كثيرا ما صح هذا الكلام في مفاده كون أن من يؤمنون بالديموقراطية وحقوق الإنسان، هم من يكفرون بها في ممارساتهم اليومية وينكرونها على غيرهم. وهو ما يحصل اليوم في مصر المحروسة مع التواطؤ الفاضح لرموز النظام البائد مع وجوه الفساد الإقتصادي الذي مهد إلى إنقلاب العسكر على قائده الأعلى الرئيس د.محمد مرسي. صحيح أن ثمة أخطاء كثيرة لوافد جديد على كرسي الرئاسة المصرية بمرجعية واجهها عبد الناصر بالمقصلة، مرورا بأنور السادات إلى حسني مبارك. فلأكثر من 80 سنة والمرجعية الإسلامية تئن تحت سوط فساد السلطة بمصر، حيث لم تنفع معها وصايا الشيخ الكواكبي ولا الأفغاني..لكن ما إمتلكه صدر البردعي وعمر موسى وحمدين صباحي وغيرهم من "خير عميم" كان أقوى لتأجيج ميدان التحرير والإتحادية ضد مشروعية مكتسبة عبر صناديق الإقتراع..وهنا لا بد من التوقف والنظر بإمعان في هذا الأمر. إذ أننا أمام تحول تاريخي ونوعي لفكرة الديموقراطية المستندة على إرادة الشعب في الإقتراع وعبر صناديقه..فأهل شفيق الذين إحتكموا إلى هذا النوع من الإنتخاب والمهللون لديموقراطية الشعب..هم في واقع الأمر لا يؤمنون بها، إنهم يمكرون..ولسوء حضهم أن البرادعي يحمل دكتوراة في الحقوق وليس في علم النفس ليتولاهم..إنها مهزلة ومأساة حقيقية تعيشها مصر اليوم. وإذا كان الكل قلوبهم مع مرسي وسيوفهم عليه، فإنهم ظلوا يتوجسون منه ومن خطواته. إذ لم تهدأ الساحة السياسية بمصر من الحراك الهادف إلى قلب نظام مرسي، والعودة بنظام مشابه لمبارك، سواء مع شفيق أو صباحي. إلى درجة الزج بقنوات معارضة له وببرامج بعض الكراكيز الذين تحولوا بفعل الجو الديموقراطي الذي خلقه مرسي، إلى محللين سياسيين ومنتقدين بارعين لسياسته التي لم تعمر بعد سنتها الأولى. ما ذا كان على مرسي أن يفعله ليتجنب ظلم دوي القربى، وهو الأستاد الجامعي المشهود له بالكفاءة والريادة في علمه؟ والنائب المعارض في مجلس الشعب المصري عن حزبه؟ ربما أن أخطاء مرسي كانت في اٌلإنصات للوصايا المائة للكتاتني ومحمد بديع وخيرة الشاطر..بعدم توزيع كعكة النظام مع شفيق الذي إستحق أن يكون نائبا له قريبا منه، وليس بعيدا عنه ليدبر له ما كان يخشاه اليوم. وتقريب البرادعي كمستشار أول له، وليس بتركه مستشارا لصباحي لقلب نظامه. وتكليف عمر موسى بالخارجية كصديق عزيز للولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دولنا العربية، وعدم السماح فيه ليتحول إلى سفير يقلب هذه الدول عليه..فكيف كان سيكون المشهد السياسي بعد هذا؟ ومن كان سيخرج إلى الشارع ليتحدث عن الديموقراطية والثورة الموؤودة ؟ وربما كانت هذه أخطاء مرسي المكلفة إلى جانب المساس بالقضاء الذي يضع ويعزل الرئيس نفسه من خلال المحكمة الدستورية. فلا يمكن إحداث قطيعة مع الماضي بشكل كلي وقطعي..وهو ما لم يفهمه الرئيس، وقد كان من الأجدر أن يهمس في أدنه، مثلما يجب اليوم أن يهمس هنا في أذن بنكيران، أن التغيير يتم بالتدريج، وأن معارضي "المشروع" هم خيرة الأصدقاء ممن يجب الإنصات إليهم والتمعن في نصائحهم، وإشراكهم في تنفيدها، بدل تركهم وإياها تقلب الرأي العام ضد ذلك. وما شباط إلا واحد من أبناء هذه الأمة وهذا الوطن العزيز بعزة ملك جسور، له رأي يعكس مطالب حزب يخاطب رئيسا للحكومة وليس حائطا يثير الغمة.