" الرأي العام أكبر كذبة في تاريخ العالم" توماس كارليل كثيرة هي استطلاعات الرأي التي تفاجئنا كل يوم وعبر مختلف وسائط الاتصال بنتائجها الفاصلة حول قضية من القضايا الجوهرية التي تستأثر بالرأي العام وقع حولها اختلاف، وكثيرة هي استطلاعات الرأي التي شكلت أرضية للإجماع بعدما استشرت التفرقة وللاتفاق بعدما عم الشقاق و للصلح بعدما طال الخصام وللوحدة بعدما خيمت الفتنة، وعليه فاستقصاء الرأي العام للجماهير الشعبية ومحاولة معرفة موقفها الصريح دون إكراهات أو ضغوطات وبإرادة حرة و مستقلة من مختلف القضايا المصيرية يشكل آلية متقدمة لمعرفة درجة الوعي الجمعي الذي يتمثله المجتمع ومدى نضجه وتعقله في فهم أبجديات الواقع وإدراك التحولات الطارئة عليه، وعليه فإن الرأي العام هو وجهة نظر جمعية محكومة و مرتبطة بالقيم الحضارية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي يتوزعها المجتمع ويمارسها من موقع التدافع لما فيه مصلحة الجميع ودون استثناء، و أيضا يمارسها بهدف تلبية طموحاته المقموعة و طاقاته المهدورة وخيراته المنهوبة و بالتالي إسماع وإيصال صوته إلى صناع القرار. إن للرأي العام أهميته القصوى في معرفة أهداف الناس واختياراتهم لكن هل يمكننا بالفعل الوثوق باستطلاعات الرأي العام داخل بنية مقموعة ومتخلفة و مسلوبة الإرادة! و أيضا هل يمكننا الوثوق ببيانات ومؤشرات الرأي العام وخاصة إذا علمنا أن أغلبية هذه الاستطلاعات تستحكم فيها مجموعة من العوامل والتأثيرات حيث أنه يسهر على تبريرها وتوجيهها سياسيون ميكيافيليون ووعاظ محرضون وسائل إعلام موجهة ومأجورة، ولنا في هذا السياق مجموعة من النماذج التي تم فيها استغفال الرأي العام و توهيمه، وبالتالي تم من خلالها تمرير مجموعة من المخططات الخاطئة لتبرير ارتكاب أفعال غير شرعية و سلوكات غير سليمة كان لها أثرها السلبي على السلم الاجتماعي. ولعله التاريخ خير خزان للأحداث والذكريات فإنه يحفظ لنا الكثير من التواريخ والأحداث المفصلية التي تم فيها تضليل الرأي العام ودفعه للاعتقاد بصحة ما يطرحه من حقائق ملفقة ومعطيات مزورة، ومن هذه النماذج المشهورة التي استثمرها سياسيون ميكيافليون لتضليل الرأي العام الدولي من أجل غزو بلد عربي كبير هي الخدعة التي فبركتها المخابرات الأمريكية من خلال استنادها على مزاعم غير مؤكدة لخبراء في الأممالمتحدة في مجال التسليح أن بغداد لديها 15 ألف قذيفة تحمل رؤوسا كيماوية و 25 ألف صاروخ بالإضافة إلى 600 طن مواد كيماوية تشمل غاز الخردل وهو الغزو الذي باركه المجتمع الدولي المخدوع ليتبين فيما بعد زيف هذه التقارير وتهافتها باعتراف كولن باول وأن الهدف الصريح كان هو الاستيلاء على خيرات العراق ورهن مستقبل أجياله للأجنبي. ومن النماذج التي تم في استغلال وعاظ محرضين لكسب تعاطف الرأي العام وذلك من خلال استعمال الدين كورقة رابحة لدغدغة المشاعر و للتحريض على الفتنة لابد أن نذكر فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي الواعظ الورع الذي يعلم الناس أمور دينهم ودنياهم الذي اتهمه المحامي التونسي محمد بكار بالتحريض على الفتنة في ليبيا وبعض الدول العربية انطلاقا من دولة قطر وبتشجيع من هذه الدولة والذي رفع في هذا الصدد دعوى قضائية ضده، وأيضا من النماذج الحية التي نتابعها اليوم وبقوة والتي لها تأثيرها القوي في التحكم في الرأي العام وتوجيهه هي وسائل الإعلام المختلفة والتي نتابع أداءها المهني الشاذ في المشهد المصري بعد 30 يونيو حيث لغة التحريض والشيطنة والتخوين هي الغالبة سواء من هذا الطرف أو ذاك، وهذا دون أن ننسى التوقيف التعسفي لبث القنوات المعارضة ليخلو المجال لصوت واحد لتجييش الرأي العام المصري وبالتالي لاستقطاب المزيد من الأتباع، وهنا لابد من الإشارة أن رسالة الإعلام هي بالخطورة بمكان في مجتمع متخلف غير قادر على تحليل الخطاب وغير قادر على الحفر في المعطيات التي تتوارد عليه بشكل متسارع وهذا ما يؤثر على إشكالية اتخاذ قرار عقلاني من مختلف القضايا المصيرية التي تلم بالأمة. وأخيرا وبعد كل النماذج ألا يصبح الرأي العام أكبر كذبة في تاريخ العالم الهدف منه تضليل الشعوب و فبركة الحقائق وتحقيق المصالح الشخصية باسم الرأي العام...