كانت مساجد المغرب في زمن مضى أكثر روادها الشيوخ و الكهول ، وقلما تجد الشباب يأتون لشهود الصلوات الراتبة ، لكن مع الصحوة الإسلامية في العالم العربي، والتي غطت بأجنحتها مناحي الحياة المجتمعية ، عرف المسجد تزايدا كبيرا في عدد رواده، للشباب منه الحظ الأوفر ، ويبرز هذا بشكل جلي في صلاة الجمعة و العيدين و في صلاة التراويح التي هي موضوع حديثنا. "" لكن في الوقت الحاضر ومن خلال حضور للتراويح، يتأكد أن نسبة الشباب الذين يشهدون التراويح تشكل نسبة مهمة، وما يثير الانتباه في هذه النسبة ، حضور شباب إن رأيت ملبسهم وتسريحة شعرهم ومشيتهم ، صنفتهم في خانة جمهور مهرجان موازين و الدارالبيضاء والصويرة ، إلا أن قسمات وجههم وصدق إقبالهم على الله في الصفوف الأولى تلجم لسانك المتعطش لإطلاق الأحكام الجزافية . قدر لي أن التقيت بشاب في أحد مقاهي الانترنيت، نظرت إليه فاخترقت بصري صورة حمار مرسوم على "تي شورت" أحمر، يضع على رأسه طاقية بوب مارلي، و يرتدي سروالا قصيرا، وينتعل صندلا بلستيكيا، حاله هذا يوحي أنه من جماعة "حمار بخير" ، بصراحة استفزني سلوكه هذا، وقررت أن لا أستفسره عن حماره الذي ينعم بالركوب على صدره ، فتركته وشأنه ، واكتفيت بالحوار معه في قضايا كثيرة متعددة تتعلق بواقع المغرب وشبابه ، وفي بعض اللحظات يشاركنا أحد الأصدقاء بدعابته اللطيفة ، فتكسرت الحواجز بيني وبينه وكأني أعرفه منذ مدة طويلة، أخبرني أنه حضر مهرجان موازين مع مجموعة من أصدقائه التلاميذ الذي يدرسون في نفس الثانوية، واستمتعوا بالرقص و العناء . في الغد صلاة الجمعة بمسجد حينا، رمقت عيني صاحبنا جالس يسمع لخطبة الجمعة بثياب جديدة ، لا أثر للثقافة الحمارية على ثيابه، ربما إيمانا منه بحرمة المسجد وقدسية اللحظة التعبدية ، فرأيت شخصا غير الذي حاورته في مقهى الانترنيت . وفي نفس السياق، يحكي لي أحد الأساتذة أنه كان مسافرا على متن القطار، يجلس بالقرب منه شاب من جماعة الهيب هوب يضع سماعة يسمع للأغنية شبابية ، فجأة عند أذان صلاة العصر ، أوقف الشاب الموسيقى ، وأقام الصلاة وصلى العصر قصرا في وقتها. تذكرت هذه الأحداث، عند التسليمة الأولى من صلاة التراويح بمسجد حينا ، إذ رأيت شابا بملابس لا علاقة لها بالصلاة في المسجد وكنا يتنزه في حديقة وسط المدينة ، ولك أن تحضر للصلاة مع الشيخ القزابري، وسترى شبابا ، بشعورهم الطويلة وملابس الموضة الجديدة .. لكن رغم كل هذا يبدو لي أن هؤلاء الشباب، أمتع لحظة يمكن أن تستمتع معهم ، أن تطلب منهم حكاية إحساساتهم وخواطرهم الروحية بعد تأديتهم للصلاة ، وحكاياتهم مع البكاء وقراءة القرآن والصلاة في جوف الليل ، تحس بأن قلوبهم تنبض بالصدق والإيمان ، وتبقى المظاهر خداعة تواري الحقيقة، فتفرق بين هذا و ذاك .. وقلت في نفسي بعد هذا التأمل ، قد تنتصر العولمة لسرقة جسد الشاب، لكنها تخفق في سرقة قلبه وإيمانه. [email protected]