ما فتئت تداعيات توتر العلاقات البينية بين المملكة المغربية والجارة الجنوبية، ترخي بظلالها على الوضع الدبلوماسي والاقتصادي بين البلدين، فالخرجات المتضاربة لوزيرة الشؤون الخارجية الإسبانية، التي تحرص على أن تبدو متشبثة بتفادي الأزمة وطي صفحتها، تارة بالقول إن بلدها لا يريد أن يخسر شريكا وجارا ومتعاونا في قضايا حساسة كالهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات، وعلى أن بلدها يكن التقدير والاحترام لجاره وتارة أخرى تعرب عن تشبث حكومتها بالموقف الثابت في ما يتعلق بالاستفتاء وتقرير المصير وأن بلدها ليس وسيطا في الصراع بين المغرب وبين البوليساريو. هذه المرة خرجت علينا السيدة أرنشا فاتحة ذراعيها وأذنيها للإنصات إلى مقترحات المغرب والتفاوض بشأنها في تصريح حديث؟ وهنا، فقط أذكرها بما حصل لما استقبلت وفي استفزاز مبيت لزعيم عصابة متابع قانونيا بجرائم إنسانية لا يطولها التقادم، ومن طرف عدالتها وبوثائق مزورة. فلما معالي الوزيرة كل هذه المخاطرة؟ أفقط من أجل عيون غالي أم أن الأمر يترجم مدى المناكفة السياسية، حتى لا أقول الحقد التاريخ على المغرب، الذي في ظرف 25 عاما تغيرت معالمه وموقعه الإعرابي في الخريطة الجيوسياسية في المنطقة خاصة، بعد اعتراف أقوى بلد في العالم بالسيادة المغربية على أقاليمه الصحراوية وفتح قنصليته على رمالها الذهبية ولوح فوقها العلم الأمريكي بجوار الراية الحمراء تتوسطها نجمة خماسية خضراء. إن من يقف اليوم على رصيف ميناء الجزيرة الخضراء يعلم مدى الخسارة الفادحة التي تكبدها اقتصاد الجار المشاكس، والذي لم يقدر دبلوماسيا واقتصاديا قيمة الشراكة بين البلدين لقد تحول الميناء إلى أرض يباب، وعمل المغرب بحكمة من له باب واحدة فلتغلق عليه، أهلنا في المهجر تدبرت الدولة نقلهم جوا وبحرا بتعليمات صارمة وواضحة من رئيس الدولة، رعت القدرة الشرائية للمهاجرين وأصبح المغرب يحتضن البواخر من إيطاليا وفرنسا والبرتغال، وعلى الجار الإسباني أن يعلم أن حوالي ثلاثة ملايين ونيف لن تطأ أقدامهم ميناء الجزيرة الخضراء وأن ما يقارب ستة وعشرين ألف عربة لن تحمل على البواخر الإسبانية، هذا وحده كاف لإعادة تقييم أسلوب الدبلوماسية الخارجية الإسبانية. تريد السيدة أرنشا أن تعرفي مقترحات المغرب، هي واضحة: تدعيم موقف المغرب الذي قبل به جل عقلاء العالم والمتمثل في الحكم الذاتي لأقاليمنا الصحراوية تحت سيادة المملكة المغربية دون هذا فهو قبض ريح، ودعوني أذكركم بما حصل عندكم من نزوع انفصالي في كطالونيا واليوم وبالرغم من التلطيف الذي أدخلتموه على التقرير الذي طرح مؤخرا على لجنة حقوق الإنسان في ستراسبورغ بشأن الانفصاليين القابعين في سجون المملكة الإسبانية أو الفارين من عدالتها والتي شرخت مجتمعكم الإسباني شرخا بليغا، كان جاركم المغرب حذرا في التعاطي معه، ولم يسمع رسميا منه أنه يؤيد الانفصال في إسبانيا، بل وقف ضده مساندا لوحدتكم الترابية، ورفض أن يستقبل وفدا كطلانيا دون تمثيل دبلوماسي ولو على مستوى قنصلي، فأين أنتم من موقف المملكة المغربية؟ إن الحرص على العلاقات الثنائية بين المملكتين السيدة أرنشا يبدأ بالتقدير والاحترام مترجما في أفعال، وأقلها فعلا نبيلا سيدتي أن تبعثوا بقنصلكم ليفتح مكتبه بجوار أصدقاء المملكة المغربية العظام، دون ذلك فهو أضغاث أحلام.