سجلت الفلاحة المغربية تقدماً كبيراً خلال السنوات الماضية بفضل مخطط المغرب الأخضر، لكنها مازالت تعاني من معيقات هيكلية ينتج عنها خفض في أداء سلاسل الإنتاج. ويشير تقرير حصيلة وآثار مخطط "المغرب الأخضر"، الصادر عن وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، إلى أن هذه المعيقات الهيكلية تتجلى في الموارد المائية والعقار وبنية الاستغلاليات الفلاحية ومسالك التوزيع. في ما يخص الموارد المائية، يوضح التقرير أن مناخ المغرب عموماً جاف أو شبه جاف، مع تساقطات مطرية دون 400 ملم سنوياً في أزيد من 85 في المائة من المساحة. وغالباً ما تكون هذه التساقطات غير كافية أو سيئة التوزيع، وهو ما يترتب عنه عجز مائي يؤثر سلباً على إنتاجية المزروعات وانتظام المحاصيل. ورغم التطور والمكتسبات المسجلة في مجال ترشيد مياه السقي في الفلاحة المغربية، تبقى التحديات والرهانات المستقبلية كبيرة، لاسيما في سياق تغيرات مناخية تتجلى في انخفاض متسارع لكميات التساقطات المطرية وارتفاع وتيرة موجات الجفاف. وبغية تمكين الفلاحة من لعب دورها بشكل كامل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية تم القيام بالعديد من التدابير والإجراءات في مجال العقار الفلاحي، ذات طبيعة اقتصادية وتنظيمية وتشريعية، كالحد من تفتيت الاستغلاليات الفلاحية. لكن رغم المجهودات المبذولة في هذا الصدد، مازالت مسألة العقار الفلاحي تمثل إشكالية مستعصية بسبب تعدد الأنظمة العقارية وتعدد المتدخلين وتجزئة الأراضي وإشكالية الملكية المشاعة، وهو ما يزيد من صعوبة تعبئة العقار الفلاحي من أجل الاستثمار، وتشكل في الوقت ذاته حاجزاً أمام ولوج الفلاحين إلى التمويل عبر القروض البنكية. ويبرز معيق آخر في بنية الاستغلاليات الفلاحية، إذ نجد أن أكثر من ثلثيها تقل 5 هكتارات، وهو ما يترتب عنه ضعف القدرة على الاستثمار وعلى اعتماد التقنيات والتكنولوجيات. في حين أن لهذه الاستغلاليات الصغيرة ميزات مهمة، كالقدرة على التأقلم الاقتصادي والمناخي. وعلى سبيل المقارنة، يبلغ معدل مساحة الاستغلاليات الفلاحية في أوروبا 16 هكتاراً؛ حوالي 50 هكتاراً في فرنسا و170 هكتاراً في الولاياتالمتحدة الأميركية. ومن بين المعيقات أيضاً مسالك التوزيع، إذ تشكل الوضعية والتنظيمية لأسواق الجملة الحلقة الأضعف في مسالك تسويق الفواكه والخضر، وهي أسواق تخضع لإطار تنظيمي يعود إلى 1960، لم يعد يتوافق مع تطور أنماط اشتغال الأسواق العصرية ومتطلبات المستهلكين. وتضم شبكة أسواق الجملة للفواكه والخضر بالمغرب قرابة 40 سوقاً تمكن من تأمين تسويق حوالي 3.5 ملايين طن من الفواكه والخضر سنوياً، وهو ما يمثل 30 في المائة فقط من الإنتاج الوطني. ويرجع ضعف تسويق نسبة كبيرة من الفواكه والخضر في هذه الأسواق إلى عدة أسباب، من بينها قصور في شروط الصحة والنظافة، والتغطية غير المثلى للمجال الترابي وتعدد المتدخلين، وبالتالي ارتفاع الأسعار؛ ناهيك عن اعتمادها على نظام تسيير غير ملائم.