منذ ما يقارب قرنا من الزمن، تعاقب على حمل هذا الشعار الكثير من الجماعات والحركات والأحزاب الإسلامية. الذين يحملون هذا الشعار يقصدون به أن العودة إلى أحكام الشريعة الإسلامية على مستوى الدولة هو الحل لمشاكل الأمة. أي، العودة إلى تطبيق الشريعة التي غيبت كليا أو جزئيا في عموم الدول الإسلامية. في البداية، كان كل حملة هذا الشعار يشتغلون وينشطون في الجبهة المعارضة لمن يتولون الحكم الذي كان في يد غيرهم. وبالتالي، لم يتم اختبار تنزيل هذا الشعار على أرض الواقع. في السنوات الأخيرة، وصل كثيرون من حملة شعار (الإسلام هو الحل) إلى الحكم، لكن -ومع كامل الأسف- لم تجد المجتمعات الإسلامية الحل الموعود لمشاكلها تحت حكم حملة المشروع الإسلامي. بالطبع، هناك من يرى في فشل الحركات والأحزاب الإسلامية إفشالا ممنهجا من قبل قوى متعددة لا تريد للمشروع الإسلامي أن ينجح. لكن ومع هذا، لا بد أن حملة شعار (الإسلام هو الحل) يتحملون جزءا من المسؤولية في الفشل. نعم، قد يكون بعض حملة المشروع الإسلامي تعرضوا للظلم والغدر وقد تكون نيات الكثيرين منهم صادقة في خدمة الدين والوطن، لكن هذا كله لا يعفيهم من تحمل المسؤولية فيما صارت إليه الأمور. فعندما يخوض الإنسان غمار منافسة سياسية أو حتى رياضية مثلا، فمن مقومات النصر أن يعرف من هم خصومه أولا وما حجم قوتهم وكيف يحمي نفسه من هجماتهم المتوقعة. ومن مقومات النصر والنجاح كذلك، الوعي بأن الخصوم يحاولون أن يأتوك من حيث لا تحتسب ليأخذوك على حين غرة. وعدم القدرة على إفشال مخططات الخصوم فشل في حد ذاته، ولن يشفع لمنهزم قط أن خصمه باغته من حيث لا يحتسب. خاصة وأن الأمر لا يتعلق بحزب إسلامي واحد ولا بتجربة واحدة، بل بتجارب متعددة كلها آلت إلى نفس النهاية وإن بمستويات مختلفة. وبناء على ما سبق أقول؛ إن الذي يرى توالي فشل تجارب الإسلاميين في الحكم ثم لا يزال مصرا على حمل نفس الشعار وسلوك نفس المسار وخوض نفس المضمار لا شك يلقي بمشروعه وبنفسه إلى التهلكة، وهو بهذا ينفر الناس من تحكيم الشريعة، لأن توالي التجارب الفاشلة قد يترك لدى العامة انطباعا بعجز الشريعة عن حكم الرعية مما قد يؤدي إلى تبرير تعطيلها واستمراره. إنني لا أشك قيد أنملة في قدرة الشريعة الإسلامية -بما تتميز به من مرونة- على إيجاد حلول لكل المعضلات التي تعاني منها مجتمعاتنا، لكن وضع تصور تفصيلي لهذه الحلول المنبثقة من الشريعة يحتاج وقتا طويلا ونضجا عميقا لدى المنظرين والباحثين، ويحتاج كذلك إلى ظروف داخلية وخارجية ملائمة لتنزيل هذه التصورات. لقد غيبت الشريعة عن الحكم لمدة طويلة، وخلال هذه المدة تغيرت وتعقدت أحوال المجتمعات الإسلامية وأحوال العالم بأسره. سواء على مستوى القيم أو على مستوى الأحداث والأقضية وكذلك على مستوى طريقة وتركيبة جهاز الحكم، حيث تداخلت المصالح الداخلية والخارجية وتغيرت موازين القوة وهيمنت الكونية والعولمة على حساب الخصوصية.. كل هذا يجعل من الصعب جدا تكوين صورة سليمة حول الواقع الذي يراد لشريعة الإسلام أن تحكمه. أضف إلى هذا، أن تصورات حملة المشروع الإسلامي حول تطبيق الشريعة تختلف من حزب لآخر ومن جماعة لأخرى. ولا أقصد هنا خلاف التنوع كما قد يراه البعض. وإنما أقصد خلاف التضاد والتناقض الذي قد يؤدي إلى كفر فريق بمشروع الفريق الآخر كما هو الحال بين المدرسة السلفية ومدرسة الإخوان مثلا. ومما يؤكد صعوبة وربما استحالة فهم الكثير من الإسلاميين للواقع بشكل سليم في الوقت الراهن، ما يحدث لتصوراتهم وبرامجهم من تغيير مستمر، بل وانقلاب على الكثير من الأفكار والمواقف والتصورات التي سبق أن تبنوها. ويكفي أن تستمع إلى الخطابات والشعارات التي كان يحملها الكثير من الإسلامين قبل مشاركتهم في تجربة الحكم ثم تستنع إليهم بعد أو أثناء المشاركة في الحكم لترى مستوى التغيير وربما التناقض. هذا كله يجعلني مقتنعا بأن الحل في الوقت الراهن هو في نظام حكم عادل يكفل الحريات لكل فئات المجتمع. ومن بينها بالطبع حاملو المشروع الإسلامي. وفي ظل نظام بهذه المواصفات يتوجب على حملة المشروع الإسلامي العمل على إنضاج تصورهم، وإعادة النظر في الكثير من القضايا وأخذ الدروس والعبر من التجارب السابقة والعمل على ارتفاع منسوب التدين الواعي في المجتمع... نعم، قد يأخذ هذا الأمر وقتا طويلا، ولا حرج في ذلك ما دام سينتهي بمشروع يتفادى الإخفاقات السابقة ويأتي بحلول فعلية وواقعية لمشاكل المجتمع على مستوى الاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها. أما رفع شعار (الإسلام هو الحل) وخوض التجربة من جديد دون مراعاة ما ذكرته، فما هو في الحقيقة إلا إعادة لإنتاج فشل محتوم.