مثل سحابة صيف، وكأنها "سبعة أيام من الباكور"، تعرض السياسيون المغاربة لموجة مفاجئة من الانتقادات بالتزامن مع الشروع في التحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة. ولم يكن الأسبوع المنصرم لينقضي دون حوادث تساهم في مزيد من الإساءة إلى سمعة السياسيين، آخرها اتهام مستشار جماعي بالتورط في سرقة ملابس داخلية للنساء من مركز تجاري معروف. ورغم أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، إلا أن الواقعة جلبت لصاحبها ما يكفي من السخرية والنقد بسبب موقعه السياسي، في انتظار ما ستسفر عنه المحاكمة. ويبقى أقوى تصريح ضد السياسيين هو ذلك الذي صدر عن والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، الذي قال: "الناس ما بقاتش كتيق فهاد الأحزاب والباكور والزعتر"؛ كما سجل عليه قوله في لقاء صحافي: "العزوف عن الانتخابات يطرح نفسه، فالمواطن لم يعد يثق، والمشكل الأساسي مشكل ثقة، ليس في السياسيين فقط، بل حتى من ينتمي إلى القطاع العام مست الثقة فيه". وبالنسبة إلى الجواهري، وهو بالمناسبة واحد من أحسن محافظي البنوك المركزية في العالم، تتلخص مشكلة السياسيين والمسؤولين في كلمة واحدة هي "الثقة"، غير أن كلامه اكتسى طابع الحدة، نظرا لكونه يتقن استعمال كلمات مؤلمة من اللهجة الدارجة المغربية في سياقات ملتبسة؛ فالرجل خبير في لغة الكلام وضرب المعاني، بلكنته الفاسية التي لا تخطئها الأذن. وليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها السياسيون للانتقادات اللاذعة، بل حتى الملك محمد السادس نفسه سبق أن انتقدهم بلهجة صارمة، عندما قال سنة 2017 في خطاب العرش: "إذا أصبح ملك المغرب غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟". ولم يقف الانتقاد الملكي عند هذا الحد، بل إنه قال لهم: "كفى، واتقوا الله في وطنكم...إما أن تقوموا بمهامكم كاملة وإما أن تنسحبوا". وحتى عندما شرع المغاربة في البحث عن نموذج تنموي فإن إحدى النقط السوداء التي رفعت إلى الملك في تقرير لجنة شكيب بنموسى كانت مرتبطة بأداء "الفاعلين السياسيين"، وعدم قدرتهم على تنزيل مقتضيات الدستور على أرض الواقع. "فعلى الرغم من التوسع الملحوظ في سلطة واختصاصات الحكومة بموجب الدستور، اتسمت الائتلافات الحكومية المتتالية بتوترات متكررة وبدينامية سياسية لا تحفز بالشكل الكافي على التقاء الفاعلين حول تصور للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يضع المواطن في قلب الاهتمام ويسمح بتجسيد روح الدستور الجديد. وقد ساهمت هذه الوضعية في إبطاء وتيرة الإصلاحات وخلق أجواء عميقة من عدم الثقة، في ظل ظروف يطبعها تباطؤ النمو الاقتصادي وتدهور جودة الخدمات العمومية"، يقول تقرير لجنة النموذج التنموي. ولا يحتاج المواطن أي أدلة ليعرف أن العجلة السياسية في المغرب تسير بوتيرة مغايرة عن عجلة التنمية، بل إن من شأن الربط بين العجلتين في بعض الأحيان أن يؤدي إلى عرقلة التنمية، لأن الفاعل السياسي لا يضع في حسبانه مركزية المواطن في العملية التنموية، إذ لا سياسة ولا تنمية بدون مواطنين..كيف يمكن الوثوق في السياسيين وهم ثابتون في أماكنهم يحصدون الأخضر واليابس بعد كل حصاد انتخابي؟ وكيف يمكن قيادة التغيير من طرف النخب نفسها؟.. هنا تبرز الحاجة إلى "ميثاق تنموي" وربط المسؤولية بالمحاسبة؛ أما بعض السياسيين فإن حجم أحزابهم وبرامجهم رغم ألسنتهم الطويلة لا يتجاوز وزن الوثائق التي حصلوا عليها عند الترخيص بتأسيس أو تجديد مؤتمر حزبهم، سواء تعلق الأمر بتلك "الخلايا الفكرية" التي تمتهن التصعيد، أو تلك التنظيمات التي لا يوجد فيها سوى "الزعيم" وعائلته وأصدقائه.