مرت منذ أيام الذكرى الثانية عشرة لرحيل الصحافي المغربي محمد الباهي الذي أفنى حياته مناضلاً من أجل وحدة اليسار المغربي، بقدر ما عمل من أجل التقارب بين مغرب الوطن العربي ومشرقه. ويعرفه أهل الشرق من خلال كتاباته الصحفية التي كانت تنشر في بيروت مطلع سبعينات القرن الماضي في مجلة "البلاغ" على وجه الخصوص، كما يعرفه كل أعلام الفكر والأدب المشارقة الذين توافدوا على العاصمة الفرنسية خلال تلك المرحلة العصيبة. فقد أقام فترة طويلة من الزمن في باريس، حتى عرفها حجراً حجراً، من دون ان يتخلى عن بداوته المتأصلة، وكأنه ينتقل بخيمته من حي الى حي. وعندما طلبوا منه العودة الى المغرب للإمساك بصحافة "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، لم يقو قلبه على تحمل انقسامات اليسار، وتشتت العمل الوطني، فهوى. وقد أحيا رفاقه ذكرى رحيله رافعين شعار "وحدة اليسار، أمل المستقبل في المغرب". وقد كان قريباً من أهل الشرق، وعزيزاً على قلوبهم، الى درجة أن الروائي المبدع عبد الرحمن منيف خصص له كتاباً يحمل اسمه. وتشاء الصدف أن يرحل في ذكراه، صديق آخر من الطينة نفسها، هو محمد بن يحيى، الذي ترأس اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام الثامن للاتحاد الاشتراكي، الذي عقد دورته الأولى من 13 الى 15 حزيران المنصرم في بوزنيقةجنوبالرباط. ولم يقو بن يحيى على مغالبة المرض حتى انعقاد الدورة الثانية التي قرر الحزب أن يهديها الى روحه. وقد تأثر الكثيرون ممن حضروا مراسم الدفن في مدينته مكناس وسط المغرب، لحضور عبد الرحمن اليوسفي رئيس الوزراء السابق لأول حكومة تناوب عام 1998، وهو مثقل بسنواته الخمس والثمانين، قاطعاً إجازة عائلية في اليونان، ليلقي نظرة أخيرة على من رافقه سنوات المنفى، ثم كان مستشاره الإعلامي في رئاسة الحكومة. وبين الرحيلين، رحيل الباهي، ورحيل بن يحيى، تستمر مسيرة الاتحاد الاشتراكي في مواجهة التجارب والتحديات. فقد مضى الزمن الذي تنشق فيه الأحزاب المغربية عند مواجهة أول صعوبة، ودخلت مرحلة العمل المؤسساتي المنظم والمبرمج. لقد نجحت الدورة الأولى للمؤتمر الوطني الثامن في اعتماد التقريرين الاخلاقي والمالي، وبقي عليها أن تناقش في الدورة الثانية التي تقرر انعقادها بعد ستة أشهر من الأول المواضيع الأكثر حساسية مثل طريقة التصويت واختيار المندوبين في المؤتمر، وحصيلة المشاركة في الحكومة الائتلافية الحالية برئاسة زعيم حزب عباس الفاسي، ونوعية التعامل المستقبلي مع العرش، ومستقبل التحالف مع حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقاً) ضمن ما يعرف "بالكتلة الديموقراطية". وليس سراً أن الحزب كان يعيش حالة من الغليان الداخلي منذ التراجع الكبير الذي أصابه خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في 7 أيلول 2007، والتي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 30بالمئة.وقد نتج عن ذلك استقالة الأمين العام محمد اليازغي مع احتفاظه بمنصبه كوزير دولة، واستقالة نائبه عبد الواحد راضي وزير العدل في الحكومة القائمة. والواقع أن المسألة التي أثارت جدلاً واسعاً في صفوف المندوبين الى المؤتمر الثامن تبدو شكلية، وهي تتعلق بموضوع التصويت الى "لوائح"، إذ قدمت الى المؤتمرين ثلاث لوائح رئيسية يتزعمها بعض قادة الحزب أمثال عبد الواحد راضي، وحبيب المالكي، (عضو مكتب سياسي ووزير عدة مرات)، وفتح الله ولعلو (عضو مكتب سياسي ووزير المالية السابقة لسنوت طويلة).المهم أن الحزب لم ينشق وهو على وشك تجاوز مصاعبه. سمة النضوج تنطبق كذلك على "حزب العدالة والتنمية" الذي اختتم مؤتمره السادس في 20 تموز المنصرم،بعد أن أجرى تغييرات بالغة الدلالة في قيادته. فقد انتخب أميناً عاماً جديداً هو عبدالله كيران، في حين أن الأمين العام السابق الدكتور سعد الدين العثماني، جرى انتخابه رئيساً للمجلس الوطني، أي برلمان الحزب. وقد تلقى بن كيران تهاني الملك محمد السادس الذي أثنى على تشبثه الراسخ "بمقومات الأمة"، التزام النهج الديموقراطي.كما لم يفت الملك ان يشيد "بحكمة ورصانة" الأمين العام السابق سعد الدين العثماني. ولعل في هذا الثناء ما يكفي لتبيان مسيرة الحزب، إذ أكد البيان الختامي للمؤتمر السادس على "أولوية النضال الديموقراطي" لإصلاح النظام ومقاومة الفساد، وتعزيز "المرجعية" الإسلامية، ودعم الهوية الوطنية، و"التعاون مع القوى السياسية التي تتقاطع مع الحزب في هذا الاختيار". بهذا المعنى، فإن "حزب العدالة والتنمية" قد انخرط في العمل السياسي المؤسساتي، ولم يعد من المستبعد أن يشترك في أي حكومة مقبلة... أو أن يرأسها! عن المستقبل اللبنانية ""