لا مجال للحديث اليوم عن عيوب السلطة ولا عن انتهاكاتها الحقوقية، في السنوات القليلة الأخيرة، والتي لنا فيه رأي يعاكس الخطاب الرسمي، جُملة وتفصيلا، كما لا مجال اليوم، لا للحياد أو حتى للموضوعية، ما دام الأمر يهم الوطن، أمام تكالُب نظام سياسي/عسكري، عرفناه وخبرناه، منذ نحو نصف قرن من الزمان، أنه يعاكس وحدتنا الترابية، ويضع مسألة "العداء" للمملكة الشريفة، على رأس أجندة دبلوماسيته، بل وسياسته العامة، فيغدق أموالا طائلة من عائدات الثروة التي حباه الله بها، على اللوبيات، وعلى أشباه الأنظُم السياسية، وعلى الأذرع الإعلامية، للمس بوحدة المغرب الترابية.. اليوم، وقد رأينا السياسيين والإعلاميين والمثقفين، بل وحتى المعارضين والأشد معارضة لنظام قصر المرادية، يلتفّون حوله، ضد مملكتنا، فإنني أنا الموقّع صاحب هذه السطور، أُعلن تضامني مع النظام المغربي، ظالما أو مظلوما، ولو كان خاطئا مخطئا، في حربه الدبلوماسية الجديدة، وحتى في حرب أخرى مفترضة، مهما كانت طبيعتها ضد هذا النظام العدو، وذلك للأسباب التالية: 1-منذ زهاء نصف القرن (46 سنة تحديدا)، وهذا النظام الجار الجائِر، يعاكسنا في وحدة أراضينا، ويناصب لنا العداء، واكتفى نظامُنا فقط بالدفاع عن النفس، بالسلاح وبالرد الدبلوماسي والسياسي الذي ينحو نحو التهدئة والسبل الناعمة، بحسب الأحوال؛ ولم يشأ أن يتدخل في الشأن الداخلي للجزائر، مع أن كثيرا من الظروف التي اجتازها ويجتازها النظام العسكري الجزائري، سواء على مستوى القلاقل والهزات الاجتماعية والشعبية الداخلية، في الثمانينات وفي التسعينيات، وحديثا خلال الثلاث سنوات الماضية؛ وحاليا، من خلال تواصُل الحراك الشعبي، أو من خلال صراع مربع السلطة القوي، وتناحر الأجنحة الأمنية والعسكرية في ما بينها، والذي ما يزال مستمرا، وآخر علاماته وتمظهراته، الزج بالعشرات من الجنرالات في السجون، واغتيال آخرين، وفرار البعض الآخر خارج البلاد.. كل هذه الأحداث، كانت ظروفا مواتية، وأرضية خصبة ليحشر المغرب أنفه، ويوالي أطرافا ضد أطراف، إن لم يكن علنا، فعلى الأقل من باب عالم الاستخبار والمخابرات. ولكن المملكة، لم تشأ ذلك، حتى في أشرس معارك الحرب بالوكالة التي خاضها نظام العسكر، بأداتهم الطيعة البوليساريو، منذ سنة 1975، وحتى وقف إطلاق النار في سنة 1991؛ 2-القائلون بكون موقف المغرب غير المسبوق، من خلال التصريحات الصادرة عن مندوبه بالأممالمتحدة، الداعية إلى تقرير مصير شعب القبائل، ووصف وضعه ب"الاحتلال"، قد يكونون على صواب، وعلى حق، إذا ما كان الأمر يتعلق ببلد مسالم ومهادن، ولم يستعمل نفس الورقة، طيلة نحو نصف قرن، ضدك. ويمكن، بدون مجازفة، القول إن أصحاب هذا الموقف الطوباوي، الذي يمتح من الأخلاق الفاضلة، هم الذين على خطإ، على الأقل، من منطلق أن العلاقات الدولية تؤطرها وتحسمها، في الأول والأخير، المصالح، وليس دغدغة العواطف، بالمبادئ الإنسانية التي تؤطر حياة الأفراد في علاقات بعضهم البعض؛ 3-تبرير رفض الموقف المغربي بأنه خطأ جسيم، ولعب بالنار، لأنه في حالة اشتعال نيران الاستقلال، على أساس عرقي وإثني، فإن المغرب لن يكون في منأى عن ذلك، باعتبار، أنه يضم هو الآخر اثنيات وأعراقا مختلفة، ومنهم الأمازيغ تحديدا، والريف بوجه خاص؛ هذا كلام فيه الكثير من التلبيس والتدليس، لأن تجربة استقلال مناطق بالمغرب، جمهورية الريف (1921/1925)، حصلت في ظروف جد خاصة، كانت فيها الدولة المغربية المركزية، في حالة وهن وضعف، وبلا سُلطة وقرار، وأكثر من ذلك، خاضعة لوصاية الحماية/الاحتلال الفرنسي؛ مما جعل المغرب مقسما إلى أربعة أطراف، هي المنطقة الشمالة المحتلة من قبل الاسبان، ومنطقة طنجة الخاضعة للإدارة الدولية، والجنوب/الصحراء، المحتل اسبانيا، والداخل الخاضع للاحتلال الفرنسي.. ولأن القوى الاستعمارية وقتها، كانت لِتوها خارجة من حرب عالمية أولى، قاضية على الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تحكم بلاد كل بلاد العرب تقريبا، فإنها كانت بصدد إعادة تقسيم هذه الجغرافيا العربية. وما الاتفاق الذي جرى بين اسبانياوفرنسا، وبإيعاز من بريطانيا، الذي سُمح لها بموجبه ببسط اليد على العراق، في مؤتمر وجدة سنة 1925، واستدعاء زعماء الريف للتفاوض، من أجل التخلي عن فكرة "الجمهورية" في شمال المغرب، إلا واحدا، من مظاهر التدخل الأجنبي، وتحريضه على تقسيم البلاد وإعلان الانفصال، بل وتزكيته، ثم إبادته لاحقا، عندما يخرج عن السيطرة، تماما كما حصل مع "جمهورية الريف"، عندما أنهتها في أيام معدودات كلٌّ من فرنساواسبانيا، اللتين رأتا القادة الريفيين، يهددون مصالحهما، ليس فقط في المغرب، بل وحتى في باقي الدول المغاربية.. هذه المعطيات، ليست كمثيلتها، في ما يتعلق بمنطقة القبائل، حيث إن وجودها كمنطقة ذات كيان مستقل، وُجد حتى قبل تأسيس الجزائر بمرسوم فرنسي، في العام 1835، والتي سمتها فرنساالمحتلة حينئذ ب"الجزائر الفرنسية"، أو "الإقليم الفرنسي ما وراء البحر"، لتبقى منطقة القبائل حرة، إلى غاية 1850 (أو قريبا من هاته السنة)، لمّا ضمتها القوة الفرنسية الاستعمارية إلى "الجزائر الفرنسية". وبقيت المنطقة تحافظ على خصوصيتها إلى غاية حصول الجزائر على استقلالها، حيث لطالما، اشتكى القبائليون من حيف السلطات الجزائرية ضدهم، ولطالما نادت عديد من الأصوات بحق تقرير المصير، إلى غاية العام 1980، عندما اتخذت مطالبهم طابعا تصعيديا، وخرجوا في عديد من مدن وولايات القبائل، في ما سمي ب"الربيع الأمازيغي"، فقمعته السلطات الجزائرية. ولكن هذا الحراك ما لبث أن أصبح ذكرى يخلدها الشعب القبايلي سنويا في كل 20 أبريل. ثم تطور النضال القبائلي ليتخذ شكلا أكثر تنظيما وتقدُّما، بإعلان القادة عن تأسيس "الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل MAK"، في العام 2001، ولتتكرس المطالب بالحصول على تقرير مصير أبناء المنطقة، بل والاستقلال. هذه السيرورة التاريخية، الموجزة، نزعم أنها تفند المزاعم بمقارنة أمازيغ الجزائر بأمازيغ غيرهم؛ وكدليل على التفنيد هذا، فيكفي أن نورد معطيين مهمين: الأول أن المغرب حتى ولو شهد في وقت ما قيام "جمهورية" ذات طابع اثني، هي الجمهورية الريفية، فإن العنصر الاثني الأمازيغي، كان حاسما في طرد الاحتلال الفرنسي، بالمقابل، بل وحتى الاسباني. وقبل ذلك، فإن الأمازيغ وقفوا صفا واحدا، وعلى قلب رجل واحد، إلى جانب إخوانهم العرب من باقي المناطق، لإجهاض مخطط الاحتلال، المسمى بالظهير البربري، في ثلاثينيات القرن الماضي، الذي أراد به المستعمر الفرنسي إحياء خطة "جمهورية الريف" في الشمال، في عمق التراب المغربي.. والمعطى الثاني، هو أن منطقة القبائل، التي يبلغ سكانها نحو 12 مليون شخص، أي نحو ثلث سكان الجزائر كاملة، يقاطعون انتخابات السلطات المركزية، وآخرها انتخابات شهر يونيو الماضي، وهذا وحده، له دلالات عميقة، بأنه لا يعترف بهذه السلطة؛ فالانتخابات التي يعجز النظام الجزائري على إقامتها في القبائل، تجريها السلطات المغربية بكل أريحية، ويشارك فيها الساكنة، في كل من مناطق الريف والصحراء، التي يعتبرها النظام الجزائري أرضا محتلة.. -نعتبر تباكي بعض إخوتنا المعارضين الجزائريين، إزاء موقف المغرب، بل وتطرف البعض منهم، وحتى الأشد معارضة للنظام الجزائري، في الرد على تصريحات سفير المغرب في الأممالمتحدة، (نعتبره) مفهوما، ونلتمس له العذر، لأنهم لم يحسوا يوما بمعنى أن تتدخل دولة جارة، وتدعو إلى تقسيم رقعتك الجغرافية، كما جربنا نحن ذلك مع نظام بلدهم.. وأما الذين يدورون حول فلك النظام الجزائري، ويذهبون بكل صفاقة، للتمييز بين ما يجري في الصحراء، والوضع في القبائل، فإن لا رد لهؤلاء، غير ما تكبده نظامهم العسكري والدبلوماسي، من هزائم تلو الأخرى، من الاعترافات المتتالية بمغربية الصحراء، وآخرها اعتراف واشنطن، وفتح العشرات من القنصليات في الأقاليم الجنوبية، والبقية تأتي. -أخيرا، فإن السعار الذي أصاب حكام الجزائر، جراء الصدمة التي تلقوها من مجرد تصريح، من ممثل أقل من وزير أو يكاد يكون في مرتبته، والصدى الذي خلفه هذا الموقف لدى حتى القبائليين، الذي خرجوا ينادون ب"مغربية الصحراء"، شُكرا وتحية لموقف المغرب، يفيد أن المغرب، الذي صمد طيلة كل هذه السنوات، ضد تحرشات نظام العسكر الجزائري، بالسلاح والمال، هو أقوى من النظام الجزائري، الذي سرعان ما بدأ يترنح ويرتعد من مجرد تصريح لدِبلوماسي مغربي..