توزّعت أشغال اليوم الثاني من المناظرة الوطنية الثانية للصحة، التي تحتضنها مراكش، والتي افتتحت بالندوة الثالثة التي ترأسها الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة، نجيب بوليف، على عدّة محاور، همّت السلامة الصحية، وتمويل المنظومة الضحيّة، وطرق تدبير مشكل النقص الحادّ في مهنيي الصحة، والإنصاف والحق في الصحّة، وحكامة المنظومة الصحيّة. بوليف، قال في كلمة مقتضبة ألقاها في افتتاح الندوة الثالثة التي حاضَر فيها المدير السابق للسياسة الصحية بالمنظمة العالمية للصحة، فان ليبيرغ، إنّ المناظرة "التي عرفت نجاحا باهرا في يومها الأول، ستكون بمثابة تحوّل حقيقي في مسار إصلاح القطاع الصحّي، وانعطافة حقيقية من خلال المحاور الأساسية التي ستتناولها المتدخّلون، للتفكير في القطاع الصحي". وأضاف الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة، أنّ اختيار موضوع "حكامة المنظومة الصحية"، الذي كان محور الندوة الثالثة، كان اختيارا موفّقا، باعتبار أن الدستور الجديد وما تبعه من تنزيل لمقتضياته، والقوانين المنظّمة، المطبقة لجزء من الدستور، كلها تشير إلى الاهتمام بالمجال الحكامي، وإعطائه المكانة اللائقة في السياسات العمومية"، معتبرا "أن قطاع الصحة الذي يعتبر من القطاعات المركزية التي تتطلب حكامة جيدة، أولا لاعتبار الطريقة التشاركية وسبل الانتقائية للسياسيات العمومية، وهو الاختيار الذي نتمنى أن يفرز نتائج تجعلنا نصل إلى الأهدف المنشودة من هذه المناظرة". وتطرّق المتدخّلون خلال ندوة "المغرب في مواجهة النقص الحادّ في مهنيي الصحّة"، وهو الموضوع الذي ألحّ وزير الصحة الحسين الوردي، خلال الندوة الصحافية التي عقدها يوم أمس على أهميّته القصوى، معتبرا أنّ الإقلاع بالقطاع الصحيّ لا يمكن أن يتحقق إذا لم يتمّ تأهيل الموارد البشرية أولا، وتوفير ظروف عمل مناسبة لها، (تطرقوا) إلى جُملة من المشاكل التي يعاني منها القطاع الصحيّ، خاصّة في جانبه المتعلق بالنقص الحادّ في الموارد البشرية الذي يعاني منه القطاع. في هذا الصدد قال عبد المالك الهناوي، الكاتب العام للنقابة المستقلة لأطباء القطاع الخاصّ، في كلمته إنّ النقص الحادّ في الموارد البشرية العاملة في القطاع الصحّي، يتطلب حلاّ مستعجلا، يعتمد مقاربة للتدبير العقلاني للموارد البشرية، وليس مقاربة الرفع من العدد فقط، عبر استراتيجية بعيدة المدى، نظرا لصعوبة تدبير النقص الحاصل في الوقت الراهن، إذ يعاني القطاع من خصاص في الأطباء يصل إلى 7000 طبيب حاليا، وما يفاقم من الوضعية، حسب المتحدث، هو هجرة الأطباء إلى الخارج، إذ يوجد ما بين 7000 و 8000 آلاف طبيب مهاجر خارج المغرب. أبرز الأهداف العامة للمقترحات، التي تقدمّت بها النقابة المستقلة لأطباء القطاع الخاص لوزير الصحة، الذي كان حاضرا في الندوة، تتمثل في تحسين جودة الخدمات الصحية عبر التواجد الدائم للأطباء بشكل كافي ومستمر، خصوصا في المناطق النائية، والرفع من كفاءة الأطباء مع تحسين ظروف عملهم. من جهته قال محمد الوردي، الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل، إنّ الخدمات التي يقدمها القطاع الصحّي بعيدة كل البعد عن الاستجابة لمتطلبات المواطنين المغاربة، الذين من حقهم الاستفادة من الرعاية الصحيّة التي نصّ عليها الفصل الواحد والثلاثون من الدستور، مُرجعا سبب المشاكل التي يتخبط فيها القطاع الصحي إلى ضعف الامكانيات المادية المرصودة للقطاع، وسوء تدبير الموارد البشرية. علاقة بالموارد البشرية العاملة في القطاع، قال الكاتب العامّ للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، عبد القادر طرفاي، إنّ قانون الوظيفة العمومية يحثّ على الكسل لأنّ منظومة الأجور تجعل من الطبيب المصنّف في السلم 11، موظفا لديه أجر محدّد، وهو ما يعني أنه موظف سيتوصّل بنفس الراتب سواء عمل أم لم يعمل، "الطبيب الجراح، يقول طرفاي، سواء أجرى عملية واحدة أو خمسين عملية في الشهر، والممرض سواء تكلف بمريض واحد أو بجماعة، يتلقى نفس الراتب، وهذه المنظومة لا تحفّز العاملين في القطاع الصحي على العطاء". وأضاف أنه بدَل الحديث عن الوظيفة يجب الحديث عن المهمّة، حيث يجب أن تكون التعويضات حسب المهمة وليس حسب السّلم، "لأنّ هذا لا يشجع الأطباء والممرضين على العطاء"، وأضاف أنّ التعويض عن المهمّة سيشجع أيضا الأطباء في حال إقراره، على العمل في المناطق النائية، لأنّ التعويض سيأخذ بعين الاعتبار مكان العمل، حيث سيرتفع كلما كانت مناطق العمل نائية. عدي بوعرفة، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل قال في كلمته إنّه آن الأوان للبحث عن حلول لإخراج المنظومة الصحية من النفق المظلم الذي تعيش فيه، حتى ترقى إلى مستوى طموحات ومتطلبات المواطنين، خصوصا في ظل الدستور الجديد، الذي يقرّ باعتبار الرعاية الصحية حقا من حقوق المواطنين، وذلك بإشراك جميع الفاعلين في القطاع، والابتعاد عن الاستراتيجيات المُعدّة سلفا. وتطرق بوعرفة، الذي ثمّن تنظيم المبادرة الوطنيّة للصحة، في كلمته إلى الظروف التي يشتغل فيها العاملون بالقطاع الصحي قائلا إنهم يشتغلون في ظروف غير ملائمة، تتميز بعدد من المشاكل والإشكاليات، سواء على مستوى الممارسة، أو القوانين المنظمة لمزاولة مهنة الطب. وأضاف أن القطاع يعرف خصاصا مهولا في الموارد البشرية، مبديا تخوّفه من تفاقم الخصاص مع استفادة سبعة آلاف من شغيلة القطاع الصحّي من التقاعد خلال السنوات القليلة القادمة، "وهو ما يحتّم علينا الانكباب على الموضوع، لأن الخصاص أدى إلى عودة مجموعة من الأمراض التي انقرضت منذ زمن، ومنها الليشمانيوز بكل من مدينتي الرشيدية وورزازات، وداء والجذام بمدينة ميسور، إضافة إلى تسجيل 27 ألف حالة سنوية لداء السلّ"، يقول الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل.