"مساخيط الرئيس" أعزائي القراء هي تسمية من نسج خيال وعبقرية الموظفين الجماعيين أنفسهم بمعنى "منهم وإليهم"، وهي تهمة يتم إلصاقها بكل من توفرت فيه خصال المعارضة وعبرها يتم تحذير البقية المتبقية من الموظفين من الاقتراب منهم أو مخالطتهم او حتى السلام عليهم مخافة الإصابة بأنفلونزا "السخط" . ففي الجماعة ثلاثة أصناف من الموظفين : صنف"المتملقين" الذين سبق الحديث عنهم في مقال سابق، والذين يشبهون كائنا من الزواحف يسمى "بالحرباء"، لا يهمهم سوى التقرب من الرئيس والتزلف إليه بأية وسيلة وتحت أي ثمن، وصنف" المعارضين وهم بدورهم صنفان الأول وهم "اليتامى" الذين لم يفلح رئيسهم السابق في الحفاظ على مقعده الرئاسي وبالتالي تركوا عرضة للشمس تلفح وجوههم نيران "مذكرات التعيين" والتي من كثرتها أصيبوا بالإسهال بسببها، وهم الذين كانوا إلى وقت قريب من ذوي حظوة يتودد إليهم ويرجى رضاهم ويبتغى مجالستهم ومصاحبتهم حتى أصبحوا مضطرين لقضاء فترة طويلة في الهامش تمتد لست سنوات في انتظار أن تنقلب الموازين. أما الصنف الثاني من المعارضين وهم المعدودون على رؤوس الأصابع فهم من ظلوا محافظين على مواقفهم راضين بقانون اللعبة السياسية وتحالفاتها ماسكين على ما تبقى من المبادئ في زمن "التعوريط والطليب والرغيب" هؤلاء قلة واستثناء وكما يقال في الفقه الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره. بينما الصنف الثالث فهم قبيلة "المحايدين" والذين لسان حالهم يقول :لا طاقة لنا بالرئيس وجنوده ولا بالمعارضة وألوانها هاته الفئة بدورها قريبة من الانقراض لان جزءا كبيرا منها التحق بفريق المتملقين. داخل فضاء "الجماعة" قروية كانت أم حضرية هناك معجم لغوي خاص وفريد ينهل منه الموظفون الجماعيون بجميع سلاليمهم الدنيا والعليا إلا أن هناك مصطلحات رئيسية لا يمكن لأي موظف جديد إلا أن يتلقنها ممن سبقوه ويغلفونها في طابع النصيحة الممزوجة بالترهيب طبعا كعبارة " ادخل سوق راسك" و" اتكمش" ومصطلح " التعايش " والذي مفاده أن الموظف الجماعي ملزم بالتأقلم مع طريقة تفكير الآخرين من زملاء المصلحة وأيضا ملزم في بعض الأحيان بعدم إصلاح أخطاء الآخرين وهذا هو التعايش المطلوب بالدرجة الأولى فهناك صنف من هؤلاء درجوا على طريقة عمل وطريقة تعامل معينة ولا مجال لتصحيحها او حتى محاولة تنقيحها قاعدتهم في ذالك مستوحاة من الآية الكريمة " هذا ما وجدنا عليه آباءنا". تناسى غالبية الموظفين الجماعيين بفعل "المخدر الحزبي" او "مرض التزلف والتملق" أنهم بالدرجة الأولى موظفون عموميون يخضعون لقانون الوظيفة العمومية وان مهامهم إدارية بالأساس هدفها الأسمى والنبيل خدمة الوطن والمواطنين وإنتاج عمل إداري يتسم بالجودة و العمل مع رئيس الجماعة في إطار المقاربة التشاركية التي تستحضر التقدير والاحترام الممزوج بالنصح والإرشاد وليس إظهار الولاء المقرون بالخوف أمام حضرة الرئيس وبمجرد انصرافه تبدأ ألسنة السب والشتم تنطلق من عقالها في مشهد من مشاهد النفاق. الموظف الجماعي مواطن مقهور، هي العبارة التي تختزل بكل دقة نفسية هذا الكائن ووضعيته داخل سلم الإدارة العمومية المغربية، فلا الميثاق الجماعي أنصفه، ولا أنصف هو نفسه ورفع من مُستواه، ولا قانون الوظيفة العمومية رفع من شأنه ولم "يحاشيها ليه"، إلا فيما يتعلق بالعقوبات التأديبية والعزل والتوقيف.