يتميز الشباب عن غيرهم من فئات المجتمع بالحيوية والنشاط الذي يقتضي منهم الإسهام في بناء المجتمع، من منطلق التراكم والاستمرارية التي تعكس حيوية المجتمع وتفاعله مع سياقات عصره، وهذا لا يتأتى إلا من خلال المساهمة في تنشئتهم على أسس المواطنة الحقة، من خلال التربية المتكاملة للشباب عبر تعليمهم وتدريبهم واستثمار طاقاتهم وإمكاناتهم لتوظيفها في أفضل صورة ممكنة كي تعمل على تنمية المجتمع تنمية شاملة. ومن أبرز تجليات اندماج الشباب في المجتمع، تبرز أهمية المشاركة السياسية كمظهر أساسي يعكس وعي المجتمع وتطوره، كما يمكن من فهم وإدراك قدرة مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية على تمكين الشباب من كفايات ومهارات يستطيعون بموجبها مواجهة التحديات والمعيقات التي تحول دون لعب أدوار مهمة في التنمية الشاملة لأوطانهم بعيدا عن الصراع والعنف الذي أضحى سمة تغلب على سلوكيات مجموعة منهم. إذا كانت التنمية في أحد تعريفاتها هي عملية الانتقال بالمجتمعات من حالة ومستوى أدنى إلى مستوى أفضل، ومن نمط تقليدي إلى نمط آخر متقدم كما ونوعا، وتعد حلا لمواجهة متطلبات العالم الجديد الذي تؤطره تحديات العولمة، مع ما تفرضه من تضافر للجهود المجتمعية عبر تحقيق النمو الاقتصادي الذي ينعكس على مؤشرات التنمية، فإن ذلك يستدعي قبلا تنمية سياسية تؤهل المجتمع عامة والشباب بشكل خاص على رفع منسوب الوعي لديهم عبر آلية المشاركة السياسية، التي تفرز رؤى واستراتيجيات متعددة وتحرر الأفكار والطاقات بما يغني الدولة ويعكس حيوية المجتمع، ويحول دون السقوط في الدوغمائية والوثوقية التي تدفع إلى أحادية في الفكر والرؤية وسيطرة منطق التعصب والإقصاء والإرهاب. لذلك فإن دور الشباب في تحقيق التنمية المستدامة والفعالة داخل المجتمع، تقتضي تنمية سياسية وبناء ثقافة سياسية، تتمحور حول تقوية تجليات المواطنة واحترام حقوق الإنسان وواجباته، عبر تحديث الحياة السياسية وتطوير الأداء السياسي للأحزاب ومؤسسات الدولة والمنظمات غير الحكومية من خلال توسيع قاعدة المشاركة، وتعزيز مبدأ الانتماء للوطن والانحياز لمصالحه دون أن يعني ذلك انغلاقا حول الذات بل منطلقا لهوية منفتحة ومتفاعلة مع كل المجالات العالمية. إن المشاركة السياسية للشباب تعكس أرقى أشكال التعبير عن المواطنة الحقة التي لا تطلب الاستفادة فقط من خيرات الوطن بانتهازية وبراغماتية سلبية، بل عبر الانخراط في قضايا وتحديات المجتمع، علما أن الشباب هم من يملكون الطاقة والقدرة على العطاء، كما أنهم ثروة بشرية قادرة على العمل والإنتاج وإفراز نخب سياسية إذا تمَ استثمارها على النحو الأمثل، كما تشكل تهديدا خطيرا لاستقرار المجتمع وأمنه في حال تهميشه وإقصائه، وعدم تمكينه من تنشئة تربوية وأخلاقية وسياسية سليمة، ممَا يخلق منهم كائنات فارغة وهشة تكون فريسة سهلة لتجار البشر ومافيا المخدرات والتهريب وللجماعات المتطرفة. لذا فإن تفعيل وتوسيع آليات المشاركة السياسية للشباب سيقلل من حالة الفراغ التي يعيشها بعض من هذه الفئة، عبر إعادة النظر في كيفية إدماج الشباب في المؤسسات السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، عبر سن قوانين تشجعهم على الانخراط والقطع مع السلوكيات التي تتنافى مع الديمقراطية ومجتمع الحداثة، من قبيل التحكم في القرارات داخل الهيئات وفرض قيود تحول دون تداول على السُلط بمَا يكرَس دكتاتورية الفرد، ويفرز أوليغارشية لا تبحث سوى عن خدمة مصالحها الضيقة، ممَا يعمق العزوف عن المشاركة السياسية للشباب. وبالتالي فإن المؤسسات المعنية بتنمية ثقافة المشاركة السياسية كبعد أساسي من أبعاد المواطنة، تفرض تنويع أنماط التوعية ونشر الثقافة السليمة التي تنمي إحساس الشاب بأن هناك قنوات تستطيع التعبير عن آرائه ووجهة نظره بكل حرية، بأسلوب منظم وبطرق حضارية، دون الحاجة إلى استعمال العنف سواء الذاتي من خلال الارتماء في أحضان المخدرات أو العنف الجمعي الذي يستهدف إلحاق الأذى بالآخرين، والحقيقة أن وظيفة المشاركة السياسية تؤدي إلى تقوية الشعور بالانتماء والمواطنة والقدرة على إحداث التغيير الإيجابي، الذي يعكس التدافع المجتمعي الحضاري ويكون عاملا أساسيا للتنمية والتطور. وقد أثبتت تجارب دولية متعددة أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطور الشعوب بصفة عامة، تنتهي بالإخفاق أو الفشل وأحيانا إلى السقوط في كوارث حقيقية، إذا لم تصاحبها تنمية سياسية حقيقية تساهم في انخراط ومشاركة كل أفراد المجتمع في العمل السياسي وتجسيد المشاركة السياسية في مختلف تجلياتها وأبعادها، من خلال توافر الحريات العامة وشفافية الانتخابات ونزاهتها، وتأهيل الرأي العام، خصوصا فئة الشباب للعب أدوار قيادية داخل الهيئات السياسية المتعددة. كما يفترض فيهم كذلك التحلي بروح الشباب والاندفاع بحماس نحو المشاركة الفاعلة في حل قضايا المجتمع من منطلق الواجب تجاهه والإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية على كل المستويات، ودعم الديمقراطية وحكم القانون واحترام مبادئ المواطنة وحقوق الإنسان والحق في الاختلاف، والعمل على محاربة كل صور الفساد والاستغلال والتمييز على أساس اللون أو الجنس أو الدين أو العرق أو غيرها من صور التمييز والاقصاء، والتحلي بروح التضامن والتعاون والتسامح، الأمر الذي يعني فتح مسالك لتحقيق التنمية في جميع أبعادها .