في أعقابِ التحولات التي أملاها "الربيع العربي" في المنطقة، أثيرت عدة تساؤلاتٌ حول ما إذا كانت العلاقات بين المغرب والجزائر، الجارين غير المتحابين، اللذين تحملا بعضهما البعض طيلة أربعة عقود، ستأخذُ مجرى ينقِي أجواءَهَا قليلاً. في الواقع؛ لا مؤشر يبشر بانفراج مرتقب. في الجزائر، يشكلُ المغرب قضية سياسة داخلية..تنضاف إليها ملفات ذات صلة بالصحراء والتسلح والإرهاب والهجرة تخيم على العلاقات بين البلدين. ومن ثمة فليس من الغريب أن تعمد وكالة الأنباء الرسميّة في الجزائر، أو جرائد قريبة من السلطَة إلى تخصيص صفحات كاملة من موادها للإساءة إلى صورة المغرب، الذي يردُّ الإساءَة دوماً بشيءٍ من اللطف. وعليه فإن لدَى سفيري البلدين، في الجزائر العاصمَة كما في الرباط، عمل كثير يستدعِي الإنجاز، بالإطلاع على ما تكتبه الصحافة كل يوم حتى يتم تحويله إلى المصالح العليا" يقول أحد الصحفيين الجزائريين بنبرة ساخرة. إلى ذلك، كانت الصحافة الجزائرية قد نقلت أن الاستخبارات الجزائرية أثنت وفدَبرلمانيين جزائريين عن المجيء إلى المغرب، بسبب سياق الأزمة الديبلوماسية مع مملكة محمدة السادس"، رغمَ أنَّ زعيميْ ديبلوماسية البلدين، لم يذَرَا لقاءً دولياً إلَّا وأكدَا فيه وثوق العلاقات الأخويَّة بين البلدين المغاربيين، والابتساماتُ تطبعث محياهُمَا. ما بين العدَاء والأحكَام المسبقَة على مستوَى هرم الدولة، لا وجود لمؤشر على وجود أزمَة ديبلوماسية، بحيث أنه في اليوم الموالِي لنقل بوتفليقة إلى باريس للعلاج، بعث الملك محمد السادس ببرقيَّة شفاء إلى الزعيم الجزائري، أعرب فيها عن متمنياته لهُ بالشفاء العاجل. وهو أمرٌ يفسره ديبلوماسي مغربي باستمرار وجود علاقات صورية بين المغرب والجزائر، لا تعدُو كونهَا بروتُوكوليَّة. لأنَّ وجودَ تمثيليات ديبلوماسية، ليس إلَا حفاظا على الحد الأدنَي، كمَا أنَذ انتفاء القطيعة الديبلوماسية لا يعنِي أبداً أنَّ العلاقات عادية وفي مجراها الطبيعي بين البلدين، إذَا ما علمنَا أنَ آخر زيارة لوزير أول جزائري إلى الرباط، ترجعُ إلى أزيد من 20 سنة. فيمَا تسوق اليوم زيارات الوزراء والمسؤولين الكبار ولقاءاتهم، كما لو تعلق الأمر بحدث كبير. وهنَا يقولُ الديبوماسي المغربي "لا ينبغي نسيان الحرب التي كان البلدان قد خاضاهَا، والسباق المحموم بينهما على مستويات اقتصاديَّة وأمنية، وما هناك من عداء سياسي على مستوَى قضية الصحراء. العداء السياسي بين البلدين حول قضيّة الصحراء لم يكن إلا لينعكس على شعبَيْ البلدين. حتى وإن كان الشعبان يرقصان معاً على إيقاع الراي، ويضحكان معاً في حضرة جاد المالح. بحيث أن المعرفة القاصرة للآخر، ابينُ عن عداء ثابت في منتديات النقاش على النت. على نحو يشكل أرضية خصبة للأحكام المسبقة؛ ففي الجزائر، يصور المغاربة كما لو أنهم خنوعون، فيما يوجد انطباع في الرباط يجعل من الجزائريين أشخاصاً غلاظاً ذوِي طبع فض، يعيشون خارج التاريخ إلى درجة قيامهم بأخذ صور إلى جانب الخضر والفواكه في الدارالبيضاء أو فِي مراكش. وهي كليشيهات متمكنة لدى الشعبين. تاريخ صعب في الواقع، ما يعيشه البلدان الجاران يرجعُ إلى تاريخ بعيد. فبعدما كان المغرب والجزائر موحديْن ضد المستعمر الفرنسي، أصبحا عدوين سياسيين وديبلوماسيين بعد حصولهما على الاستقلال. وقلبَا ظهرهما لبعضهما البعض، منذ أزيد من أربعين عاماً. وهنا يقول المؤرخ الفرنسي بينجامان ستُورَا، إنَّ المغرب والجزائر كان لهما تاريخ مشابه لكنَّ مصيرهما كان متقاطعاً، فمنذ البداية اختارت الجزائر معسكر الحركات التحررية والاشتراكية الاقتصادية، بينما سلك المغرب طريقاً آخر، بسلوك سياسة التقرب من الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوربَا، كما أنَّ البلدين أبديَا معاً رغبتهما لتزعم الاتحاد المغاربي منذُ البداية، في شمال إفريقيا، وعليه لم يستطع البلدان أن يتخلصا من الخصومة الإيديلوجية التي كرستها حرب الرمال. زيادة على قضية الصحراء وإغلاق الحدود، وهنا يسائلُ الأستاذ في جامعة وجدة، خالد شيات، القول بتطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر، ما دام الجيش الجزائري ينظر إلى المغرب كخصم، أو كعدو بالأحرى من أجل تسويغ لجوئه المستمر إلى التسلح ". بيد انَّ الأمور سائرةٌ في طريق التغيير حسب الصحفي الجزائري، في صحيفة الوطن، فيصل ميطاوِي، الذِي يرَى أنَّ المغرب والجزائر هما البلدان الوحيدان تقريبا، اللذان لا يزالان مستقرين نسبياً، ومن شأن ذلك الاستقرار أن يدفع البلدين إلى العمل معاً ويكونَا براغماتييْن. "لدي قناعة بان التعاون الاقتصادي والثقافي يمثل لبنة لبناء تقارب بين البلدين، وهو أمرٌ أصبح ملحوظاً منذ عدة أشهر، بتبادل الزيارات الرسمية بين المغرب والجزائر. حتى أن الجزائر حلت ضيفة شرف على المعرض الدولِي للفلاحة بمكناس. الذِي دشنه الملك المغربي شخصياً. كما أن عدد السياح الجزائريين المتوافدين على المغرب في ارتفاع مضطرد. فيما يبدُو المغرب في الجزائر أول زبون على المستوَى العربِي، فمنذ 2011، يرتبط المغرب والجزائر باتفاق تزود الجارة الشرقية بمقتضاه محطتين للطاقَة في جرادة وتهادارت بالغاز الطبيعِي، فحتى وغن كانت هناك بعض الانتكاسات العارضَة، تبقَى الأمور في حركية. فحتى وإن كانت تسير بصورة محتشمة إلَّا أنها ليست سوى بداية، يختم معطاوي كلامه. فاتفاق الغاز المشار إليه كفيل بإدخال بعض الدفء على العلاقات بين البلدين، يقول احد رجال الاعمال. فما دام المغرب معتمداً على الجزائر في الطاقة فإن ذلك يجعله مرتبطاص أكثر بالجارة الشرقية. مما قد يدفع في اتجاه فتح الحدود ومراجعة الجزائر موقفها من الصحراء". بركات روس في 2009، خلف كريسوفر روس، بيتر فان فالسوم، بصفته مبعوثا شخصياً للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، وهو شخص يعرف المنطقة جيداً، نجح في تحريك العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر، وإن لم يكن ذلك بشكل علنِي، بحيث يفترض أن يكون الديبلوماسي الأمريكِي قد أقنع شخصياً الرئيس الجزَائرِي، عبد العزيز بوتفليقَة، باختيَار صعيد من الأصعدة لإبرام الشراكة مع المغرب. ليقع اختيَار بوتفليقة على مجالات الشباب والتربية والفلاحَة والمَاء والطاقَة. وهو ما سمحَ بعقد عشرات الاجتماعات التقنية. حتى وإن كان سؤال ما تمخضت عنه تلك الاجتماعات يبدُو محرجاً. لأنَّ تلك الاجتماعات لا يحكمها منظور معينن يقول رجل أعمال مغربي، مستطرداً أنَّ تلك الاجتماعات تقتصرُ فِي الغالبِ على ممثلِي الحكُومتين المغربية والجزائرية، دون إشراك أوساط الأعمال". في غضون ذلك، يدفعُ تعثرُ العلاقات الرسمية بين المغرب والجزائر، إلى تنامِي التهريب على الحدود المشتركة بين البلدين، إذ أن التقديرات ترجحُ بلوغ القيمة السنوية لتجارة التهريب حواليْ أربعَة مليارات دولَار. وهيَ حصَّة مهمَة تقعُ بعيداص عن أيَّة مراقبَة. لأنَّ الحدود غير مغلقة أمام الجميع. يقول مغربِي يعيشُ في الجزائر العاصمة، مضيفاً أنَّ أحد زملائه نجح في نقل أثاثه من الدارالبيضاء إلى الجزائر لأنّه حينما يتعلق الأمر بمواد البناء، على سبيل المثَال، هانك وسطاء يتكفلون يجميع المراحل، من النقل عبر الحدود حتَّى لحظَة التسلِيم. وحسب قراءة لمسؤول جزائري سامٍ، فإنَّ للغربيين أيضاً دورهم في اللعبَة، بتصريف خطابات مختلفة، متى ما حلوا بالرباط أو الجزائر، وعليه فمتَى ما قررت تلك الدول أن تضع حداً للازدواجية وتتبنى خطابا حقيقياً وبراغماتياً، فإنَّ المغرب والجزائر سيجدان نفسيهما جالسين إلى طاولة المباحثات، لإيجاد حلول ترضِي الطرفين معاً وتحفظُ ماءَ وجهيهمَا". ديبلوماسيَّة فِي أجواء مكهربَة تقفُ الجزائر أكبر خصم للديبلوماسية المغربية، سواء في الأممالمتحدة، أو في بلدان الاستقبال. بحيث لا يدخر الديبلوماسييون الجزائريونَ مالاً ولا جهداً في الدفاع عن أطروحَة البوليساريُو، على حساب المصالح المغربيَّة. يقول ديبلوماسي مغربي. وغالباً ما تتمُ مكافأة أشد الديبلوماسيين عداءً للمغرب بمناصب ديبلوماسية كبْرَى عبر العالم. كما أنَّ الصدامات بين ديبلوماسيتي المغرب والجزائر كثيراً ما تحتدمُ في الكواليس، كما فِي أشغال اللجنَة الرابعَة للأمم المتحدَة. كل ذلك دون أن تصادفَ مسؤولًا جزائريًا يقرُّ بكون بلده طرفاً فِي نزاع الصحرَاء" يضيف المتحدث ذاته.