ينظر الشارع المغربي لما سيؤول إليه الوضع القانوني لدانيل كالفان فيينيا بعد سحب ملك المغرب لسابق العفو الذي منح إليه بمناسبة عيد العرش، وبعد القاء القبض عليه من طرف المصالح الأمنية الاسبانية وتقديمه ومثوله أمام المحكمة الوطنية الإسبانية وايداعه في السجن من طرف القاضي السباني درء لاحتمال هروبه ولخطورة الجرائم المقترفة من قبله. والواقع أن اعتقال دانييل كارفان فينيا في اسبانيا يوم الخامس من يوليوز ليس ناتجا عن مسطرة جارية ضده أمام القضاء الاسباني، بل تتويجا لأمر دولي بإلقاء القبض الصادر عن الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة من أجل إحضاره لإتمام ما تبقى من عقوبة الثلاثون سنة المحكوم بها عليه من طرف غرفة الجنايات الاستئنافية بنفس المحكمة، والتي لم يقض منها غير سنتين وثمانية أشهر. ولئن تنفس المواطن المغربي الصعداء بمجرد وصول نبأ الاعتقال إلي علمه، فإنه تنبغي الاقرار بكون الغموض مازال يكتنف مآلات القضية لدي الكثيرين كما يجدر التنبؤ بأن إحضاره أو اعتقاله بإسبانيا بسبب سحب الغفو سيثير مزيدا من الجدال وكثيرا من النقاش، وستستلهم الاشكاليات القانونية المنتظر إثارتها القضية فقهاء وخبراء القانون والقانون الجنائي بالخصوص، فارتأينا من موقعنا بداية فتح تلك المناقشة اسهاما منا في نقل وتوطين المعرفة القانونية. وهكذا، فإن هذه القضية كتب لها أن لا توصد بابا من النقاش إلا لتفتح دون أذني شك أبوابا أخرى بدءا بقانون العفو الذي حان الوقت لتقنين مسطرته وشروط الاستفادة منه وحالاته وآثاره ونوع الجرائم والعقوبات التي يمكن ان يمتد اليها وامكانية التراجع فيه وعلاقته بحقوق الضحايا واعلان ونشر لوائح المرشحين في وجه العموم والضحايا قبل أن يشملهم...،والكل بشكل يحقق الغايات التي دعت الى التفكير فيه و إلى الأخذ به وإقراره في كافة التشريعات المقارنة بما فيه القانون المغربي ودرء لأن لا يتحول إلى آلية تنال من مبدأ المساواة أمام القانون ووسيلة للتمييز ونهج يؤثر في عمل واستقلال السلطة القضائية. الأوضاع والصيغ والحالات الممكنة والمحتملة في قضية دانيل والآن وقد أصدر الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة أمرا دوليا بالبحث وإلقاء القبض على دانييل لما أملته ضرورة تطبيق مسطرة تسليم المجرمين وهو الحق الذي يؤول لممثل النيابة العامة استنادا على الفقرة الثامنة من المادة49 من القانون01.22 المتعلق بالمسطرة الجنائية، والذي تفاعلت معه السلطات الاسبانية مباشرة، فأقدمت على اعتقال دانييل كارفال فينيا. فإن الجميع الآن ودون استثناء يتأمل ويتنبأ ويدرس احتمالات نهاية المسطرة؟ بتسليم دانييل إلى المغرب لقضاء ما تبقى من العقوبة؟ أو لإعادة محاكمته؟ أو سيقضي العقوبة المتبقية في سجون اسبانيا؟ وهل السلطات القضائية الاسبانية سترفض طلب تسليمه إلى المغرب؟ وهل سيم إطلاق سراحه في اسباني؟ أم سيبقى معتقلا هناك؟ وإلى حدود متى؟ هذه مجمل الحالات والاوضاع القانونية التي قد تثار حتما في هذه النازلة، والتي سنتولى الخوض والبحث فيها من ناحية القانونين الوطنيين الاسباني والمغربي وفي إطار الاتفاق الثنائي بينهما وطبقا لقواعد ومبادئ القانون الجنائي الدولي. وتجدر الاشارة بداية أن مقتضيات الباب الرابع، القسم الثالث من الكتاب السابع المتعلق بالعلاقات مع السلطات القضائية الأجنبية وخاصة المواد718إلى غاية 745 المرتبطة بتسليم المجرمين في قانون المسطرة الجنائية المغربي لا تطبق في علاقة المغرب واسبانيا انسجاما مع المادة 713 من نفس القانون لوجود اتفاق بين الدولتين ينظم مسطرة وشكليات وشروط التسليم وحالات الرفض، تبعا لأولوية الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية في ميدان التسليم الذي تفرضه نفس المادة 713 وتطابقا مع الفقرة ما بعد الأخيرة من تصدير الدستور الحالي ليبقى اتفاق التعاون القضائي بين المغرب واسبانيا والموقع بمدريد في 30 ماي 1997 هو الواجب الاعمال والتطبيق. صحيح أن قاضي التحقيق بالمحكمة الوطنية الاسباني فرناندو اندرو أمر باعتقال وحبس دانييل مؤقتا وذلك استجابة لما توفره المادة الخامسة عشر من نفس الاتفاقية و في حدود مدة أقصى لا تتعدى أجل شهر في انتظار وصول طلب التسليم والوثائق المؤيدة له من المغرب الطرف طالب التسليم وخاصة نسخة من المقرر القضائي. فلنفترض أن السلطات المغربية المختصة سعت داخل الأجل القانوني إلى تكوين ملف التسليم وفقا للاتفاقية. فكيف ستتعامل السلطة القضائية الاسبانية مع هذا الطلب وما هي العراقيل التي قد تجعل طلب التسليم يؤول إلى الرفض: -أ- إسبانيا ووفقا للاتفاقية التي تربطها بالمغرب لا تسلم رعاياه وهو نفس حق المغرب في عدم تسليم رعاياه، وطبقا للمواد من824 إلى 846 م نقانون الاجراءات الجنائيةley de enjuicamento criminal إلا أن المغرب يسترجع حق مطالبة اسبانيا بتوجيه الاتهام لدانييل كالفان فينيا في قالب وشكل قانوني آخر وهو الشكاية الرسمية المنصوص عليه في المادة 748 من قانون المسطرة الجنائية. و هذه الصيغة و لئن تسمح للدولة المغربية في حالة ارتكاب أجنبي لجريمة فوق إقليمه وكان من مواطني دولة لا يسمح تشريعها بتسليم مواطنيها بإبلاغ دولته بما ارتكبه من افعال للحصول على متابعة طبقا لتشريع الدولة المطلوبة. فإن هذا النموذج والقالب القانوني لا يصلح ملاذا في نازلة الحال، لأن القضية صدر فيها مقرر قضائي بات لا تعقيب عليه ونال المطلوب تسليمه عفوا ولجأ إلى بلده قبل سحب العفو والتراجع عنه وفيه. ناهيكم عن كون الاتفاقية تتحدث على رفض طلب التسليم في حالة صدور عفو لصالح المطلوب تسليمه في إحدى الدولتين، المادة 7 الفقرة ج، وقد صدر فعليا في المغرب لصالح دانييل كارفال المطلوب تسليمه. فهل سيقدر القضاء الاسباني تراجع مصدر العفو ملك المغرب عن سابق العفو الذي شمل به المطلوب تسليمه وسيرتب عنه الآثار القانونية ببقاء العقوبة سارية في ذمة دانييل؟ أم إن التراجع قابل للمناقشة ما دام العفو يعدم العقوبة وإن التراجع فيه لا يبث ولا يزرع الروح فيها من جديد؟، هي إذن عقبات قانونية تصطدم بها آمال المغاربة في ارجاع دانييل ليقضي العقوبة في الزنازن المغربية. وفي ظل فرضية رفض التسليم الراجحة والذي تنص عليه الاتفاقية الثنائية وقانون الاجراءات العقابية الاسباني، هل يملك القضاء الاسباني من أهلية وولاية قانونية وقضائية لإعادة متابعة دانييل عن سابق الجرائم التي توبع وحوكم من أجلها في المغرب وصدر بشأنها مقرر قضائي بات واستوفى كافة طرق الطعن العادية وغير العادي؟ قد تملك السلطة القضائية الاسبانية حق اعتقال دانييل لمدة لا تنيف على أجل شهر ولكن ذلك رهين فقط بانتظار توفير المغرب لوثائق التسليم الذي طلبه ، وبعده تنطلق عملية دراسة الطلب المغربي من طرف القضاء الاسباني وحيدا ودون حضور ولا مشاركة مغربية. فهو اختصاص سيادي اسباني مقرون بالتزام بإعلام المغرب عن الطريق الديبلوماسي بنتيجة بحث ودراسة الطلبات التي لن تخرج عن احتمال واحد هو الرفض الحتمي، ليكون النصر حليف دانييل وحليف التطبيق السليم للقانون في دولة ديمقراطية تصارع فيه السلطة القضائية لتثبت أنها الأقوى والأجدر بحماية الشرعية القانونية، كما أن احتمال إعادة محاكمة دانييل عن نفس الجرائم يصطدم بقاعدة عدم جواز محاكمة شخص على نفس الفعل مرتين، وهي قاعدة من مبادئ القانون الجنائي التي تضمنتها كافة التشريعات المقارنة منها المغربية والاسبانية . وبسقوط الفرضيات الآنفة الذكر، فأية حلول تبقى قائمة للحيلولة دون افلات دانييل من العقاب؟ هل نطالب السلطات القضائية الاسبانية بإتمام المدان دانييل لعقوبته داخل وفي المؤسسات السجنية الاسبانية وهل يملك المغرب حق تقديم ذلك الطلب وما هي كنه الشكليات القانونية التي من المحتمل ان يصادفها ذلك الطلب؟ قد تكون تبدو هذه الفرضية وهذا الوضع والمركز القانوني هو الأوفر حظا، إلا أن تغيير المركز القانوني للمدان دانييل من معتقل في المغرب إلى حر طليق في بلده اسبانيا عقد المسطرة وستواجه الطلب معطيات ستنتهي به بعدم القبول، بالرغم من التهليل الذي بدأت أصداؤه تصلنا من المسؤولين المغاربة بمدريد، والأسباب هي: إن أهلية من يملك تقديم نظير هذا الطلب هو المحكوم عليه دانييل نفسه ويفترض قانونا أنه يقبع في المؤسسة السجنية التي ترجع للمغرب. ويبدو أن هذه الشروط الثلاث لا تقوم ولو واحدة منها، فلا دانييل تقدم بالطلب ولا دانييل مازال يتواجد بمؤسسة سجنية داخل الاقليم المغربي، وسيكون هذا الطلب من الناحية الشكلية غير مقبول. وإذا تجرأ الاسبان شيئا ما وقررت السلطات القضائية الاسبانية المؤهلة قانونا لدراسة الطلب المغربي قبول طلب المغرب بقضاء دانييل لما تبقى له من مدة العقوبة داخل السجن الاسباني وقررت الانتقال الى دراسة الطلب من حيث الجوهر، فما هي الاشكاليات القانونية التي قد يطرحها ذلك أمام القضاء الاسباني؟ وكيف ستكون نتيجتها؟ الواقع أن نفاذ القضاء الاسباني إلى جوهر الطلب المغربي في بقاء دانييل في اسبانيا وقضاء عقوبته في مؤسستها السجنية، هو احتمال جد ضئيل لما بسطناه في الفقرة أعلاه من مآلات عدم قبول الطلب من الناحية الشكلية، ولكن إن قدر وتم ذلك خرقا للقانون أو على الأقل نستمر نحن في البحث فيه فرضا. فإن ذلك سيكون من نتيجة ذلك وضع تقدير مدى اختصاص الملك بين يدي سلطة قضائية أجنبية، لأن القضاء الاسباني سيسترجع حق تقدير دفوعات دانييل والتي ستذهب أبعد من الدفع بعدم تقديمه للطلب وعدم تواجده داخل المغرب ولكونه لا يتواجد في مؤسسة سجنية إل مدى الدفع بسبقية شموله بالعفو الملكي الخاص الذي يعدم العقوبة، نعم قد ندعي أن الملك مصدر العفو تراجع عن سابق العفو الذي متعه به، ليسترجع بذلك القضاء الاسباني فرصة تقدير تصرف التراجع من قبل الملك؟ فهل يملك الملك حق التراجع عن العفو وكيف سيكون موقف السلطة القضائية الاسبانية؟ أسئلة ونقاش سيستأثر بالاهتمام والمتابعة بقدر نفس الاهتمام والمتابعة الحالية؟ ولتقدير الجواب عن هذه الاشكالية المتعلقة بمدي تملك الملك لحق التراجع عن العفو، الذي سيطرحه دانييل ودفاعه والفرصة التي ستتاح للقضاء والقانونيين الاسبان، وهي من ذهب بطبيعة الحال، فإننا ومن موقعنا نحن القانونيين المغاربة نطرح ذلك التساؤل محاولين الاجابة عنه قبل أن يتولى غيرنا وخاصة الاسبان ذلك؟ لن نذهب بعيدا في الجواب وسنستحضر الاطار القانوني المنظم لحق العفو وهما ظهيري 091.56.1 وتاريخ1956 والظهير عدد 226.77.1 وتاريخ 1977 المعدل للظهير الأول ووجه تدخل الملك فيه وعلاقة ذلك بالفصل 58 و42 من دستور الفاتح من يوليوز 2011. صحيح أن الملك يملك بمقتضى تلك القوانين حق التمتيع بالعفو. إلا أن استرجاع الملك لحق التراجع عنه ليس له من سند وإطار قانوني ينص عليه وينظمه سواء في الوثيقة الدستورية أو حتي في الظهير المنظم له، وفي غياب ذلك فإن آثار العفو لتاريخ 30 يوليوز 2013 لفائدة دانييل كالفان فينيا في إعدام مدة العقوبة المتبقية من حكم الثلاثين سنة لا ينال منها سحب الملك لسابق العفو الذي اصدره لصالح دانييل كارفان فينيا، لأنه إذا استساغ قانونا عطاء ما تملكه وتضمه فلا يسوغ استرجاعه بحيازة الموهوب له الفعلي لذلك العطاء و لتلك الهبة، وفي ظل غياب ما يعطي للملك حق الاعتصار فيه قانونا، زد على ذلك أن القضاء الاسباني وياله من قضاء، هو الذي ستتاح له فرصة البث والتداول والنظر فيه اعتبارا لحتمية رفض تسليم دانييل للسلطات القضائية المغربية القائم الذي فصلنا فيه سلفا. وفي ظل دراسة كل هذه الفرضيات ما ذا عن الحالة القائمة التي يحكمها وضع واعتقال قاضي التحقيق فرناندو اندرو بالمحكمة الوطنية بمدريد لدانييل؟ وكيف ستنتهي وتؤول؟ قد يعتقد البعض أن السلطات القضائية الاسبانية تفاعلت ايجابا مع الطلب المغربي وأقدمت على اعتقال دانييل، صحيح أن هذا التفاعل قائم لكنه وقتي وظرفي وله ما ينظمه ويسمح به من الناحية القانونية ، وإلا أعتبر في حكم الاعتقال التحكمي والتعسفي، فكيف إذن تسني لقاضي التحقيق الاسباني اعتقال دانييل؟ تقضي المادة من الاتفاق المغربي الاسباني الموقع بمدريد في30 ماي 1997 على إيقاع تدبير الاعتقال المؤقت ضد الشخص المطلوب تسليمه إلى إحدى الدلتين لمدة لا تربو على مدة اقصاها شهرا على إثر تقديم أي منهما لدليل يترك أثرا مكتوبا، إلي حين توفير الطرف طالب التسليم للطلب معززا بالوثائق المنصوص عليها في المادة 12 الفقرة 2 منها. وفي هذا الاطار تم اعتقال دانييل ريثما يستكمل الطرف المغربي للمستلزمات والمرفقات الاجبارية للطلب وداخل الأجل الاتفاقي، وقد يطول أو تقصر مدة ضيافة ومقام سجن دانييل بالسجن إلى حين دراسة الطلب من طرف القضاء الاسباني. وفي نظري واعتقادي أن ايداع دانييل في السجن على ذمة هذه القضية لن يستمر طويلا على ما يبدو من الناحية القانونية . لأن اعتقاله الآن انما تم مؤقتا و تنفيذا لاتفاق تعاقدي في اطار اتفاق التعاون القضائي يسمح به ويجيزه وفي انتظار تكوين المغرب لطلب الترحيل، الذي مآله الحتمي الرفض وهو نفس التقدير الذي سيؤول وينتهي إليه طلب المغرب بأن يقضي ما تبقى له من العقوبة في اسبانيا بعدم القبول لما بسطناه أعلاه من اعتبارات؛ أهمها صدو الطلب عن غير ذي صفة وتواجد المعني خارج المغرب وفي مؤسسة سجنية لا تعود للمغرب ولسابق شمله بالعفو كما سينتهي طلب الشكاية الرسمية بالحفظ وطلب إعادة المحاكمة في اسبانيا بسبقية البث وبسبقية صدور مقرر قضائي لا تعقيب عليه عن القضاء المغربي له طبيعة عنوان الحقيقة ويعتبر قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس وبقاعدة لا يجوز عقاب شخص عن فعل لعدة مرات. وهو المبدأ الذي أخذ به المشرع المغربي في المادة369 ف2 بنصه...كل متهم حكم ببراءته واعفائه لا يمكن ان يتابع بعد ذلك من أجل نفس الوقائع ولو وصفت بوصف قانوني آخر فبالأحرى من حكم بإدانته كدانييل، هذه هي الصيغ التي انتقل جيش عرمرم من مسؤولي وزارة العدل المغربية إلى اسبانيا لمناقشته مع نظرائهم الاسبان، وسيلقنون وبدون شك لمسؤولينا دروسا في القانون وفي الأخلاق مفاده لا تطالبوننا بخرق القانون. وكان حريا بهم بحث النازلة مع الخبراء المغاربة بدلا من استجداء الدروس والظهور بمظهر ضعف الكفاءة القانونية. *محامي بمكناس وخبير في القانون الدولي