إن أزمة اليسار لا تنفي أن هذا القطب محرك للحياة السياسية الوطنية و أساس لبناء المغرب الحديث. اختياره الاشتراكي الواضح و تجاوبه مع الآمال الشعبيةو انبثاقه منها جعل التحرر من التخلف ممكنا في الوعي الجماعي. لكن اختزال إستراتيجية النضال الديمقراطي في رهانات عددية رمت به إلى المجهول باعتقاد أن الانتصار هو التحالف مع الفيودالية أمام انعدام إمكانية تكريس السياسة في الوطن. فشل تجربة ما اصطلح ب"التناوب التوافقي" هو نتيجة للابتعاد الفلسفي (وليس الطوبوغرافي) عن اختيار الوضوح السياسي و الفكري كبديل للشطط و التضليل. هذا الفشل لم يحصن فترة النقد الذاتي من تلك الاختيارات الغامضة رغم مرور أكثر من سنة عن نكسة 2007. مساهمات الضمائر المتحررة من النفسية السائدة في التنظيم كادت تمكن الاتحاد من اتخاذ النهج الذي يرجعه إلى مساره النضالي لولا إعادة إغراق الفكرة و الحزب و النضال في المعادلات التوافقية مع قوى الظلام على حساب التوافق مع القواعد الحزبية و جمهور اليسار و الديمقراطيين. القوى الضلامية والفيودالية تحتكر الدين و الأرض و السياسة بمعارضة الديمقراطية في توحيد الوطن على قواعد التعاقد و المساواة. فتاريخ الاشتراكية في المغرب أنبنى حول الصراع مع هذه الفيودالية, إلا أن بعد التصويت على دستور 1996 عاش الاتحاد خلط بين المفاهيم, مفهوم الالتصاق بالجماهير و منطق العددية أو بين مفهوم المركزية الديمقراطية و التنظيم الحزبي الفيودالي. هذا الخلط أدى حزب تقدمي مثل الاتحاد للرضوخ أمام الإسلام الانتخابي. فتأثير الاختيارات الشاذة للاتحاد على واقع الحركة منذ الدخول اللامشروط في الحكومة, خاصة في مسألة التحالفات, يهدد استقرار البلاد, إذ يستمر مركز القرار الحزبي في الترويج لمنطق القرب مع الإسلام الانتخابي بعد التحالف العلني مع القوى المحافظة و التحمل المعنوي للخروقات في افني و صفرو, في قضية المجاهد بوكرين و المناضلين الحقوقيين و الصحفيين الجامعي والنيني وبنشمسي و كوكاس و حرمة الله و الراشدي. باعتبار التضليل أداة من أدواة القمع, وبالرغم من التوافق حول مسطرة الكاستينغ" بعد إفشالها للجولة الاولى لمؤتمر الاتحاد, فالتمارين التبريرية للتقرب من العدالة و التنمية عند بلورة الخط السياسي قد تعتبر إسهاما في تعقيد ابسط شروط السياسة و هو الوضوح. من اجل خط سياسي واضح يتفادى السكتة الدماغية, تكون المبادرة الوحدوية اتجاه اليسار كمدافع شامل عن الحساسية التقدمية أولوية ترجع للاتحاد مكانته في الحقل السياسي ككتلة مؤسسة للديمقراطية و متنافسة مع الأقطاب الأخرى حول المشاريع و البرامج المجتمعية. هذا الحل يجيب عن إشكالية موقع الاتحاد و اليسار في التوازنات الداخلية و يؤسس لأفق تاريخي جديد بعد تجربة التناوب و دوافعها الحقيقية. فعلى اليسار الحكومي أن يساهم في شفافية الحقل السياسي واحترام الإرادة الشعبية بتشجيع حزب الاستقلال في تاطير قوى اليمين الوطني و الإسلامي و تركهم تحمل المسؤولية الحكومية في انسجام إيديولوجي مقابل تحمل الاتحاد لمسؤولية المعارضة باتخاذ مبادرة تجميعية صريحة تجاه "الكتلة الاتحادية" و القوى التقدمية عامة. إنها مسؤولية كل الاتحاديين في رفع التضليل عن السياسة و البلاد بتسطير منظومات مشتركة تعادل بين الحركة والنظام رغم تباين التاريخ و دمويته, من اجل تذويب إرادة الأقليات في تقاعد سياسي داخل الديكتاتوريات, بدؤوا بالمحافظة منها و يلجئون الآن إلى الأصولية منها. ""