لا ينتهي الخلاف بين المغرب والجزائر إلا ليبدأ من جديد، فمنذ تداعيات حرب الرمال إلى تداعيات تصريحات الحشيش تتواصل مسيرة الخلافات وهذه محطات في تاريخها بين البلدين خلال الأعوام الأخيرة فحسب. ربما لم يتخيل كثير من المغاربة والجزائريين، الذين ناضلوا معا ضد الاستعمار الفرنسي أن بلديهما سينتقلان مباشرة بعد الاستقلال إلى معارك ثنائية بدأت بالسلاح واستمرت بالألفاظ والإجراءات، أدخلتهما في دوامة مستمرة من التشنج الذي لا ينتهي إلّا ليبدأ من جديد، وآخر المحطات ما صرّح به وزير الخارجية الجزائرية، عبد القادر مساهل، عندما اتهم البنوك المغربية بتبييض أموال الحشيش في إفريقيا، وهو ما نفاه المغرب ورّد عليه باستدعاء سفيره بالجزائر لأجل التشاور. وكما يقول المثل المغربي "العداوة ثابتة والصواب يكون" (الصواب بالمغربية يعني الأدب)، لا يفوّت البلدان أيّ مناسبة رسمية لتبادل التهاني، ومن ذلك تبادل حاكما البلدين، الملك محمد السادس والرئيس عبد العزيز بوتفليقة، التهاني بمناسبة الذكرى ال28 للاتحاد المغاربي شهر فبراير الماضي، إلّا أن واقع الحال يؤكد أن السياسة فرّقت كثيرا بين الجارين رغم تقارب الشعبين، والدليل الأبرز على ذلك حدودهما المغلقة منذ عام 1994. التوتر بين الجارين أضحى طقسا متكررا منذ حرب الرمال عام 1963 التي اندلعت إثر خلاف على الحدود، وما لحق ذلك من دعم جزائري كبير لجبهة البوليساريو منذ سبعينيات القبرن العشرين، هذا مرور على أبرز الخلافات بين الطرفين خلال السنوات الخمس الأخيرة: مأساة اللاجئين السوريين تبادل البلدان استدعاء سفيريهما يومي 22 و24 أبريل 2017، لسبب وجود لاجئين سوريين في منطقة على حدودهما البرية المغلقة. اتهم المغرب أولًا الجزائر بتسهيل عبور حوالي 54 سوريا إلى المغرب بشكل غير شرعي، ورّدت الجزائر بالقول إن جارها يسيء إليها. استمرت أزمة اللاجئين إلى غاية 21 يونيو عندما مكّنتهم الرباط من الدخول بقرار ملكي، علما أن الجزائر أعلنت قبل ذلك بأيام استقبالها لهم، قبل أن تتحدث عن تعذر عملية الوصول إليهم. عنف في الكاريبي استدعاء جديد للسفيرين في ماي 2017، بدأت الأزمة هذه المرة إثر اتهامات مغربية لمسؤول جزائري بالاعتداء الجسدي على دبلوماسي مغربي في اجتماع للجنة الأممالمتحدة حول الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي في سان فانسانت والغرينادين، ثم ردت الجزائر باتهام مضاد قوامه تحرّش أعضاء من الوفد المغربي بشابة ديبلوماسية جزائرية. طالب كل طرف الآخر بالاعتذار وأكدا أنهما أبلغا الأممالمتحدة بما جرى، وانتهت القصة على هذا الوضع. اتهامات المخدرات اتهمت الجزائر جارتها الغربية على الدوام بتصدير المخدرات إليها، لكن الجديد، أن الاتهام جاء هذه المرة من عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم المعارضة، والمتعاطفة مع حزب العدالة والتنمية الذي يقود حكومة المغرب، إذ قال شهر أبريل عام 2017 في مهرجان خطابي إن هناك زراعة مخدرات مسكوت عنها بالمغرب، وإن أبناء الجزائريين في المدارس يعانون منها. تصريحات مقري تأتي في سياق تقارير جزائرية دورية عن حجز كميات كبيرة من الحشيش المغربي في الشرق، بيدَ أن المغرب لم يرد على ما قاله مقري. حقوق منطقة القبائل ردًا على موقف الجزائر من ملف الصحراء، طالب دبلوماسي مغربي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نونبر 2016، بحماية حقوق سكان منطقة القبايل الأمازيغية في الجزائر، معتبراً أنّ "الشعب القبايلي هو الوحيد في إفريقيا الذي ما يزال يعاني الحرمان من حقوقه الأساسية"، وجاءت تصريحات الديبلوماسي أيام قليلة فقط بعد دعوة مماثلة أطلقها ديبلوماسي مغربي آخر مطالباً بضمان حق شعب القبائل في تقرير المصير، ممّا دفع بعدة وسائل إعلام جزائرية إلى الرّد دون أن يصل ذلك إلى مستوى الفعل من قبل الحكومة المحلية. إنزال العلم الجزائري في فورة حماس شباب مغاربة نظموا احتجاجا أمام قنصلية الجزائر بالدار البيضاء شهر نونبر 2013 رداً على ما اعتبروه تدخل الجار في شؤون بلدهم، قام أحدهم -ينتمي إلى حركة الشباب الملكي- باقتحام السفارة وإنزال العلم الجزائري. نددت الجزائر بقوة واعتقلت السلطات المغربية المُقتحم، لكن الحكم عليه بشهرين حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة بسيطة، دفع بالجزائر إلى إعلان مقاطعة الاجتماعات والنشاطات السياسية التي تُقام بالمغرب ويشارك فيها الجانب الجزائري. إطلاق نار انتشرت صور مواطن مغربي مصاب بجروح في وجهه شهر أكتوبر 2014 في وسائل الإعلام المغربية، قالت الحكومة إن الأمر يتعلق بإطلاق نار من لدن جنود جزائريين على مواطنين مغاربة في منطقة الحدود المشتركة، وأعلنت الحكومة حينئذ استدعاء السفير الجزائريبالرباط مُطالبة جارتها بتوضيحات وفتح تحقيق، بيدَ أن الجزائر رفضت ذلك وقالت إن حرس الحدود أطلقوا رصاصتين في الهواء لم تصيبا أيّ أحد، بعد تعرّضهم للرشق من لدن مهرّبين مغاربة. غضب ضد بوتفليقة جاءت رسالة عبد العزيز بوتفليقة، التي تُليت في ندوة إفريقية خُصصت للتضامن مع "الصحراويين"، أكتوبر 2013، لتنهي أسابيع من الهدوء بين الجارين، إذ طالب بإعادة تأطير صلاحية بعثة المينورسو بشكل يتيح مراقبة حقوق الإنسان في منطقة الصحراء، ممّا دفع بوكالة الأنباء المغربية إلى الرد معتبرة أن خطاب بوتفليقة كان "تحريضيا ويكشف سياسة الجزائر العدائية". تطور الخلاف ووصل إلى تراشق حكومي، ثم انتقل إلى استدعاء الرباط لسفيرها في الجزائر لأجل التشاور. عن موقع دوتشيه فيله الألماني