يعتبر الفعل السياسي أحد أهم مقومات الحياة الانسانية، اذ من المعول عليه خلق قنوات دائمة للتفكير في ماهية الاليات والوسائل الكفلية بتدبير حاجيات المواطنين اليومية في شكل يتحقق معه التوازن بين ماهو اجتماعي، سياسي، اقتصادي وثقافي. غداة الاستقلال، وسعيا منها الى تصفية الفكر الاستعماري البائد الذي كان سائدا ابان الاستعمار الغاشم، قامت الدولة المغربية بالتأسيس لقيام بريسترويكا أواعادة بناء مؤسساتي تحترم فيه أولا وقبل كل شيء الخصوصية المغربية، الأمر الذي شاركت في تنزيل مضامين منظومة الأحزاب السياسية وذلك اعتبارا من الدور الهام الموكول اليها القيام به الا وهو تأطير المواطنين، ومن هذا المنطلق يتباذر الى ذهننا تساؤل من الأهمية بمكان يتجلى بالأساس في مدى جاهزية أوقابلية المتلقي"المواطن" لخوض غمار التجربة السياسية ببلادنا ، هل له من القناعات ما من شأنه أن يحفزه على الاهتمام بالشأن السياسي، هل لمؤسسات الدولة دور في تنشئة أجيال تؤمن بأن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتم في معزل عن الممارسة السياسية من خلال الأحزاب السياسية . ان المتأمل في المشهد السياسي المغربي، لطالما استوقفته مجموعة من الملاحظات ، والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: - أحزاب سياسية ذات برامج سياسية مهمة من حيث الكم وضعيفة من حيث الكيف، الأمر الذي لطالما أثر سلبا عن نسب المشاركة السياسية ومن ثمة على تقدم مسلسل التنمية المغربية - تجذر ظاهرة عدم الاكتراث السياسي داخل مجتمعنا المغربي، مما كرس لتعاظم معضلة العزوف السياسي والتي جعلت المشهد السياسي مليئا ببعض الوجوه المستهلكة والتي لا يهمها الا التناحر من أجل مصالحها الخاصة - تنامي نسب عدم ثقة المواطن في الفعل السياسي، مما تمخض عنه فقدان بلادنا لطاقات شابة كان من الواجب الاهتمام بها عن طريق تأطيرها وتتبعها من قبل الأحزاب السياسية التي تتلقى دعما ماليا مهما من الدولة للقيام بهذه الوظيفة - عدم اشراك الأسر، المدارس والمؤسسات الجامعية في تنمية الحس المواطن لدى المغاربة وخاصة الشابات والشبان، الأمر الذي انعكس سلبا على نسبة الشعور بالانتماء الوطني لديهم وجعل منهم ببغوات للفكر الغربي المليء بالتناقضات الفكرية التي لا تتلاءم البتة مع واقعنا المجتمعي الاسلامي المحافظ، ومن ثمة ظهر لدينا ما يمكن أن نصطلح على تسميته بالانحراف أو التيه السياسي الذي لم ولن يخدم التقدم المغربي في شيء - سيادة أفكار سياسية تقليدية متحجرة في ظل عصر التقدم التكنلوجي المشروط بالسرعة والجودة - اختراق الأحزاب السياسية من قبل لوبيات جعلت من هذه المؤسسات مرتعا خاصا لها، جلبت اليه مجموعة من اللاهتين وراء سراب المناصب والاكراميات ضاربة بذلك عرض الحائط تحقيق الأهداف النبيلة التي خلقت من أجلها هذه المؤسسات ، هذا الوضع دفع بجل الباحثين الأكاديميين أو السياسيين الديمقراطيين مغادرة الساحة السياسية ليس خوفا منها ولكن احتراما لذواتهم وأفكارهم التواقة الى بناء مغرب تنموي تسود فيه الممارسة السياسية الحقة والمبنية على التداول ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ومن ثمة ابرام عقد مصالحة سياسية بين المواطن ومنظومته الحزبية - سيادة معطى القطيع داخل المشهد السياسي المغربي، فكيف لجاهلي أدنى مبادئ الممارسة السياسية بأن يقدموا للناخب ما يطمح اليه، وكيف لباحث أكاديمي خريج الجامعات المغربية والمتخصص في علم السياسية بأن يجد مكانه بين من أصبحوا يهتفون بشعارات لا يعرفون حتى مرماها ، لا لشيء الا لأنهم يتعاقدون مع من هم أضعف منهم من أجل تحقيق ماربهم الضيقة، ومن ثمة فمن يعارضهم يجد نفسه يغرد خارج السرب المليء بخفافيش الظلام والتي لا تتلاءم البتة مع أنوار الربيع الديمقراطي - شباب تواق الى التغيير الايجابي ، الا أنه لا يجد من يأخذ بيده الى جادة الطريق الصحيح، والذي يتمثل بالأساس في تمكينه من الاليات الكفيلة بتغذية فكره بغية التعبير عن أفكاره بطريقة سياسية صرفة يتم من خلالها الاعتماد عليه من أجل تلقينها للآخر الخ..... مما سبق، يمكننا الجزم بأن الثقافة السياسية لازالت غائبة تماما لدى شريحة عريضة من المواطنات والمواطنين المغاربة وخاصة الشباب منهم اناثا وذكورا، مما كرس دائما لتعاظم ظاهرة الغياب السياسي المقرون بفقدان الثقة في الأحزاب السياسية ومن خلالهم الساسة. لقد جاء ميلاد دستور 2011، ليدشن لميلاد مرحلة جديدة للممارسة السياسية تقوم في جوهرها على المصالحة البناءة بين المواطن والمشهد السياسي، وذلك بالاعتماد على مبادئ وأسس استراتيجية جديدة في التعامل مع مسألة التنمية المبنية على النتائج ومن ثمة وضوح الأهداف، سياسة تأخذ من مبادئ المساءلة ، المحاسبة والمشاركة نواتها الصلبة ، هذه الاليات التي أعطت الساحة السياسية رونقا جديدا تتمثل بالأساس في ضرورة الاعتماد غلى وسائل : - لاستبيان سبب اندحار الثقافة السياسية لدى المغاربة، بحيث يتعين على كل الفاعلين المجتمعيين" أحزاب سياسية، مجتمع مدني، مؤسسات الدولة، قطاع خاص"، محاولة القيام بعملية استقراء ميداني لوضع الثقافة السياسية الحالي ومن ثمة وضع تصور أولي يأخذ من البعد التشاركي أساسا له في أفق اطلاق ورش اصلاح سياسي شامل عنوانه الثقافة السياسية شريك أساسي في التنمية - هذا التصور الأولي لا بد من أن يتم تطعيمه بمجموعة من الدراسات والأبحاث العلمية والعملية الدقيقة التي ستمكننا لامحالة من التوفر على احصائيات ومعطيات صحيحة ، سنتبين من خلالها مواطن العلة التي لازالت تجهز على مسلسل المشاركة السياسية المواطنة، وبالتالي تصور الحلول الكفيلة بتجاوز هذا الوضع المشين ، و خاصة في عصر العولمة المبني على سرعة الاداء ودقة وجودة النتائج - الحلول المتوصل اليها ، من اللازم وضعها في قالب جهوي ، لا لشيء الا لأن للخصوصية الجهوية دور محوري في المسائل المرتبطة بتطوير الثقافة السياسية المغربية - اعداد خارطة طريق موحدة من حيث الأهداف ، يتم تضمينها بمعطيين أساسيين، يتجلى أولهما في المعطيات والاحصاءات التي تهم جل مناحي المعيش اليومي المواطن المغربي مقارنة بنظرائه بدول أخرى وخاصة المتقدمة منها، أما ثانيهما فيتمحور حول تحديد الاليات الكفيلة بتنمية الثقافة السياسية، والتي يتم من خلالها القيام بعملية تحديد دور كل فاعل على حدة - تنمية دور الأسرة، المدرسة والجامعة في تأهيل وتنمية الحس المواطن المقرون بالمشاركة السياسية لدى كل المغاربة، الأمر الذي يصدق معه القول بأن من شب على شيء شاب عليه - اخضاع النتائج المحصل عليها من خلال اعمال المبادئ التي ستتضمنها خارطة الطريق ، الى التقييم القريب المتوسط والطويل الأمد، وفي حال الحصول على نتائج ايجابية ، يمكننا الخوض في اطلاق تجربة فريدة من نوعها، تتجلى بالأساس في انتاج استراتيجية وطنية مندمجة للنهوض بالثقافة السياسية المغربية - العمل بنظام التكوين الداخلي، والذي سيتم من خلاله العمل على تكوين أطر مجتمعية من داخل الأحياء السكنية عبر فروع الأحزاب السياسية، الأمر الذي وان ثم تفعيله على أرض الواقع، سنتمكن من خلاله التوفر على أطر مغربية لها من الوعي الكافي من أن المشاركة السياسة أمر لا محيد عنه اذا ما اردنا تحقيق التقدم والازدهار لبلادنا ان المغرب الذي يزخر بإمكانات جغرافية اقتصادية واجتماعية وثقافية، ليمكنه من الارتقاء بمسألة التثقيف السياسي الى أحسن مستوى، الأمر الذي يتطلب معه تظافر جهود كل فعاليات المجتمع، وذلك اعتبارا من احتلال بلادنا للمرتبة الأولى من حيث التضامن والتكافل الاجتماعي ، هذا الترابط الذي قل نظيره في مجموعة من الدول الجارة والصديقة ، ليمكننا استثماره من أجل النهوض بثقافة سياسية تجمع بين الماضي الحاضر والمستقبل، ثقافة يشارك الجميع في تنزيلها على أرض الواقع، بترسيخها داخل الأوساط المغربية، وذلك اعتبارا من الواجب الوطني يحتم علينا جميعا المشاركة جنبا الى جنب من أجل الدفع بعجلة التنمية والرقي بها الى أحسن المستويات. انه من غير الممكن الوصول الى تحقيق ثقافة سياسية صحيحة في معزل عن توفر شرط الايمان المواطن بضرورة التغيير، ومن هذا المنطلق فلما لا نجعل من التثقيف السياسي عنوانا للتغيير. [email protected]