يمكن تعريف العمل السياسي بأنه تلك الممارسة المواطنة لتدبير الشأن العام، والتي يُعهد بتلقين آلياتها إلى منظومة الأحزاب السياسية، وذلك انطلاقا من اعتبارها النواة الأساسية التي لا يمكن للفعل السياسي القيام بدونها، لا لشيء إلا لأن لها دورا رئيسا في تأطير المواطن، ومن ثمة في إنتاج برامج انتخابية تتماشى وتطلعات الناخب إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والهوياتية. لقد أبانت الممارسة السياسية عن تحقق عدة إيجابيات، استطاعت من خلالها مجموعة من الدول الارتقاء بالظروف المعيشية لرعاياها، حيث مكنتها من تطوير آلياتها التدبيرية المؤسساتية، وبالتالي من كسب ثقة المنظومة الدولية التي دعمت مسيرتها الإصلاحية بكل أشكال الدعم الفكري والتقني والمالي. ومن جملة المكاسب التي تحققت في هذا الباب، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: - تكوين أطر وكفاءات، استطاعت إثبات جدارتها في ما يتعلق بالتدبير الجيد للمنظومة المؤسساتية؛ - مساهمتها المباشرة في تمثيل الناخبين عبر المؤسسة التشريعية والمجالس الترابية، الأمر الذي مكن الدولة من تفعيل مضامين دساتيرها، ومن ثمة السعي إلى الاستجابة لمطالب المواطنين عبر تحسين خدمات المرافق العمومية؛ - تطوير آليات تدبير المرافق العمومية بوحي من برامج الأحزاب السياسية، وذلك من خلال مدها ببرامج تدبيرية متطورة تتمثل في اعتماد المقاربة المواطنة في التعاطي مع حاجيات المواطنين، وكذا بتأسيس مراكز للقرب السياسي يعهد إليها بمهام تحسيس وتأطير المواطنات والمواطنين بحقوقهم، ومن ثمة واجباتهم. وبفضل هذه الآليات التدبيرية، التي يتقاطع فيها السياسي والإداري، تم التخفيف من وطأة مجموعة من الشوائب التي لازالت تؤثر سلبا على جودة خدماتها، كالبيروقراطية والروتين الإداريين وما شابههما؛ - خلق برامج حزبية باستطاعتها التوفيق بين الإنسية والهوية، مما نتج عنه تنامي حس المواطنة التشاركية لدى جميع المواطنات والمواطنين.. إلخ. إلا أنه بالرغم من كل هذه المعطيات الإيجابية، فإن الخريطة السياسية، التي تتكون سواء من حزب وحيد بالنسبة إلى الدول التي تأخذ بنظام الحزب الوحيد أو من مجموعة من الأحزاب بالنسبة إلى الدول التي تتخذ من التعددية الحزبية نمطا سياسيا لها، لازالت تنخرها مجموعة من المعيقات التي تجهز على مردودية وجودة نتائجها، ومن هذه الشوائب نذكر ما يلي: - سيادة النهج السياسي التقليدي داخل المنظومة الحزبية، وخاصة في ما يتعلق بمسألة تعاطيها مع مسألة تأطير المواطن، الأمر الذي جعل برامجها، الغنية من حيث الكم والضعيفة من حيث الكيف، لا تتناسب بتاتا مع تطلعات الناخبين، مما تكرس معه تنامي ظاهرة العزوف السياسي التي قزمت دور المنظومة الحزبية في تدبير الشأن العام، لا لشيء إلا لأن النمو الديمغرافي يتزايد ونسب المشاركة السياسية تتضاءل، وخاصة في صفوف الشباب والنساء؛ - غياب الاعتماد على النهج الاستراتيجي في تدبير الشأن السياسي، مما نتجت عنه ضبابية الأهداف المفترض تحقيقها من وراء الفعل الانتخابي، من جهة، وإهدار المال العام، من جهة أخرى؛ - شباب مهمش لم تمكنه المنظومة الحزبية أبدا من تولي زمام المسؤولية السياسية، مما أذكى صراعا للأجيال داخل الأحزاب السياسية، نأى بها عن تحقيق أهداف نشأتها وجعل منها ساحة للمزايدات الحزبية النفعية الضيقة التي لم ولن تخدم تأطير المواطن والمصلحة العليا للبلاد في شيء؛ - برامج انتخابية فارغة المحتوى، لأنها لم تستطع الوصول إلى تحقيق الانسجام بين مضامينها، من جهة، وتطلعات الناخبين، من جهة أخرى، مما أثر سلبا على مردودية الخريطة السياسية، لا لشيء إلا لأن برامجها طفحت بالشعارات وظلت بالتالي تراوح مكانها لأنها لم تجد لها آذانا صاغية بالنظر إلى افتقارها إلى أدنى معايير التسويق السياسي المقرون بالتواصل الدائم والمستمر مع شريحة الناخبين وليس بالتواصل الموسمي القائم على الولائم والرشاوى... إلخ. إن المسؤولية الملقاة على عاتق الأحزاب السياسية تتجلى بالأساس في إعادة تقويم الخارطة السياسية بحيث تصبح واضحة المعالم بتأسيسها على مبدأ المنافسة على إقناع الناخب ببرامجها، وذلك من خلال بحثها عن الآليات الكفيلة باستيعاب تطلعات المواطنين في قالب تحترم معه خصوصية الدولة، غير أن الواقع السياسي المعيش، كما تمت الإشارة إلى ذلك، لا زال محكوما بمعطى الاحتكار السياسي القائم على مبدإ موازين القوى بين أحزاب متقدمة وأخرى متخلفة.