حمل بلاغ الديوان الملكي ،الذي أعلن بمقتضاه عن قبول الملك محمد السادس للاستقالات التي قدمها الوزراء الاستقلاليون من حكومة "عبدالاله بنكيران" ،وعن طلب الملك من الوزراء المستقلين مواصلة تصريف الأعمال في وزاراتهم الى حين تعيين الوزراء الجدد ، حمل هذا البلاغ، ثلاث إشارات دستورية وسياسية موجهة الى رئيس الحكومة وأغلبيته المنهارة اواغلبيته القادمة ،كما انه فتح قراءات دستورية حول مسار مفاوضات تشكيل الحكومة ومساطرها . الملك يحافظ على المسافة الدستورية مع عمل رئيس الحكومة وصراعات الأغلبية. الإشارة الأولى،التي يحملها بلاغ الديوان الملكي هو حرص الملك على وضع مسافة دستورية مع عمل رئيس الحكومة ،فالملك قبل الاستقالات التي عرضت عليه من طرف رئيس الحكومة رغم انه لايوجد في الدستور ما يلزم الملك بقبولها ،فالملك بذلك مارس صلاحياته الدستورية الموجودة في الفصل 47 وحافظ لرئيس الحكومة على صلاحيته الدستورية في أول تمرين تطبيقي لدستور 2011 ،اكثر من ذلك ،انه ترك لرئيس الحكومة صلاحية تقدير حالة الوزير "محمد الوفا" رغم ان الملك له صلاحية إعفاء عضو من أعضاء الحكومة بمبادرة منه .وبذلك ،فهو يترك لرئيس الحكومة "عبد الاله بنكيران " صلاحية حالة الوزير الاستقلالي، اما الاحتفاظ ب او طلب إعفائه في مسطرة أخرى دستورية جديدة . ويلاحظ ،ان الملك حرص على التواصل بخصوص الحكومة، فبلاغ الديوان الملكي هو تواصلي وإخباري للمواطنين بما يجري بخصوص الحكومة، عكس مؤسسة رئيس الحكومة التي لازالت تعاني من خلل كبير في التواصل بعد مرور سنة ونصف ،اذ اننا لحد اليوم لانعرف الخبر الصحيح من عدمه بخصوص مواقف رئاسة الحكومة ،ف"بنكيران" يختار طريقة الإخبار غير المنظمة او "المعنعنة" المستوحاة من اجتماعه بأمانة حزبه او تصريحات أعضاء حزبه في الشان الحكومي، لدرجة لانعرف معها من يعطي الخبر: الحزب ام رئاسة الحكومة ام هما معا ام حركة التوحيد والاصلاح احيانا ؟ وزارء مستقلون لتصريف الأمور، معناها ان "بنكيران" له الصلاحية في توقيت التقدير الملائم . الاشارة الثانية ،وهي ان استعمال الملك لسلطاته الدستورية المنصوص عليها في الفصل 47 من الدستور، بجعله الوزراء المستقيلون يستمرون في تصريف الامور الجارية الى حين تعيين وزراء جدد ،معناه ان الملك يترك ل"بنكيران" رئيس الحكومة مسافة زمنية كافية لقيادة مفاوضات دون ان يقع خلل في العمل الحكومي ،فالمدة الزمنية للتفاوض وإقناع حزب جديد بالحلول محل حزب الاستقلال ،هي متروكة لتقدير رئيس الحكومة ومرتبطة بمقدراته في إدارة وتدبير المفاوضات ،كما أن استمرار تصريف الأمور يعني أننا تجاوزنا مسالة توزيع وضم قطاعات وزراية في وزارات قائمة وفق ما كان يحدث في الماضي . هل يستفيد بنكيران من دروس انسحاب حزب الاستقلال من حكومته؟ وخارج هذه الإشارات، يطرح التساؤل عن شخص رئيس الحكومة الذي ضيع تحالفه الأول ،هل سيستفيد من أخطائه ؟ فالأنظار باتت موجهة الى "عبدالاله بنكيران" الذي ولو افترضنا ان تحالفه الأول كانت فيه أخطاء سياسية ،فان المجال مفتوح أمامه اليوم لإعادة تصحيح أخطائه من خلال إعادة تقييم علاقة حزب العدالة والتنمية في الحقل السياسي مع باقي الفاعلين السياسيين ،فالحزب يكاد يقطع صلاته بكل الأحزاب السياسية،وهي حالة سياسية نادرة توضح غياب خاصيات التوقع والاستشعار في عمل رئيس الحكومة الذي هو زعيم حزب العدالة والتنمية . انقاذ تجربة العدالة والتنمية يفرض تغيير الحكومة من جذورها . ويبدو، ان" بنكيران" لن يستطيع تغيير إيقاع حكومته وتجاوز مخاطر إفلاس أغلبيته من جديد بعد سنة او سنة ونصف، دون الانطلاق من نقطة الصفر من جديد بإعادة المفاوضات مع مكونات أغلبيته المتبقية (الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية) وأغلبيته المنقذة (التجمع الوطني للأحرار) بإعادة توزيع القطاعات بناء على تقييم عمل الموارد البشرية الوزارية الموجودة خلال سنة ونصف الماضية وتحديد نقط القوة ونقط الضعف والفرص والمخاطر وإعادة بناء حكومته من جديد بناء على الإمكانيات المتاحة اليوم في ظرف مختلف عن مابعد انتخابات 25 نونبر 2011، لكن هذه المسالة تتوقف على "بنكيران" ودرجة تقييمه لما جرى ، وتتوقف أيضا على الحزب المرشح للأغلبية المتمثل في التجمع الوطني للأحرار ومقدراته على تقييم سنة ونصف من عمل الحكومة وقدرته على التفاوض والإقناع وتقديم موارد بشرية ذات جاذبية عملية لرئيس الحكومة . تغيير وزير بوزير غير وارد ،"بنكيران" مطالب ببرنامج حكومي جديد أمام البرلمان . ولا يمكن ان تقف المشاورات حول حكومة "بنكيران" الجديدة عند حدود التغيير التقني لوزير استقلالي بوزير في نفس القطاع من حزب التجمع الوطني للاحرار ، فالأمر يتعلق بحكومة جديدة معدلة لا يمكن ان تلج البرلمان بدون تطبيق مقتضيات الفصل 88 من الدستور ،اذ لايعقل ان يقف وزير جديد كان برلماني بالأمس ليدافع عن برنامج حكومي كان قد صوت ضده أثناء تنصيب حكومة "بنكيران" الاولى ،من هنا فان نص الدستور من جميع مداخله التأويلية الممكنة يفرض على "عبدالاله بنكيران" ان يأتي امام البرلمان ليعرض برنامجا جديدا لينال ثقة مجلس النواب من جديد ،فالحالة الموجودة أمامنا لاعلاقة لها بتعديل تقني يحل بمقتضاه وزير محل وزير، وانما بفقدان رئيس حكومة لأغلبيته السياسية الاولى وقيادته لمفاوضات مع أغلبية سياسية جديدة أنتجت حكومة جديدة ،ف"بنكيران" سينتقل من التمرين الديمقراطي للفصل 47 الى التمرين الديمقراطي للفصل 88 من الدستور،وهي كلها تمارين تطبيقية لدستور فاتح يوليوز 2011 . *رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات