات الأساسية، وفتح المجال تدريجيا أمام القطاع الخاص وجرعة أكبر من الليبرالية. التغيير الذي أقره المغرب في نظام الأسعار، أدى، حسب مريوم كاتوس، إلى إحداث تغيير في البنيات الاجتماعية وفي علاقات السلطة بين مختلف الفئات، وهو ما تقول إنه أدى إلى حدوث اضطرابات في تحالفات الدولة مع الفئات الاجتماعية. هذا التحول تكرّس في بداية التسعينيات، جاعلا الباطرونا وجها لوجه مع النقابات، تحت عين حارسة، لكنها بعيدة، للدولة.
هذه العلاقة بين أرباب الرأسمال بالمغرب والحكم ليست جديدة أو طارئة، بل تعود إلى التاريخ القديم للمغرب. علي بنحدو، وهو أستاذ جامعي مغربي، رسم تاريخ النخبة الاقتصادية في مؤلفين يحملان عنوان «المغرب: نخبة المملكة.. محاولة حول تنظيم الحكم في المغرب». المؤلفان يتضمنان تشخيصا سوسيولوجيا لكيفية استحواذ مجموعة قليلة من العائلات المغربية على السلطة الفعلية على المال والاقتصاد وحتى على المجتمع، في سياق استراتيجيا تتداخل فيها وتتكامل عناصر الجاه والزواج والمال، لتتشكل بذلك نخبة تتحكم في ممارسة الحكم وتشتغل داخل دوائره ضيقة.
وحسب بنحدو، هناك في المغرب أكثر من 280 شخصية تتحكم وتستحوذ على عالم السياسة والإدارة والاقتصاد في مستوياته العليا. ينحدر أكثر من نصف هذه العائلات من أصول تجارية ومالية كبرى، فيما ينحدر الباقون من عائلات «شريفة» متعلمة. وتكشف دراسة بنحدو أيضا أنساب هؤلاء المتحكمين، لتصل إلى أن أجدادهم خدموا «المخزن» منذ القرن التاسع عشر، وذلك من خلال تقلدهم مناصب الوزراء والكتاب والقضاة، وغيرها من الوظائف المخزنية الخاصة بذلك الزمان.
العائلة الكبيرة، حسب باحث آخر هو عبد الأحد السبتي، الذي كتب مقالة نشرها في المجلة الشهرية الناطقة بالفرنسية «زمان»، تعني انتقال الإرث المادي أو الرمزي. وخلص السبتي إلى أن فترة حكم العلويين شجعت بروز عائلات تنتمي إلى أصول عربية-أندلسية، مثل عائلة بنسودة، وعائلة بلحاج السولامي، وعائلة الفاسي الفهري. وحسب علي بنحدو، فإن الأشخاص الذين احتلوا مواقع في دائرة الحكم والسلطة، لم يكونوا بالضرورة متوفرين على كفاءات خاصة، لأنهم «ليسوا ورثة ثورة صناعية أو ثورة ثقافية، بقدر ما منحتهم علاقات الدم والنسب شرعية الهيمنة والسيادة». فمن بين 339 شخصية نافدة اليوم، تتراوح أعمارها بين 30 و70 سنة، يمثل نصفها العائلات الأكثر غنى في المغرب، فيما التحق 17 في المائة منهم بهذه «الطبقة» الاجتماعية عبر الزواج العائلي، ونسبة أخرى، تقدر ب15 في المائة، رجال متزوجون بنساء من خارج «العشيرة»، والباقون متزوجون بأجنبيات، خاصة الفرنسيات. ليكون بذلك الزواج نوعا من «التأمين» أو «الضمانة» لولوج دائرة الحكم والنخبة والثروة. ومن أمثلة ذلك الواضحة، علاقة المصاهرة القائمة بين عائلة بنجلون وعائلة أمزيان.
ثلاثية المال والجاه والثروة
دور آخر لعبته الملكية العقارية في تشكيل عائلات النخبة المغربية، فحسب غريغوري لازاريف، في مقاله حول الرأسمالية الزراعية في المغرب والصادر سنة 1975 بعنوان «حوليات شمال إفريقيا»، يرتبط نفوذ العائلات الكبرى في المغرب بمدى توسع أملاكها العقارية. ففي 1973، انتقل حوالي 500 ألف هكتار من أراضي المعمرين إلى ملكية عائلات كبرى تمثل نخبة المخزن وموظفي الدولة الكبار، إضافة إلى أكثر من 700 من الباشاوات والقياد الكبار، فيما تمكنت العديد من العائلات الكبرى منذ الثلاثينات من الاستحواذ على أكثر من ثمانية ملايين هكتار من الأراضي الفلاحية.
تمكنت النخبة الاقتصادية والسياسية بالمغرب، تاريخيا، من تعزيز مواقعها من خلال الجمع بين التحالف مع العائلات البورجوازية، والعائلات الأرستقراطية، والعائلات التي تحتكر السلطة السياسية في سياق ثلاثية المال والجاه والثروة. وفي الكثير من الأحيان، تستند هذه التحالفات إلى استراتيجية الزواج والمصاهرة. إذ لم يكن في الماضي لعائلات مثل «الفيلالي» و«العلوي» و«الوزاني» و«العمراني» و«الكتاني» و«العلمي» أي أساس اقتصادي. وكانت هذه العائلات تعتمد على هبات وعطايا السلطان، غير أنها اليوم، ومن خلال علاقات المصاهرة والزواج، ومن خلال المبادلات الاقتصادية، دخلت نادي العائلات الكبرى ذات النفوذ والتأثير، والتي مازالت تعتقد أن دور الدولة هو ضمان مصالحها وضمان استمراريتها. لذلك، جعلت هذه العائلات الكبرى من الجمعيات المهنية المتعددة الأسماء الوجه الاقتصادي لدورها السياسي.
مستقبل هذه النخب يتحدد على أعلى مستوى هرم السلطة. فبعد الاستقلال، كان الملك محمد الخامس هو من كلف عبد المجيد بنجلون، أحد أعمدة عائلة بنجلون الذي جمع ثروته خلال مقامه ببريطانيا حيث أشتغل مديرا لأحد المصارف، بتأسيس بنك للتجارة الخارجية. وبعد خوصصة البنك المغربي للتجارة الخارجية، أعاد الملك الحسن الثاني البنك إلى عائلة بنجلون، عبر عثمان بنجلون الذي كانت له مصالح كبيرة آنذاك في مجموعة أومنيوم شمال إفريقيا، المملوكة للأسرة الملكية. كما أصبح انتخاب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي يعد جمعية مهنية للباطرونا وناديا للعائلات الاقتصادية والمالية الكبرى بالمغرب، يحظى بمباركة القصر.
يخلص علي بنحدو، في مؤلفه حول نخب المملكة، إلى أن العائلات المغربية الكبرى مازالت غير مستعدة للتخلي عن ارتباطاتها بالمخزن أو بالدولة. ولا مجال، بالتالي، للحديث عن أي انفتاح سياسي أو تنمية أو عدالة أو ديمقراطية إذا استمرت العائلات الكبرى في انغلاقها، وفي مقاومة التغيير من أجل الحفاظ على مصالحها، وضمان إعادة إنتاج هيمنتها واستمراريتها. إن مفهوم العائلة، حسب بنحدو، يبقى مفهوما ذاتيا وغير موضوعي لأنه ينبني على العلاقات الأبوية وعلى المصاهرة.
لقد أدركت العائلات الكبرى في المغرب أنه لكي تصل إلى السلطة أو إلى الثروة، يكفيها أن تكون عضوا في جماعة عائلية أو جمعية لأصحاب المصالح أو دائرة تقنوقراطية كبرى، شريطة الحياد السياسي الذي يعتبر سمة مرغوبا فيها من طرف المخزن أو النظام. ومن البديهي أن تنظيم النخبة داخل عائلات كبرى -يقول علي بنحدو- هو الطريق الأفضل المؤدي إلى الارتقاء في السلطة. فالنجاح الاجتماعي لا يتحقق من خلال الكفاءة، بل يتوقف على الولاء والطاعة. وكان جون واتربوري قد أشار إلى ذلك في كتابه «أمير المؤمنين» بقوله: «نادرا ما توزع التعويضات حسب الكفاءة». الأمر هنا يتعلق بمجموعة من الزبناء الذين يسعون إلى تحقيق مصالح مشتركة، مستفيدين من حماية السلطة السياسية. فالعائلات الكبرى تخشى التغيير، لأن نتيجة التغيير هي تجديد بناء نخبة على أسس ومعايير مهنية أو سياسية، ومن شأن ذلك أن يكون مقدمة للإطاحة بمصالح وامتيازات العائلات الكبرى.
«بورجوازية» تتمرد
المزاج السياسي للباطرونا و«البورجوازية» لم يعد حكرا على الاتحاد العام لمقاولات المغرب، كما لم يعد هذا الأخير مؤشرا دالا على توجهات النخبة الاقتصادية وعالم المقاولات. فحزب المصباح اكتسح انتخابيا عام 2015، وفاز بكل المدن الست المصنّفة ضمن خانة المدن الكبرى ذات النظام الخاص المعروف ب«وحدة المدينة». مدن الرباط وسلا وطنجة وفاس ومكناس ومراكش كلّها فتحت أبوابها مساء تلك الجمعة 4 شتنبر أمام مرشّحي لوائح عبد الإله بنكيران. لكن، وعلاوة على الطابع الحضري والمديني لهذا الاكتساح الانتخابي، تكشف جلّ المعطيات المفصلة لتوزيع الأصوات التي خوّلت البيجيدي هذا الاكتساح، استقرار المصباح بشكل مريح داخل الأحياء الراقية، وتلك التي تسكنها «البورجوازية» المغربية، وهي التي ظلّت تتوجّس من الملتحين وتخشى وصولهم إلى السلطة.
الأحياء الرباطية، مثل السويسي وحسان، عزفت في المحطة الانتخابية الأخيرة نفس ألحان مثيلتها في دوائر ومقاطعات، مثل أنفا والمعاريف البيضاويين، وأكدال وسايس الفاسيين، وكليز والنخيل المراكشيين… بل إن حزب المصباح قام باختراقات جديدة في أوساط حضرية لم يعهدها، مثل بلدية الهرهورة في جنوب الرباط. هناك حيث اعتاد بعض المنتخبين استثمار بعض الأحياء الفقيرة للوصول إلى رئاسة الجماعة، مقابل لامبالاة سكان أحياء الفيلات التي تشكل غالبية النسيج العمراني للمدينة. فيما أجمعت النخب السوسية، مع باقي الأوساط الاجتماعية والشعبية في مدينة أكادير والمدن المجاورة لها، على تسليم المفاتيح لحزب العدالة والتنمية في سابقة تخرج المنطقة من نفوذ حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد عقود طويلة.
خبير السوسيولوجيا السياسية، محمد الناجي، فسّر حينها تلك النتائج بالقول إن «المقاولين، المتوسطين والصغار، هذه البورجوازية الحقيقية التي تتصارع في عالم الأعمال، هؤلاء الذين يشكلون تلك الطبقة الهشة ويتجاهلهم النظام وتزدريهم الأبناك، صوّتوا لصالح العدالة والتنمية لكي يطهّر عالم الأعمال، ولكي يتمكّنوا من استخلاص فواتيرهم، ويتمكنوا من ولوج القروض». الناجي يوضح أن الأمر يتعلّق هنا بالاقتصاد وليس بالمرجعية الإسلامية، «بل يتعلّق بالوضوح والحكامة، هؤلاء المساكين صوّتوا للعدالة والتنمية لكي يصلح المدرسة التي يبدو أنه يتجاهلها حتى الآن… لكنه إذا لم يبدِّ جدّية واضحة. سيفقد العدالة والتنمية غدا هذه الثقة ولن يكون بعد شيئا».
هذه الرسائل المكثفة التي قرأها الناجي في تصويت فئة من البورجوازيين والمقاولين الصغار لصالح حزب العدالة والتنمية، سبقتها رسائل أخرى مكثفة ومباشرة من حزب العدالة والتنمية وحكومته. عبد الإله بنكيران، وخلال خطاباته الجماهيرية برسم تلك الحملة الانتخابية، كان يثير موضوع علاقته برجال المال والأعمال مباشرة، بعد تذكيره بفضل حزبه في حفظ الاستقرار، وإنهاء ممارسات التسيّب التي عرفها المغرب موازاة مع الربيع العربي.
«تسهيل حياة المقاولة»، هكذا يلخّص بنكيران سياسة حكومته منذ يومها الأول تجاه الرأسمال والمقاولات. ودعوة مباشرة من رئيس الحكومة كانت تبعث بمناسبة وبدونها، مفادها «هذا رقمي الهاتفي الشخصي، اتّصلوا بي متى واجهتم صعوبة في الاستثمار أو عرقلة إدارية في مشاريعكم»، إلى درجة أن بنكيران فاجأ وزيره في الداخلية حينها، محمد حصاد، حين كان مستخدمو مقاولة كبيرة على أبواب العطالة لقرب إفلاس مقاولتهم، حيث أخبره باعتزامه الانتقال شخصيا إلى موقع الأزمة في حال تأخرت السلطات في معالجة الأمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.