بمناسبة مرور ربع قرن على وفاة الصحافي والمثقف الألمعي محمد باهي حرمة، الذي رحل عنا يوم 4 يونيو 1996، وحتى لا يُشطب اسمه سريعا من ذاكرتنا الجمعية، أتقاسم مع قراء جريدة هسبريس دراسة أنجزتها حول المسار الاستثنائي لهذا العلم الإعلامي والفكري المغربي، سبق لي نشرها السنة الماضية ضمن موسوعة "رواد الإصلاح في المغرب خلال القرن العشرين"، منشورات مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية. محمد باهي حرمة المتعدد بصيغة المفرد أن تكتب عن شخص استثنائي اجتمع فيه ما تفرق في غيره، متعدد بصيغة المفرد، متفرد في مساره، لابد أن تتملكك الرهبة من إغفال بعض جوانب هذا التعدد، فالتنوع والغنى يلازمانه في كل محطات حياته، وبعض الأمور التي قد تبدو ثانوية أو تافهة قد تكون شارحة ومفسرة، لعناصر قوة شخصيته أو لبعض المواقف الحاسمة والاختيارات الشجاعة التي أقدم عليها في منعرجات صعبة من مسيرته. هي هواجس لابد أن يستحضرها كل من تصدى للكتابة عن محمد باهي حرمة، الصحافي والمثقف الملتزم المنشغل بقضايا عصره، ولعل ذلك ما جعل صديقه الروائي العربي الكبير عبد الرحمان منيف يفرد له كتابا تأبينا بعنوان عميق الدلالة (عروة الزمن الباهي) يقول في مقدمته:" إن الباهي بمقدار الفرادة التي مثلها، من حيث الحياة والسلوك، وكان أقرب ما يكون إلى زوربا اليوناني، وبالتالي كان نموذجا فذا لشخصية روائية بالغة الغنى والتعدد، فقد كان، بنفس الوقت، ممثلا لجيل ولمرحلة تاريخية. كان ممثلا للجيل الذي ولد بين الحربين العالمتين، وما انطوى عليه ذلك الجيل من أحلام كبيرة وخيبات أكبر. وكان ممثلا لمرحلة تاريخية بالغة الأهمية والتأثير، لما حملته من إمكانيات واحتمالات، وما وعدت به من نتائج، لو أنه تم التعامل معها بعقلانية وتخطيط... وتواضع أيضا". فباهي الشنقيطي الأصول حمل مغربية صحرائه معه في وجدانه وعقله معا، يوم رد على هواري بومدين بمقال حامل لموقف ومكثف لمغزى ومخصب لدلالات ومعاني، مثلما حمل صحرائه في عفويته وبساطته إلى باريس التي صارت واحته الخاصة، إذ عوض أن تروضه وتبتلعه بنمطها الخاص، حيث درجت على تدجين الوافدين عليها للانضباط للتقاليد الباريسية العريقة، عمل هو على ترويضها وإخضاعها لطباعه البدوية الصحراوية العصية على التدجين. هو نفسه باهي المشبع بتراث الأدب العربي حد التخمة، والمسكون بالأسئلة الفلسفية المقلقة للحداثة وما بعد الحداثة. هو أيضا باهي المغاربي حد التطرف، والفلسطيني القضية، المثقف العضوي، بتعبير أنطونيو غرامشي، المنحاز إلى جانب المظلومين، الذي خلف رحيله فراغا مهولا في كل المواقع التي كان يحتلها والمهام التي كان يطلع بها. باهي الصحراوي: لا يرضى للينين أن يكون مجرد موظف عند فرانكو رأى أباه محمد حرمة أنينه، وهو الاسم الحقيقي لمحمد باهي حرمة، النور بمنطقة "تنبيعلي"، التي تعتبر مركزا لقبيلة "إدوعلي"، بالجنوب من بلاد شنقيط بموريتانيا، سنة 1930. والده هو محمد حرمة بن محمد أنينه، أما خاله فهو الزعيم الصحراوي المعروف حرمة ولد بابانا. شاءت الأقدار أن يفقد باهي الأول، وهو ما يزال صغيرا، ليتربى في كنف الثاني. أبان الطفل باهي عن نبوغ مبكر منذ بداية تعليمه داخل خيمة العائلة، حيث لم يكن هناك في هذه المناطق أثر لأي مدرسة بمفهومها الحديث، بل حضرت مكانها ما كان يعرف ببلاد شنقيط ب"المحظرة"، التي كانت بمثابة جامعة شعبية. فحفظ القرآن دون بلوغ سن السابعة، قبل أن يحفظ عن ظهر قلب دواوين الشعر الجاهلي والأموي والعباسي وكُتب النحو والمنطق والفلك وعلوم أخرى، وهو لم يتم ربيعه الثاني عشر بعد. لم يلتحق بالمدارس النظامية للمستعمر، لكن تعلم اللغة الفرنسية لوحده فأصبح يتقنها، كيف ولا وهو الذي حفظ قاموسها في سن مبكر أيضا. في كنف خاله، الزعيم حرمة ولد بابانا، الذي أنشأ حزب "الوفاق الموريتاني"، بعد أن فاز بمنصب نائب بالبرلمان الفرنسي، تمرس محمد باهي على أبجديات العمل السياسي. إذ كان يرافقه في الحملات والتجمعات داخليا، وأثناء جولاته في الخارج، وخاصة إلى دكار عدة مرات. هذا التحرك النضالي أثار عليه نقمة الأوساط الاستعمارية، فقرر أن يقتفي خطى أجداده المرابطين شمالا، وهو لا ينشد استرجاع الأندلس من يد الاسبان، بل فقط الإسهام في إخراجهم من جزء احتلوه بالجنوب المغربي. ركب الصعاب واختار المجازفة بعد أن تسلل خلسة إلى باخرة صيد، متجهة إلى طرفاية، بميناء نواذيبو. فلما اكتشف أمره دخل في مساومة مع طاقم الباخرة؛ القيام بتنظيف المطبخ وغسل الأواني وصيانة المراحيض، مقابل العدول عن رميه في البحر. ومن طرفاية إلى كلميم كانت مسيرة اللقاء مع جيش التحرير بالجنوب المغربي، والفعل داخله بالبندقية حينا والقلم أحيانا أخرى. ليواصل المسير شمالا بعد ذلك، حيث كان لقاءه باسمه الجديد الذي اشتهر به؛ حصل ذلك بمدينة الرباط بعد ما اجتاز بنجاح مباراة للاشتغال بجريدة العلم، فأخطأت كاتبة كانت تشتغل بإدارة الجريدة، في رقن اسم متصدر لائحة الناجحين، وعوض أن تكتب أباه محمد حرمة، كتبت باهي محمد حرمة، فراقه الاسم الجديد وقرر الاحتفاظ به. بل إن ذلك الامتحان كان في نظر علال الفاسي مجرد مزحة من باهي لأنه كان أكبر منه بكثير، حسب شهادة محمد العربي المساري، الصحافي ووزير الإعلام في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، الذي يضيف أن باهي " حينما مثل أمام لجنة الامتحان بهر أعضائها بعمق تمكنه من اللغة وغزير معرفته بالآداب والتاريخ. ولما كان أعضاء اللجنة لا يعرفون من هو سألوه أين جمع كل تلك المعارف، فأجابهم ببساطة في الخيمة يا ساداتي". من خلال هذه البيئة الحاضنة، وهذا الوسط، وهذا الرصيد، تُفهم اختيارات محمد باهي النضالية والوحدوية. فحسب شهادات محمد بنيحي المناضل الاتحادي ورفيق درب محمد باهي، والصحافي السلامي حسني الذي كان رئيسا للقسم العربي بإذاعة فرنسا الدولية، والصحافية والكاتبة زكية داوود رئيسة تحرير مجلة لماليف، فإن هواري بومدين اقترح شخصيا على باهي سنة 1975 أن يتسلم قيادة البوليزاريو. فطلب مهلة للتفكير، وهي في الواقع مهلة للرحيل، إذ رحل في اليوم التالي إلى باريس، التي اختارها منصة لتقديم الجواب لجزائر هواري بومدين، التي لم يعد إليها حتى وفاة هذا الأخير. وكان رد باهي صاعقا وباهيا في نفس الوقت، في شكل مقال بجريدة "المحرر" يوم 13 غشت 1975، عنونه ب" لا تجعلوا لينين موظفا لدى فرانكو". كيف لا وهو المعارض لانفصال موريتانيا عن المغرب، فكيف يقبل باستقلال الساقية الحمراء وواد الذهب، وهو الذي حمل السلاح هناك ضد الاستعمار من أجل أن يكون مغربيا. جاء المقال/الجواب، دعوة للتخلص من الأوهام خاصة لدى الشباب اليساري الذي اختلطت لديهه "البؤر الثورية" ب"البئر الثرية"، وبعد أن ذكّر بالحقائق التاريخية والجيو سياسية والأنثروبولوجية والنضالية، توجه بالخطاب إلى الشباب الصحراوي الداعي للانفصال، بأنهم" لا يترددون في العودة بقوة إلى تقرير المصير والاستشهاد بمقتطفات كاملة من لينين... ولا يشعر هؤلاء الشباب الذين يدعون الماركسية أنهم بعملهم يحولون لينين إلى موظف بسيط في قصر فرانكو. ولا يعرفون أن الدولة العتيدة التي يدعون إلى إنشائها في الصحراء، سوف تكون تابعة بحكم طبيعتها وبحكم قوة الأشياء في عصر الإمبريالية، إلى دولة امبريالية". سنة بعد ذلك عمق هذا الاختيار ورسخه في مقالة نشرها يوم فاتح مارس 1976 بجريدة "23 مارس" تحت عنوان" اذهب أنت وربك فقاتلا"، كناية عن أطروحة عقلانية ترفض الزج بالشعبين المغربي والجزائري في مواجهة مباشرة بسبب احتضان الجزائر لجبهة البوليزاريو. المغرب الكبير والقضايا العربية في فكر ووجدان باهي محمد باهي الذي أرسله عبد الرحمان اليوسفي، باعتباره رئيس تحرير جريدة "التحرير" المغربية، للقيام بتغطية صحفية لعملية دخول جيش التحرير الجزائري بقيادة كل من أحمد بن بلة وهواري بومدين، من الحدود المغربية (وجدة) عبر تلمسانوالجزائر العاصمة، لم يكن فقط الصحافي الوحيد الذي تنقل عنه كل وكالات الأنباء العالمية تغطية هذه المسيرة، بل تماهى مع الحدث وعاش تفاصيله الدقيقة، فخبر عبره ليس فقط المطبخ الجزائري بل المغاربي والعربي والأممي. وبينما كان من المفروض أن يعود إلى مقر جريدة "التحرير" بمجرد وصول الجيش الجزائري إلى العاصمة الجزائرية. لم يعد إلا بعد مرور 20 سنة أي سنة 1982، عندما صدر عفو جزئي عن العديد من المناضلين. تابع باهي عن كثب مسار الثورة الجزائرية قبل استقلال الجزائر، وبعده انخرط في عملية بناء الدولة الجزائرية، بحكم علاقته القوية والمباشرة مع القيادة السياسية. إذ لعب دورا مهما في ترجمة نصوص أساسية كانت تندرج ضمن هندسة الدولة المستقلة، خاصة ميثاق الجزائر سنة 1964. كما اشتغل مع الجناح الثوري التقدمي، بزعامة كل من حسين زهوان ومحمد حربي. وأسهم مع هذا الأخير في تطوير الإعلام الجزائري، من خلال كتاباته في مجلة الثورة الإفريقية la révolution africaine ، إلى جانب إسهامه أيضا مع منور مروش في مجلة "المجاهد". فقد سكنته الجزائر إلى درجة يمكن معها القول أن ما كتبه حولها يتجاوز بكثير ما كتبه عن أي بلد آخر، وبمقاربة عميقة ورصينة تجعل من هذه الكتابات مرجعا مهما لدارسي تاريخ الجزائر المعاصر والراهن. رحل باهي إلى باريس بعد انقلاب 19 يونيو 1965، لكن قبل ذلك كان اسمه قد بدأ يتردد في الأوساط المشرقية بالقاهرة، ناقلا إليها تأييد عدد متزايد من المثقفين الفرنسيين للثورة الجزائرية، والجدل الذي كان يدور حولها في الصحافة الفرنسية يومئذ. هكذا دخل معترك الهموم والشجون المغاربية والعربية، وهو الذي تستوقفه محطة صيف سنة 1955 ورمزية 20 غشت كعناوين لمشترك نضالي مغاربي، فيتحسر مع ميشال جوبير على التفريط فيه. يقتبس من هذا الأخير في كتابه "MAGHREB à l'ombre de ses mains" روح السخرية من مستوى الانحدار الذي وصلت إليه العلاقات المغاربية، في ما أسماه جوبير بدور الخياط الباريسي. إذ يقول: "ميشال جوبير يلجأ أحيانا إلى الفكاهة لتجسيد حالة التدهور التي وصلت إليها العلاقات بين أقطار المغرب العربي ودوله، فيلاحظ أن الشكل الوحيد من أشكال الوحدة في القمة هو وحدة نوع وتفصيل البدلات التي يلبسها الحكام، ويشير إلى أن الخياط الفرنسي الشهير " فرنسيس سمالتو" Francesco Smalto هو الذي يحافظ على صلة دائمة مع قادة المغرب العربي لأنه يذهب إليهم في بيوتهم ليقدم إليهم خبرته وذوقه الرفيع في التفصيل والخياطة. ويذهب الكاتب إلى حد التعبير عن رجائه في أن يلهم الله هذا الخياط الباريسي المشهور في عالم الموضة فكرة القيام بدور الوسيط ويوصيه بالتزام الصبر". هي إذن سخرية سوداء عبّر بها مُدرك لخبايا الأمور، بل ومتنبأ للقادم، الذي يراه أشد قتامة في هذه المنطقة التي سموها بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لذلك حذر من الإصابة بما أسماه مرض" الخروج من نطاق الجاذبية الأرضية الذي كثيرا ما يدفع بعض المسؤولين إلى السقوط في جنون العظمة سقوطا مريعا يجعلهم يفكرون في مجاورة الأفلاك العليا في فراغاتها الباردة دون أن ينتبهوا إلى أنهم لا يزالون محكومين بقوانين دورة الأرض حول الشمس. إن ذلك هو ما وقع للراحل بومدين مثلا، وجعله يرتكب حماقة، خلق خرافة الشعب الصحراوي العتيد، وهو ما حصل لشاه إيران محمد رضا بهليوي حين أراد أن يعيد أمجاد إمبراطورية كسرى أنوشروان، وهو ما وقع أخيرا لصدام حسين، الذي لم يهضم سقوط الجدار ومعنى الانهيار الكبير. نعم، الانهيارات الكبرى الأخرى آتية في الطريق، ولابد أن ننزل من فوق غوارب الأمواج العاتية لنهتم بما يجري في الشواطئ والدواخل". يبدو أن دعوة باهي المستبطنة لما يمكن تسميته بالتنبؤ التاريخي، ظلت صيحة في واد، ولم يجري التقاطها، لتشتد العواصف الهوجاء في المنطقة العربية، والتي لم يكن من المفاجئ أن يكون وقعها أشد على الخاصرة الرخوة، وأعني بها قضية فلسطين. وهي القضية التي شغلت باهي منذ وقت مبكر، إذ انخرط منذ ربيع سنة 1967، في أول محاولة فكرية جادة لتقديم القضية الفلسطينية إلى الرأي العام الفرنسي. وهي المبادرة التي أشرف عليها الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر، العائد يومئذ من رحلة رفقة سيمون دي بوفوار قادتهما إلى مصر، قابلا خلالها الرئيس جمال عبد الناصر. فاستقر رأي سارتر على إصدار عدد خاص من مجلة "الأزمنة الحديثة"، التي كان يشرف عليها، لعرض وجهة نظر الطرفين العربي والصهيوني حول المسألة الفلسطينية. فكان باهي من بين أربعة مثقفين عرب ساهموا في هذا العدد الضخم من المجلة، الذي صدر صيف سنة 1967 في حوالي ألف صفحة. توالت كتابات باهي عن القضية الفلسطينية التي حملها في وجدانه، ضمن قضايا كبرى تفاعل معها بطريقته الخاصة. كما تؤكد ذلك شهادة محمد أبو ميزر، أول ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينيةبباريس، إذ يقول:" كان الباهي من أول المنتمين للثورة الفلسطينية، وبدأت المسيرة الفعلية لباهي الفلسطيني... لقد شارك الباهي في أغلب الأحداث الفلسطينية، وتواجد في أغلب المواقع الفلسطينية... في مارس 1968 حدثت معركة الكرامة، وجاء الباهي إلى المشرق، متنقلا بين قواعد الفدائيين في الأردن وسوريا ولبنان والعراق.. أقام الباهي بيننا في المعسكر أياما، تحدث فيها عن تجربة جيش التحرير المغربي، ثم الثورة الجزائرية، وانتقل إلى التجربة الكوبية التي عايشها فترة طويلة من الزمن، ثم عرج على السودان... وكان مذهلا في معرفته ومحقا في تحليلاته". محمد باهي الصحافي المؤرخ أو جون لاكوتير المغرب ولج باهي عالم مهنة المتاعب مبكرا، منذ تجربته في إذاعة داكار، وكان أول "حدث نضالي وصحافي، قام به يعود إلى سنة 1954، عندما كان مذيعا في إذاعة داكار، فأمسك الميكرفون وندد بما كان يحصل بالمغرب" كما يذكر صديقه حميد برادة. وبعد تجربته في جريدة العلم، التي لاح معها اسمه الجديد، آن لنفس الاسم أن يظهر يوم 2 أبريل سنة 1959 ضمن الطاقم المؤسس لتجربة جريدة "التحرير" لسان حال حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وهي الجريدة التي حمل بطاقتها مُواكبا تجارب تحررية في مختلف بقاع العالم، من المشرق العربي إلى أميركا اللاتينية، مرورا بإفريقيا وخاصة منها الجزائر. نحو هذه الأخيرة كانت خطوته الأولى في رحلة الألف ميل مع نوع فريد من الكتابة، لمراسل صحفي ألمعي، مثقف ومناضل. إذ اختاره رئيس التحرير، عبد الرحمان اليوسفي، في منتصف سنة 1962 لتغطية انتقال وحدات جيش التحرير الجزائري من مدينة وجدة، مرورا بتلمسان ووصولا إلى الجزائر العاصمة، فكان الصحافي الوحيد الذي كانت تنقل عنه كل وكالات الأنباء العالمية مواكبة هذه المسيرة. انخرط باهي بعد ذلك في مهمة صحافية/نضالية من نوع خاص، رامت النهوض بالإعلام الجزائري والإسهام في تطويره، من خلال تجربته في مجلتي "المجاهد" والثورة الإفريقية، المشار إليهما سابقا. إثر انقلاب 19 يونيو 1965 الذي أطاح بأحمد بنبلة، غادر باهي الجزائر متوجها إلى باريس، التي هام بها وهامت به في رحلة عشق استمرت ما بقيت الروح في جسده. ومنها امتد إشعاعه مراسلا صحافيا للعديد من المنابر الإعلامية، ومثقفا مرجعيا للعديد ممن قصدوا عاصمة الأنوار، وتبقى رسالة باريس عنوانا لهذه التجربة وأيقونتها. لأنه، كما قال صديقه منيف:" أصبحت رسالة باريس حين تنشر، حدثا، وينتظرها الكثيرون بلهفة، لأنها تقول لهم أشياء كثيرة وهامة، بما فيها: أين هو الباهي الآن، وفي أي مزاج هو". فتح الباهي، انطلاقا من تجربته الصحافية والفكرية بباريس، أفاقا أرحب شرقا وغربا، يكفي أن نستحضر شهادة الروائية السورية حميدة نعنع صاحبة "رواية الوطن في العنين" في هذا الشأن :" تعرفت على باهي، لأول مرة، في العاصمة السورية دمشق. كانت آنذاك حركة 23 شباط (فبراير) 1966(...) في سنة 1974، كان اللقاء الثاني بالمرحوم محمد باهي. ساعتها التحقت للدراسة بالسوربون واشتغلت باليونسكو. كتبت في جريدة "لاتريبي" لمشال روكار، بفضل باهي، وعشنا أجواء سياسية هامة: ما عرفته قمة بغداد سنة 1978 من توتر، وهي القمة التي طرد منها الرئيس المصري أنور السادات، حيث كان الباهي وقتها صحافيا في العراق، في وكالة الأنباء العراقية(...) كان الباهي مُعيًنا بصفته مديرا لوكالة الأنباء العراقيةبباريس برتبة وزير. كان يحمل الجنسية العراقية، لكن هذا لم يغير شيئا من صحراويته. الأهم من هذا كله، هو أن باهي أعطى الشيء الكثير، وكان يتمتع بموهبة خارقة (...) كان أمين معلوف يقول لي أنت يا حميدة مع الباهي لست في حاجة إلى الأرشيف، وهو كان مستعدا لذلك، وأنا شخصيا أعتبره معلما لي في ميدان الصحافة". غير أن عمله مع العراقيين كاد أن ينتهي إلى ما لا تحمد عقباه "فقد حدث أن عبر عن انتقادات للنظام العراقي، في إحدى الجلسات الخاصة بباريس، حيث كان مديرا لمكتب وكالة الأنباء العراقية. وصلت وشاية بكلام باهي إلى بغداد، فتلقى اتصالا يدعوه لزيارة العراق. لحسن الحظ أن صديقه القديم طارق عزيز، وزير الإعلام العراقي آنئذ، نبهه قبل أن يشد الرحال إلى بغداد أن وشاية سبقته إلى هناك، ويحتمل أن يتعرض بسببها لمكروه (...) وقد غادر باهي وكالة الأنباء العراقية بعد ذلك". لمحمد باهي شغف خاص بالتاريخ، وتمثل نوعي للمهام الملقاة على عاتق كل من رام البحث في هذا الحقل المعرفي عن عناصر إجابة لأسئلة واقعه العالقة، وهو القائل:" من واجب الصحفي، وهو المؤرخ اليومي بامتياز، أن يعكس الانشغالات والهموم الخاصة بمجتمعه". وكأني به تشرب جيدا ما نبه إليه مارك بلوك منذ وقت مبكر، متحدثا عن مهنة المؤرخ. واستنبطن جيدا روح مقال جون لاكوتير حول التاريخ الآني، وهو يتحدث في مقال له بعنوان مثير " جاك اليوسفي وعبد الرحمان ديلور المغربي"، عن وجود " مقارنات تملي نفسها على الصحفي بما هو مؤرخ لليومي، إملاء مشحونا باليقين الصاعق، تجعل الاقتراب من الظاهرة التاريخية أو الحدث السياسي، عن طريق تلك المقايسة لا غيرها من الموازنات المنطقية أو سبل الفهم العقلانية الأخرى، بديهة ساطعة، محسوسة تندرج ضمن المعطيات الفورية للوعي بالأشياء". بل لعله ينسج أيضا على منوال لاكوتير ليس فقط في تأريخه لحرب الجزائر، وهو الذي خصها بكاتبات غزيرة وثرية كشاهد وفاعل عن قرب في مجرياتها، وكمحلل مدرك لخباياها وأسرارها بعد لقاءاته المتنوعة مع أبرز رموزها وقادتها، بل في مجموع كتاباته حول تاريخ المغارب الراهن وما عرفه من أحداث، وكذا تاريخ فرنسا الآني، ليس في علاقته بالقضايا الإفريقية والعربية، خاصة منها القضية الفلسطينية فحسب، بل في النبش في أسرار سياسة فرنسا الداخلية وخبايا ارتباطاتها الخارجية. ناهيك عما خصصه لأوروبا وباقي دول العالم. وحين توقف باهي عند التحولات التي شهدتها بعض الأقطار الإفريقية نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي، كان بالفعل مؤرخا فوريا لما حصل. أما بعد غزو العراق للكويت واندلاع ما عرف بحرب الخليج فقد راح باهي، في رسالته الأسبوعية من باريس، يرصد، على حلقات، البنية العميقة الشارحة للظرفية الطارئة في تعقيدات الصراع بمنطقة الخليج العربي. ولع باهي بالتاريخ حد الوله يعكسه إدراكه الخاص لهذا الحقل المعرفي ولعلميته، ونهمه لقراءة كل ما استجد من انتاجاته الجادة، خاصة إن كانت تهم الشأن المغربي. فهو القائل: "ما كل مألوف معروف بالضرورة وليس التاريخ وجبة شهية مثل بسطيلة مراكشية نستطيع أن ننتجها لغرض الاستمتاع والإشباع. التاريخ حقل، وحقل خصب، تظل أرضه قابلة للاكتشاف والحرث والبذر والحصاد. ما نعرفه منه، وما نعرفه عنه، بل ما نعرفه بواسطة التاريخ عن شؤوننا الماضية يبقى مثل آفاق الصحراء الفسيحة، الهاربة باستمرار أمام المسافر. وتاريخ المغرب الحديث ما يزال منطويا على الكثير من الأسرار الملغومة ينتظر باحثين، يحرثون ويزرعون – نعم يحرثون ويزرعون- طبقاته المتراكمة، يقلبونها، يجعلون عاليها سافلها، يُعرضون أحشائها للشمس والريح ويوفرون المناخ أمامه ليزهر ثم ليثمر". لذلك فهو لم ينشغل فقط بالإصدارات غير الأكاديمية التي تهم التاريخ القريب مثل أعمال جون لاكوتير حول "شارل ديغول"، أو كتاب ميشال جوبير السالف الذكر حول المغارب، ولا هو اكتفى بتقديم قراءات في كتب ومسارات ثقافية عكست نزوعه الموسوعي. بل نجده يُقبل على أطاريح جامعية قوية، يتحين فرصة نشرها ليكون من السباقين لقراءتها. كما حصل، على سبيل المثال، مع كتاب ضخم من ثلاثة أجزاء، في حوالي تسعمائة صفحة، التهمه في شهر واحد، قبل أن يقدمه لقراء رسالته الأسبوعية من باريس بتاريخ 13 يوليوز 1988، يتعلق الأمر بالعمل الرصين للباحث والمؤرخ الفرنسي دانييل ريفي المعنون ب" ليوطي ومؤسسة الحماية الفرنسية بالمغرب، 1912-1925′′. قبل أن يخصص لعمل محمد القبلي، المسوم ب" مجتمع، سلطة ودين بالمغرب في نهاية العصر الوسيط"، قراءة عميقة ودقيقة، وكأني به مؤرخ وسيطي، نشرها على حلقتين ضمن رسالة باريس بتاريخ 10 و17 غشت 1988. باريس صحراء باهي قد يكون باهي، وهو يروي "حكاية الشيخ السوسي الذي عاصر الحسن الأول وزار باريس صيف 1993 مطالبا بلقاء ميتران"، ضمن رسالة باريس بتاريخ 8 غشت 1993، لا يقدم لقرائه مسار وذاكرة الشيخ بودرقة مولاي أحمد فقط، بل يتماهى مع هذه التجربة ويجد ذاته فيها. كيف لا وهو القادم بدوره من الجنوب نحو عاصمة الأنوار، مشبعا بتراث وذاكرة وتاريخ سوس والصحراء. ذلك أن باهي الذي كان يعيش في "قبيلة فرانصة"، كان يحمل في جيناته ثقافة البدو ونمط عيش القبيلة بالصحراء. أو بلغة عبد الرحمان منيف:" الباهي الذي قضى في الحواضر أضعاف المدة التي قضاها في البادية، وقضى في عاصمة العالم، باريس، أضعاف الوقت الذي قضاه في أي مكان آخر، كان يحمل معه، أينما ذهب وفي أي مكان استقر "باديته". كان يحملها كهوية، كتميمة، كشيء لا يمكن أن يفارقه أو يفترق عنه (...) اكتسب الباهي من الصحراء صفات تتجاوز المظاهر، ويمكن القول، دونما خطأ، انه اكتسب روح الصحراء وجوهرها. الأمر الذي جعله بنظر البعض فوضويا، أو عدميا، وبنظر آخرين: إنسانا غير قابل للتحضر". لكن "الباهي الذي حمل صحراءه إلى كل الأماكن التي وصل إليها، وظلت تلازمه فيها، وقع دون أن يدري، ودون تخطيط، في هوى مكان جديد، وقع في هوى باريس(...) في أحد الشوارع المتفرعة عن ميدان السان ميشيل، غير بعيد عن شارع راسين، كان "مكتب المغرب العربي". وفي هذا الشارع، وفي هذا المكتب ستبدأ فاتحة التحولات الكبرى، إذ سيقع باهي في هوى هذه المدينة، وسوف يعصف به ذلك الهوى حتى درجة الإدمان". هذا الإدمان هو الذي قاده إلى الحفر في تاريخ باريس، فيما يشبه وفاء العاشق لمحبوبته، التي يريد أن يخلد ذكراها على طريقته، بما يليق بها من عناية وعمق ورصانة ومغامرة أيضا. "هكذا حين أراد أن يكتب عن باريس، الوجه الآخر، أواسط الثمانينات، جمع لهذه الرحلة عشرات بل ربما المئات من الكتب عن باريس، كما اتصل بعدد كبير من المتخصصين ليستكمل المعلومات حول مجرى السين ونوعية التربة وكيف ابتدأت المدينة، ثم كيف اتسعت، إلى تحديد مداخل أنفاق باريس من أجل الوصول إلى أعماقها، ثم المغامرة والنزول إلى هذه الأعماق فعلا، وتلك الساعات الكثيفة، المخيفة، والحافلة أيضا، التي قضاها في الأعماق البعيدة. كل ذلك في محاولة لمعرفة أدق لتاريخ المدينة ومعمارها ومياهها ونوعية النباتات الأكثر ملائمة لتربتها". هي باريس التي بحث في شجرة أنسابها فوجدها تنتسب إلى الماء، لذلك أعلن أنه في الأصل كان الطوفان. ومنه انطلق ليتتبع الانقلابات الجيولوجية التي رسمت معالم الطبوغرافية الباريسية، متوقفا بشكل خاص، في موضوع الماء، عند علاقة رآها مفعمة بالحميمية والغرام بين باريس ونهر السين. وهو القائل بأن "تبادل العشق بين النهر والمكان هو السيرة الأزلية بين الأقنومين. ولذلك ف"السين" لا يدخل "باريس" دخول المنتصر، ولا يعبرها عبور الظافر المزهو.. وإنما يطرق أبوابها كأي عاشق يقبل على حبيبة يدرك عواطفها الجياشة نحوه، ويدرك أنها ستبادر إلى استقباله في مخدعها". كان باهي من سلالة الحكائين المشائين، ف"رغم وجود بطاقة الميترو الشهرية في جيبه، كان يؤثر المشي. كان أحد كبار المشائين في باريس، فقد تعود أن يتنقل من مكان إلى آخر، رغم بعد المسافة، على قدميه (...) هذه الطريقة في الانتقال، جعلته أكثر دراية بتفاصيل المدينة، وأكثر معرفة بأسرارها". إذ يقول، هو نفسه، عن صحرائه الجديدةباريس:" عندما وطئت قدماي باريس، أول مرة، قلت: هذه صحراء جديدة، مطيتها الحكاية، ولن يقدر على اجتياز مفازاتها إلا الحكاؤون المشاؤون.. صحراء باريس، مثل كل الصحاري، لا تغييب عنها الحكاية، ولو غابت عنها كل الكائنات!! (...) أحببت باريس كما أحببت الصحراء الأولى.. فهي لم تضع قيودا في معصمي، أو قدمي، وتركتني، حرا، طليقا، كما عشت في الصحراء، أخترق كل الفضاءات دون أن أفتح بابا، وأركب الماء دون حاجتي إلى فلك أو شراع (...) في باريس لن تمل من المشي، لأن المشي في باريس كشف واكتشاف، وعليك أن تتسلح بأخلاق أهل الصحراء، أي أن تطوع باريس بما اختزنته ذاكرتك الصحراوية من علوم وتجارب وحقائق.. ومغامرة. وعوض أن تطوعك المدينة ستطوعها أنت، وستأتي إليك منقادة دون أن تمرغ أنفك أو أنفها في التراب". روض باهي باريس ودانت له، وهو الذي فك شفرات مقاهيها، وسبر أغوار ما تختزنه ذاكراتها ، إذ "لا أظن أن أحدا من العرب الذين أقاموا في باريس يعرف مقاهي تلك المدينة كما يعرفها الباهي. وفي إطار استكمال دراساته حول باريس كان يعرف أي المقاهي تعود هيمنغواي على ارتيادها، وفي أي المقاهي 'يقيم' سارتر (...) وإذا افترضت أن أحد المقاهي في ميدان فيكتور هيجو، كان يرتادها الكاتب الكبير، فلابد أن يقودك الباهي إلى مكان في أقصى المدينة، من الجهة الأخرى، كي يدلك على مقهى ذلك الكاتب!. لباريس في وجدان باهي أكثر من حكاية، إذ التصقت في ذاكرته أيضا بأحداث 1968، التي كانت يسترجعها باستمرار، "وكان يطيل وقفاته عند قادة تلك الأحداث، كيف كانوا عشية 'الثورة'، كيف تكلموا، ماذا قالوا، أي شعارات رفعوا، ثم أين أصبحوا بعد عشرين عاما من تلك الأحداث! كان يطيل الوقوف عند أولئك القادة، وهو يردد: 'إذا كان هذا حال القادة في بلد متقدم كفرنسا، فما هو حال قادة الثورات في بلدان العالم الثالث". على سبيل الختم كان الباهي، حسب صديقه عبد الرحمان منيف، "على يقين صوفي أن لديه من الوقت ما يكفي لإنجاز الكثير من المشاريع 'الجاهزة' في البال، وأخرى قد تأتي، لذلك لم يكن في عجلة من أمره". بيد أن هذا اليقين الصوفي ربما احتاج إلى كوجيتو ديكارتي، إذ داهمه الموت بعد لحظة شرود قبل إنجاز أحد هذه المشاريع، يكثف صديقه مبارك بودرقة دلالتها في جواب لباهي عن سؤاله فيم هو شارد، بمطار أورلي بباريس نهاية شهر أبريل سنة 1996، وهو يستعد للذهاب إلى المغرب في إطار القيام بمهمة محددة، على أمل أن يعود لباريس بمجرد الانتهاء منها. إذ يكشف بودرقة سر الشرود على لسان باهي قائلا:" عادت بي الذاكرة، بدون استئذان، إلى رحلتين سابقتين، أثرتا على مجرى حياتي، وهذه رحلة ثالثة سيكون لها ما بعدها. الرحلة الأولى عندما غادرت مسقط رأسي بموريتانيا إلى السنيغال، ومنه إلى المغرب الذي اخترته كوطن، ولم أعد منذ تلك المغادرة إلى مسقط رأسي. أما الرحلة الثانية، فابتدأت عندما كلفني الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، بصفته رئيس تحرير جريدة 'التحرير" صيف 1962، بتغطية عبور جيش التحرير الجزائري من وجدةوتلمسان إلى العاصمة الجزائرية، ولم أعد إلى المغرب إلا بعد مضي عشرين سنة أي سنة 1982. ويبدو أن هذه الرحلة ستكون طويلة أيضا". هذه المرة لم يخنه حدسه، فرحلته لم تكن طويلة فحسب بل أزلية، بعد أن كشف في تقريره الذي رفعه إلى عبد الرحمان اليوسفي، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ومدير جريدة الاتحاد بتاريخ 29 مارس 1996، أي شهرا فقبل دخوله إلى المغرب، عن المهمة التي سيعود من أجلها، متمنيا أن يساعد "هذا التقرير في وضع اللبنات الأولى في صرح 'الثورة الهادئة' التي تريدون تحقيقها في الحزب والمجتمع". لكن هل قُدر لهذه الثورة المأمولة أن تأكل ليس فقط أحد أبنائها بل مهندسها حتى قبل أن تبدأ؟ أم أن تعيين اليوسفي الكاتب الأول ورئيس تحرير الجريدة للباهي مستشارا إعلاميا له في خضم الصراعات الحزبية التي كانت تخترق الجريدة جعل المهمة أعقد مما حلم به صاحب التقرير؟ لتتوقف نابضات قلبه يوم 4 يونيو 1996، تحت ثقل الضغوط، بينما كان يستعد للعودة لاستنشاق هواء باريس، عله يمده بالأوكسجين المنقذ. وهي الوفاة التي خلفت رجة عميقة في الأوساط الحزبية والثقافية والإعلامية المغربية، جعلت محمد عابد الجابري يتحول إلى إيميل زولا ويصرخ متهما، واليوسفي يكلف لجنة للتحقيق في أثر الضغوط التي تعرض لها على وضعه الصحي. ظلت رسالة الجابري نداء ضمير يسجله التاريخ، ولم تظهر لجنة اليوسفي معطيات واضحة بشأن الموضوع، وحدها "رسالة باريس"، التي حرص صديقه مبارك بودرقة على جمعها في كتاب، وإصداره في خماسية، تصارع من أجل أن لا يشطب اسم الباهي سريعا من ذاكرة المغاربة، ولكي يستمر الحلم وإن رحل الحالم. *أستاذ التاريخ الراهن كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء.