اليوم قد لا نعرف معاني "الصرفة، العوا، السماك، الغفر، الشولة، النعايم، الدابح، سعد السعود، الخبية، فرع المؤخر، وبطن الحوت..." لكننا نعرف جيدا إلى ماذا تحيل كلمات من قبيل "العقرب، الدلو، الجوزاء، العذراء، الحمل ..". "ربما قد تكون تراجعت عن القيام بمهام صعبة من قبل، لكن الآن تستطيع التعامل معها بسهولة. في نقاشات العمل أنت واثق من نفسك، حتى إن جميع من يناقشونك يبدون إعجابهم بك". أما أنت ف"لديك شعور بأن القدر يتلاعب بك وهذا ما يضايقك بعض الشيء. قد لا يسير العمل بشكل جيد وتجد من يعرقلك بدل نصحك". لكن أنت اطمئن لأنك "ستجد عملا ستبرز فيه قدراتك، وستكون محبوبا لدى زملائك، رغم أن هناك من يحسدك لكن لا يجب أن تعيره أي اهتمام". إلى هذه العبارات يتسابق العديد من الأشخاص لقراءتها على صفحات بعض الجرائد أو المواقع الإلكترونية، كل منهم يريد معرفة حظه من خلال برجه، فهذا في برج العقرب والآخر في برج الجدي وثالث في برج العذراء أو الثور وغيرها من الأبراج. لكن أجدادنا كانوا يتعاملون بالأبراج لكن بشكل آخر، إذ كانوا يوظفونها ويعتمدون كذلك على ما يسمى ب"المنازل" في ضبط التاريخ، فما معنى البرج وما معنى "المنزلة"؟ المنازل قمرية والأبراج شمسية قد لا نعرف اليوم شيئا عن التقويم الشمسي والقمري غير مراقبة الهلال أو النظر إلى اليومية. لكن التقويم الشمسي-القمري يعود في جذوره إلى أصول عربية قديمة من فترة ما قبل الإسلام، ومن أولياته أنهم قسموا خلاله الدورة القمرية السنوية حول الشمس إلى 28 مسافة متساوية الأبعاد تقريبا، قوامها 13 درجة للواحدة وهو الطول الفعلي لكل منزلة قمرية بعدد الأيام، أي 13 يوما، وتستثنى منها واحدة تسمى (الجبهة)، تمتد لأربعة عشر يوما في السنة البسيطة، وخمسة عشر يوما في السنة الكبيسة. واختار القدماء 28 مجموعة أو (تشكيلة نجومية) لتكون محطات تحديد المسار في نهاية كل مسافة منها، إذ ينتقل عبرها القمر في دورانه وهي التي تشكل منازله. بمعنى أن القدماء قسموا السنة الشمسية إلى 28 فترة، تسمى "المنزلة" وأعطوا لكل واحدة منها اسما خاصا بها. أما الأبراج فهي تشكيلات نجمية أخرى عرف العرب القدامى الكثير منها، وهي متناثرة على طول المسار الظاهري للشمس الذي يسميه القدماء ب"دائرة البروج أو فلك البروج أو فلك الشمس". وأعطى القدماء أسماء صور لأشكال وكائنات لهذه الأبراج. وكان للبابليين فضل اختراع هذا العلم، إذ حددوا الأبراج في اثنتي عشر برجا. وجد الفلكيون روابط استدلالية بين الأبراج وبين "المنازل". فإلى حدود اليوم يستعمل المغاربة "المنازل" لتحديد مواعيد الزراعة وحصاد محاصيلها وغرس الأشجار وجني غلاتها، وكذا في تحديد مواسم الصيد البري للحيوانات وقنص الطيور.. وعبرها يمكن تحديد مواقيت المد والجزر، والتنبؤ بأوقات كسوف الشمس وخسوف القمر الذي تتفق فيه "المنازل" القمرية مع البروج الشمسية. انطلق هذا التقويم في المغرب منذ العهدين القرطاجي والفينيقي، إذ أصبح قاعدة للتقويم يعتمده الفلاحون منذ ذلك الوقت إلى حدود اليوم، وهو ما يفسر تفاوت الشهر ونظيره الفلاحي بثلاثة عشر يوما. بهذا التقويم يقف الفلاحون بشكل دقيق على الدورات المناخية وتحديد ضوابطها لصالح الفلاحة. لكل فصل "منازله" "فصل معتدل الهواء، تهيج فيه السوداء، وتكثر فيه الأسقام ويتنوع الداء، ويخف الحر وتطيب فيه الثمار، وتيبس الأنهار ويتساوى طول الليل مع النهار، فسبحان الله الواحد القهار" هكذا عرف محمد المرغيثي، وهو أحد المهتمين بعلم الفلك، فصل الخريف. يدخل هذا الفصل يوم 17 غشت الفلاحي أي في30 غشت في التقويم العادي. بعد دخوله مباشرة تخرج فترة "السمايم" أي في الواحد والعشرين أو الثاني والعشرين منه. ويمتد هذا الفصل ل89 يوما و 17 ساعة، ويحل الاعتدال الخريفي يوم التاسع من شتنبر. قال فيه صاحب "صبح الأعشى": "فصل الخريف ربيع النفس، كما أن الربيع ربيع العين. فإنه ميقات الأوقات وموسم الثمار وأوان شباب الأشجار وللنفوس في آثاره مربع، وللجسوم بخيراته مستمتع". حسب الفلكيين القدامى يشتمل هذا الفصل على ثلاثة أبراج وهي: الميزان الذي يبدأ في التاسع من شتنبر الفلاحي ثم برج العقرب الذي يبدأ في التاسع من أكتوبر الفلاحي ثم القوس في العاشر من نونبر. أما منازله فتبدأ بالصرفة التي يقول فيها الفلاحون المغاربة "الصرفة صرف ربي مصرف، أولها شياط ساعة مطرف، وأخرها ري حافر مترف، ويلا روات غير رعدة وتكرف" وهو المثل الذي يلخص الحالة الجوية لهذه "المنزلة"، أي أنها تكون عصيبة "صرف ربي مصرف" وتكون فيها رياح سرعان ما تتوقف، وأمطار قليلة "ري حافر". ويلي هذه "المنزلة" على التوالي: العوا، السماك، الغفر، الزبنان، الإكليل ثم القلب. ف"المنازل" الخريفية عند الفلاحين هي فعلا فترات عصيبة، إذ يكون فيها "البرد الحزماط" وهي رياح ليلية باردة نسبيا تدوم لعدة أسابيع، لأن الفصل في مجمله مرحلة انتقالية بين الصيف والشتاء. هكذا نحث الأولون مثلا يقول : "كون التحزميط ينفع كون ينفع برد الخريف". لكن رغم ذلك تبقى أمطار الخريف مهمة وذات نفع كبير وهو ما يترجمه المثلان: "العام المليح تصب شتات الخريف على كل ريح" و"اللي صبتو السما في الخريف تدخرو الأرض للمصيف". فصل الشتاء "فصل يزيد فيه البرد ويهيج فيه البلغم على الحر والعبد وتسقط فيه أوراق الأشجار وتجري في الأنهار ويجتمع أهل الدار على الاصطلاء بالنار فسبحان الواحد القهار " كما عرفه المرغيثي. يبتدئ هذا الفصل ب"منزلة الشولة" التي توافق السادس عشر من نونبر الفلاحي، ويكون الانقلاب الشتوي في الثامن من دجنبر الفلاحي الذي يتزامن مع برج الجدي. ويمتد ل22 يوم وساعة واحدة. وفي السابع عشر من يناير الفلاحي يكون برج الدلو، ويتلوه برج الحوت في السادس من فبراير الفلاحي. أما "منازل" هذا الفصل الشولة، النعايم، الدابح، سعد البولع، سعد السعود، الخبية. الربيع حسب تعريف المرغيثي دائما: "فصل معتدل الهواء، تهيج فيه الدماء، ويظهر فيه من الزرع الصلاح والنماء، وتتزاوج فيه الطيور وتهيج الذكور وتلقح فيه الأشجار، وتتزخرف فيه الأرض بأنواع الأزهار" وأبراجه الحمل والثور والجوزاء. ومنازله : فرع المقدم، فرع المؤخر، وبطن الحوت، والرشا، النطيح ثم البطين فالثريا فالدبران. السرطان ثم الدلو فالسنبلة، هذه هي أبراج فصل الصيف ومنازله كما هي معروفة بين الفلاحين: الهقعة، والهنعة والذراع والنشرة ثم الطرفة فالجبهة التي تعد أطول منزلة في السنة إذ تمتد إلى أربعة عشر يوما، ويضاف لها يوم آخر في السنة الكبيسة. وتبقى الخرثان آخر منازل فصل الصيف. بالمقابل هناك ثلاثة فترات لا علاقة لها بالمنازل. منها السمايم وهي فترة زمنية طويلة تبلغ أربعين يوما وتمتد من 25 دجنبر إلى 2 فبراير من كل سنة، تتميز بشدة البرد، تتوقف فيها كل النباتات والأشجار عن النمو والتبرعم. ثم السْمايْمْ وهي نقيض الليالي من حيث الطقس، فترة تمتد من 25 يوليوز إلى 2 شتنبر، تعرف بشدة الحرارة ، ورياح الشركي اللافحة. أما العَنْصْرَة فهي يوم واحد في السنة، يكون 7 يوليوز. هكذا كان القدماء يؤرخون ويقسمون السنة إلى 28 "منزلة"، لكل واحدة اسمها الخاص، وكان المتخصصون في علم الفلك يعرفون "المنزلة" من مجرد نظرة في نجوم السماء. أما اليوم إن سألت أحد الشباب من جيل الفايسبوك عن "الشولة" و"الهقعة" و"الهنعة" فقد لا يعرف معناها، لكنه بالمقابل قد يسألك عن برجك، ويخبرك بأن برجه هو الحمل أو الجوزاء ويجتهد في قراءة "حظه" في بعض الجرائد التي تخصص زاوية للأبراج. من دون أن يعلم ما تعنيه هذه الكلمات وما مصدرها ولأي غرض تستعمل. اليوم لا يخطئ المغربي "سان فالنتين" وغيره من الأعياد التي فاقت أعداد أيام السنة.