منذُ بدء العملية الفرنسية بمالِي، أثيرت علامات استفهامٍ كثيرة في أفقِ تبينِ الموقف الجزائري من الملف، ففي الوقت الذِي أبدت فيه السلطات الجزائريّة، المتحفظة إزاء التدخل العسكري، سعيها على الدوام إلى ترجيح حل تفاوضي، قبلت تدريجياً بإتاحة أجوائها لتحليق الطائرات الفرنسية، قبل أن تعمدَ إلى إغلاقِ حدودهَا معَ مالِي قطعاً للطريق على الجهاديين في سعيهم إلى إقامة قاعدة انكفاء على الحدود المشتركة. وإن كانَ من الصعب تفسيرُ تطورُ موقف بلد يصنعُ فيه القرار وسط أجواء سمتها التعتيم، فإنهُ يمكننا على الأقل أن نتبينَّ بعضَ ملامحه. محللون كثُر يرونَ أنَّ الديبلوماسيّة الجزائرية إن تغيرت، فإنَّ ذلكَ عائدٌ إلى كونَ فشلها، فحسبَ عمر بلحوشيت، مدير نشر يوميَّة الوطن الجزائريَّة، هناكَ فشلٌ للطريق الديبلوماسيَّة التي سلكتهَا الجزائر، فالمفاوضات التي قامت بها أنهيت. بينما استعادَ الإرهابيُّونَ حريتهم. علَى نحوٍ جعلَ الديبلوماسيين الجزائريين يحسونَّ بأنهم غُدِرُوا". وجهة نظرِ يتفقُ معها إيريك دينيسِي، مدير المركز الفرنسي للبحوث حولَ الاستخبارات، الذي يرى في تغير موقف الجزائر تأقلماً براغماتياً، بعدَ توقفِ مفاوضاتهَا مع جماعة أنصارِ الدين. ومن المعقول أيضاً أن تكونَ الزيارة التي قام بها الرئيسُ الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى الجزائر في ديسمبر الفائت، قد عبدت الطريق أمامَ تغيير الجزائر لموقفها. إذ من المرجح جدا أن يكون قرار استخدام الطائرات الفرنسية للأجواء الجزائرية قد تمَّ اتخاذه بموافقة الرئيس الجزائري عبد العزيز بتوفليقة. ويقول أحد خبراء الديبلوماسيَّة الجهويَّة في هذا المضمار إنَّ الرئيس الفرنسي طمأنَ بوتفليقة. بعدمَا اُستُشفَّ من حديث هولاند في مؤتمره الصحفي بالعاصمة الجزائر تلميحٌ إلى أنَّ الجزائر سبقَ أن عرفت "ربيعها العربي" خلال عام 1988. ومن غير المستبعد كذلك، من جانب قسم من صناع القرار بالجزائر، أن يكون هناكَ تفكير عميق حول أهمية فكِّ الجزائر للعزلة الديبلوماسيَّة المضروبة عليها، والتي أضحت تتضح أكثر فأكثر. إذ أنَّ هناكَ انطباعاً يخيمُ على دوائر القرار، بشروع الجزائر في فقدان تأثيرها على القارة السمراء شيئاً فشيئاً، حيثُ يسودُ اعتقادٌ بأنَّ الجزائر تدعمُ الجهاديين، عبر حدودها التي يمر منها الوقود والسلاح، وهذَا الرأيُ لا يستبعدهُ بعضُ القادة الأفارقة كثيراً، بل إنَّ محللاً سياسياً نيجيرياً اتهمَ الجزائر وموريتانيا في الآونة الأخيرة بعدم ادخار الجهدِ في العمل على عرقلةِ مساعِي منظمة دول غرب إفريقيا للتنسيق بشأن مستقبل العملية العسكريَّة الإفريقية. في الآن ذاته، يبدُو أنَّ الهوةَ تتسعُ بصورة متنامية بين الجزائر والعالم العربي، في ظلِّ صعودِ حركاتٍ إسلاميَّة تسيرُ في منحَى قريب من الإخوان المسلمين إلى السلطة، وجمودِ الوضع معَ المغرب، بحيثُ تجدُ الجزائر نفسهَا وحيدة. فيمَا يهدفُ القادة البراغماتيون للبلاد اليوم إلى فكِّ العزلة المضروبة على البلاد، حسب المؤرخ بنجامان ستورا، المختص في تاريخ الجزائر، الذِي أكدَ أنَّ الموضوعَ يستأثرُ بالنقاش في البلاد. بيدَ أنَّ الموقفَ الذي اتخذته الدولة الجزائريَّة ما كانَ ليمرَّ مرور الكرام، فالصحافة المحلية، سيمَا القريبة من السلطة، كانت في اللحظات الأولى رافضة للمبادرة الفرنسية، متهمة فرنسا بتقمص دور الدركي، ورمتها بمحاولة زعزعة استقرار الجزائر، من خلال تواجدها بمنطقة الساحل. الهجوم المبني على خطاب رفض الامبريالية والكولونيالية، يترجم دونَ شك مواقف بعض الجهات، سيما قادة جبهة التحرير الوطني، وقدماء المجاهدين، والإسلاميين المحافظين. بيدَ أنَّ صحيفة "ليبيرتِي"، القريبة من السلطة مثلا، كفَّت عن تصويب سهامهَا إلى العملية العسكرية الفرنسية منذ الخامس عشر من الشهر الجاري، إذْ كتب مصطفَى حموش افتتاحية، يتساءُلُ فيهَا عن سببِ رفضِ انتهاكِ سيادة مالِي من قبل جيش دولة غربيَّة، مع انتهاجِ اللامبالاة حيالَ انتهاكهَا من قبل جيوش الإرهابيين؟