الجهاد في سورية ضد نظام بشار الأسد فريضة شرعية وضرورة إنسانية لا جدال فيها. فقد تأكد القاصي والداني - مسلمين وغير مسلمين - من أن النظام السوري عازم على إحراق البلد، الأخضر واليابس، وهدم المدن والقرى على رؤوس أهلها، وعدم التفريق بين مسلح مقاتل وصبي رضيع، بين معسكر للتدريب وجامع للصلاة. بين أفراد الجيش الحر وعجائز وشيوخ لا يستطيعون سبيلا... الكل مستهدف على قاعدة: الأسد أو لا أحد، وسياسة الأرض المحروقة، وعلي وعلى أعدائي... أنا أو الطوفان. وقد فعل وحقق عزمه. وبما أن المهمة مهمة وجود أو عدم وجود، ومهمة حياة أو موت... وبما أن الشعب السوري أصبح لا خيار أمامه إلا الدفاع عن كرامته وعرضه وحريته... وبما أن انشقاق عشرات الآلاف من الجنود والضباط بأسلحتهم وعتادهم نصرة للشعب الذي يُذَبّح قد تمّ ولا يزال يتواصل... وبما أن الخطر على النظام عظيم وحقيقي... وبما أن النظام بالنسبة لإيران والعراق وحزب اللات في جنوب لبنان أيضا قضية حياة أو موت... كان لا بد من دخول هؤلاء الصفويين والروافض على الخط جنبا إلى جنب مع النصيرة والباطنية والبعثية المجرمة. وهذه هي القضية. بالإضافة إلى هذا فإن التلويح بورقة الممانعة والمقاومة والوقوف في وجه "إسرائيل"... كل ذلك أصبح في خبر كان كما يقال. وعلى كل مجترّ لهذه الدعاوى أن يستحيي من نفسه قبل أن يلوح بهذه الورقة. نظام لم يطلق رصاصة واحدة على "إسرائيل" طيلة أربعين عاما مع احتلال هضبة الجولان لا يمكن أن يكون ممانعا ولا مقاوما ولا حتى محررا لأرضه، إلا بالشعارات الاستهلاكية التي لم تعد تنطلي على أحد. إذن نحن أمام عدو حقيقي في الشام. عدو صفوي نصيري بعثي باطني يستأصل شأفة أهل السنة في حرب طائفية لا تبقي ولا تذر... وأنا إذ أستعمل مصطلح الطائفية أستعمله باعتبار عنوان الحال. أما الواقع فهو أن أهل السنة ليسوا طائفة كما يقال بل هم الأمة الذين يناهز عددهم حوالي مليار ونصف المليار نسمة ولا يمثل الشيعة في العالم كله أكثر من سكان باكستان لوحدها. الشيعة هم الطائفة وليس أهل السنة. هل الجهاد في سورية فريضة شرعية وضرورة إنسانية؟ نعم. ولكن... كل فريضة من فرائض الشرع لها ضوابطها وفقهها وشروطها. ولها أدلتها المستخلصة من مَظَانّها... ولها عدة صور من حيث التنزيل والتطبيق والممارسة. والجهاد في سبيل الله فريضة كبرى وواجب من واجبات الإسلام العظمى. وإذ هو كذلك لا بد من دراسته من كل الجوانب واستحضار كل الحيثيات والملابسات والشروط والإكراهات وما إلى ذلك قبل الإقدام عليه. وهذا ما فعلناه بالضبط في مؤتمر علماء الأمة في مصر مؤخرا. وللأسف فإن كل ما تستحضره جماهير المسلمين من توصيات هذا المؤتمر هو النفير العام. وهو الجهاد في سورية بالنفس والمال والسلاح تحقيقا لمبدإ النصرة، لقوله تعالى {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر} [الأنفال: 72] كل هذه المعاني والأحكام قد تمت دراستها بإحكام. فريضة مثل الجهاد لا يمكن التلبس بها انطلاقا من حماسة فوّارة أو من اندفاع غير محسوب. إن الفهم الساذج والمبسط لمسألة النفير العام هو دفع الناس شبّانا وشيبا بقَضِّهم وقَضِيضهم إلى ساحة القتال في سورية كيفما اتفق. أي افتراض وصول مئات الملايين إلى هناك في صورة تسونامي بشري يأتي من كل حدب وصوب، ومن كل فج عميق وغير عميق. فهل هذا ممكن؟ وهل هذا هو المطلوب أصلا؟ لا شك أن الجواب سيكون: لا. وبناء عليه فمفهوم النفير العام ليس على إطلاقه. تعالوا بنا نطرح الموضوع بشيء من المعقول. فنقول: مَن المستهدف الأول والمباشر في هذه الحرب القذرة؟ الجواب هو: أهل سورية وأهل العراق وأهل لبنان بالإضافة إلى سنّة إيران المضطهدين منذ نشأة دولة الخميني، دولة ولاية الفقيه. هذا يعني أن الجهاد في حق هؤلاء فريضة عينية بالنفس والنفيس، والغالي والرخيص، وبكل ما يملكون. لأن كل الدوافع والدواعي للقتال حاضرة وظاهرة في حقهم. قال الله تعالى {أذن للذين يقاتَلون بأنهم ظُلِموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله} [الحج: 39 / 40] ومعلوم أن الشباب والشيب في هذه المناطق بالملايين. وهؤلاء هم أول من يجب أن يتمثلوا مفهوم النفير العام. وأول من يُؤمرون بقوله تعالى: [التوبة: 41]{انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} هذا أولا. المستهدف الثاني دول الخليج. وما يجري الآن في سورية أشبه ما يكون بما جرى في حروب العراق وإيران أو حرب الخليج الأولى التي استمرت طيلة ثماني سنوات ابتداء من 1980 إلى غاية 1988 وقُتل فيها حوالي مليون شخص وأُنفق فيها ما يقرب من 400 مليار دولار وذلك في عهد صدام حسين رحمه الله الذي قاتل الإيرانيين بالأصالة عن سنّة العراق وبالوكالة عن دول الخليج التي زودت "مكينة" الحرب يومها وأمدتها بكل شيء... من هنا فإن النفير العام ر يُلحِق هذه الدول الخليجية بساحة القتال في سورية ولا بد. وهنا يجب أن نكون واقعيين أيضا. إيران والعراق والنظام السوري ومليشيات حزب اللات يقاتلون بالجيوش النظامية وبالأموال العامة والخاصة وبكل ما يملكون. فهل يعقل أن نقاوم هؤلاء بشباب الخليج المدنيين وإعلان النفير العام في صفوفهم في الوقت الذي توجد فيه جيوش جرارة وأركان حربية وجحافل قتالية بأحدث الأسلحة المتطورة التي راكمتها السعودية والإمارات وقطر والكويت... قابعة في الثكنات لا تتحرك؟ أنا أقول قبل أن يطلب من الشباب المتحمس في هذه الدول الخليجية المستهدفة الذهاب إلى سورية يجب أن تنصَبَّ الدعوة بكل الحوافز الشرعية والخلقية على إرسال الجيوش النظامية أولا إلى ساحات القتال. وهذه مهمة الحكومات هناك وواجب أهل الحل والعقد ومجالس الشورى إلخ... وليس تهييج المتحمسين من الإسلاميين بعد دغدغة مشاعرهم بصور الدمار والقتل والاغتصاب في المدن السورية وبتهييجهم ضد الأطراف الشيعية المتدخلة في الشأن السوري بعساكيرها... الجيوش النظامية أولا ثم بعد ذلك تجنيد الشباب والرجال في معسكرات حكومية وتدريبهم على الأسلحة النوعية في أرض الوطن قبل الالتحاق إلى ساحة المعركة... هذا عن الإعداد البشري، أما الجهاد بالمال فلا يختلف اثنان في أن دول الخليج من أغنى بلاد الدنيا ولهم من الأموال ما تنوء به الجبال وليس الجمال. هكذا يجب أن يكون النفير العام. هناك جيوش وهناك أسلحة وهناك أموال... بالإضافة إلى حالة الاستهداف المباشرة. لو تمكنت إيران من سورية بحماية الصين وروسيا كما تمكنت من العراق من قبل، فإن المرحلة القادمة هي مكة والمدينة – لا قدر الله - إن الحرب حرب أمة كما تقرر في مؤتمر القاهرة. وإذ هي كذلك فلا يجوز بحال من الأحوال الاستهانة بالدول الإسلامية الشرقية تركيا وباكستان وماليزيا وإيندونيسيا وغيرها من تاجاكستان وأذربدجان ومسلمي الصين والهند والفيليبين وغيرهم... صحيح هؤلاء أقل درجة في الاستهداف... لكنهم معنيون أيضا. السؤال الآن هو: أين الشباب المغاربي وعلى الأخص المغربي من هذه الأولويات؟ هل يعقل أن يتحمس المتحمسون من أبنائنا - نحن المغاربة – على الخصوص ويذهبون إلى سورية للقتال تحت العنوان الكبير [النفير العام] متجاوزا شعب مصر والسودان وهم هناك بعشرات الملايين مع قربهم من خط النار ومن دائرة الاستهداف؟ هل يعقل أن يذهب أبناؤنا من غير أي خبرة تذكر، ومن غير أي أهلية ولا مهارة قتالية ولا أي سلاح نوعي... متجاوزا الجيوش المصرية والأردنية؟ هل يعقل أن نلقي بأبنائنا في المحرقة بحجة النفير العام ليقتلوا ببرودة دم من قبل جيوش أعدت للقتال ابتداء ومسلحة بأحدث الأسلحة؟ هل أبناؤنا رخيصو الدماء إلى هذا الحد؟ إن الجهاد في سورية الآن جهاد أمة كما اتفقت على ذلك حكومات الخليج ودول الجوار بل وأصدقاء سورية أيضا الذين اجتمعوا مؤخرا في الدوحة وقرروا نصرة الشعب السوري والمعارضة بالسلاح والمال... وذلك بمشاركة الولاياتالمتحدةالأمريكية... دعونا إذن نرى تفعيل هذا النفير العام داخل المعنيين بالأمر بالدرجة الأولى في العراق والشام... وبالدرجة الثانية في دول الخليج وتركيا وباكستان، وبالدرجة الثالثة في دول شرق آسيا الإسلامية بالإضافة إلى مصر والسودان... ولن يكون أبناء المغرب إلا في الدرجة الأخيرة يقينا بحكم الجغرافية وبعد المسافة والحاجة إليهم... لهذه الأسباب مجتمعة أرى أن الشعب المغربي برمته وإن كان معنيا بالقضية السورية خلقيا وعاطفيا وأدبيا ودبلوماسيا ومعنويا... فهو آخر من يكون معنيا عسكريا وماليا وتجنيدا... لأنه آخر بلاد الإسلام استهدافا وأبعد بلاد الإسلام مسافة. هذا والكفاية حاصلة هناك وزيادة... للسوريين حق علينا في النصرة الإعلامية والدعوية ومقاطعة هذه الأنظمة المعادية: إيران والعراق وسورية وطرد سفرائها وما إلى ذلك... لكن آخر شيء يجب أن نفكر فيه هو أن يذهب شبابنا إلى سورية للقتال. وأقرب ما يكون إلى الحقيقة أنهم سيذهبون - لو ذهبوا - إلى القتل وليس إلى القتال. عندما تلتحق جيوش السعودية والإمارات وقطر والكويت وتركيا بساحات النزال، وعندما تفتح خزائن هذه الدول لصالح الجهاد في سورية، وعندما تلتحق الجيوش المصرية والأردنية واليمنية بذلك ويؤذَّن في القاهرة والإسكندرية وعمان وصنعاء ومسقط ورام الله وأنقرة وإسطانبول وإسلام أباد [حي على الجهاد، وياخيل الله اركبي] ويلبون النداء... حينها وحينها فقط لن يتخلف مغربي واحد. أما الآن فعلينا أن نعي حقيقة الأمر وطبيعة المرحلة، ونلتزم بالهدوء والسكينة وألا نفكر أصلا في الالتحاق بميادين القتال... اللهم إلا من باب الاهتمام بشؤون المسلمين لأنه من لم يهتم بأمرهم فليس منهم. أقول هذا ، أي عدم جواز ذهاب شبابنا إلى الجهاد في سورية، دون أن أكون أقل حرصا على الدم السوري من علماء سورية ومجاهديها. وقد أكد هؤلاء في أكثر من مناسبة أن سورية غير محتاجة إلى البشر الذين يمكن أن يكونوا عالة على الجيش الحر والثوار هناك، وهذا ما قاله الشيخ عدنان عرعور السوري وغير قليل من المجاهدين، بل كما قرر علماء الأمة في مؤتمر القاهرة الأخير حيث أكدوا على أن سورية في حاجة إلى أسلحة وخبرات نوعية وأموال طائلة من أجل العناية باللاجئين والجرحى والمستشفيات الميدانية والأطباء والعلماء... وليس إلى كل أحد. وعلى هذا الأساس أستطيع القول إن ذهاب الشباب المغربي إلى الجهاد في سورية غير مرحب به تماما هناك اللهم، إلا في معسكرات التنظيمات التابعة للقاعدة وهو ما يدخل شبابنا في المتابعة دوليا ومحليا بتهمة الانضمام إلى ما يسمى بالإرهاب... دون أن يغير من كفة الصراع شيئا أو يكاد إن لم أقل بأن هذا مما يجعل دول العالم تتخلف عن تسليح المعارضة السورية من جهة وإعطاء النظام السوري وحلفائه ذريعة قوية مفادها أن الحرب هي ضد الإرهابيين والتكفيريين... وليست ضد الشعب السوري. فكيف يسمح الشاب المغربي لنفسه بأن يكون عائقا في وجه النصر على نظام سفاك وسفاح بامتياز. إنها الإساءة للجهاد من حيث إرادة الإحسان، وإنه لنوع من التثبيط والتعويق من حيث إرادة النصرة والقضاء على العدو. فلا تكونوا أيها الشباب المغربي على الخصوص حجرة عثرة أمام النصر المرتقب في سورية، ولا تعطوا نظام الأسد وأعوانه الذريعة ليتخلف العالم عن مد الثوار بالسلاح الفعال... والذريعة هنا تتمثل في الدعوى بأن النظام الأسدي يقاتل التكفيريين والإرهابيين القادمين من كل بلاد الدنيا... وليس الشعب الذي ثار سلميا ونُكِّل به عسكريا. لا شك أن الناصر هو الله تعالى. ولا شك أن الاعتماد عليه وحده هو عين اليقين والتوحيد... ولكن هذا لا يتعارض مع ضرورة الاستفادة من تقاطع المصالح الغربية مع مصالح الإسلام في هذه النازلة التي من مفرداتها حماية دول الخليج المهددة من قبل إيران وأحلافها... ومن ثمراتها إسقاط دولة السفاح في سورية ولجم إيران وإجبارها على الانزواء والتقهقر وتحرير العراق من سلطة الصفويين وعودة حزب اللات بمن تبقى من أبناء "زواج المتعة" إلى جنوب لبنان من غير رجعة... النفير العام حكم عام. وهو لا يصدر إلا عن أهل الحل والعقد، ولا تقرره إلا الدول والحكومات وأهل الشوكة...لكن تنزيله ليس متاحا لشباب أعزل وفقير ... اللهم إلا من حماسة فوارة وارتجال متسرّع وإقدام لا يسمن ولا يغني من قتال... دول الخليج وعلماؤه على الخصوص قد قرروا النفير العام. فلا أقل من أن يكون البدء بجيوش هذه الدول وتجييش الشباب هناك وتسليحه وتدريبه ونقله إلى ساحة القتال... والإنفاق عليه بغير حساب... وعندها لن يتخلف منا أحد.