أعتقد أن الحل للخلاف السياسي القائم في المغرب -حتى لا أقول العبث- هو أن يمتلك حزب الاستقلال الجرأة للانسحاب من الحكومة بدل اللجوء أو بالأحرى انتظار التحكيم الملكي المختلف في تأويل مرجعياته القانونية ، حتى ندفع بحق المغرب لتفعيل الدستور الجديد الذي وسع من صلاحيات الحكومة ورئيسها سواء أكان هذا الرئيس هو عبد الإله بنكيران أمين عام حزب العدالة والتنمية أو غيره مستقبلا. إذا كنا نريد بالفعل أن نرتقي بالممارسة السياسية بالمغرب، فعلى الفرقاء السياسيين أن ينهوا مشاكلهم ويحلوا خلافاتهم بعيدا عن القصر ومحيطه. وليعلن حميد شباط أمين عام حزب الاستقلال الانسحاب، ويبدأ بنكيران وقتها في مشاورات جديدة لتشكيل الحكومة. وإن تعذر عليه ذلك ننتقل إلى انتخابات مبكرة برغم كلفتها العالية، حينها فقط سنكون قد نجحنا في وضع المغرب على سكة الإصلاح السياسي الحقيقي الذي يستند إلى تفعيل دستور 2011 وليس شئ آخر . في المغرب كما في مصر وتونس ودول الربيع العربي الأخرى ماتزال الثورة المضادة حاضرة على الساحة وأي خطأ أو سوء تقدير وتدبير أو فُرقة من جهة القوى الإصلاحية يوشك أن يمنح فرصة كبيرة لهؤلاء للاستقواء من جديد. وما فعله شباط يمكن أن يفعله أمين عام لحزب آخر سيشعر أن وجوده في الحكومة لا يحقق مصالحه ومصالح دائرته الضيقة . و مع هذا المشهد ستتكرر حالة العود - كما يقول القانونيون- ويدخل المغرب في دوامة من المشاورات و التحالفات والخلافات والانتخابات تلو الانتخابات.عندما صعد اليسار إلى الحكم في نهاية التسعينيات كان عبد الرحمن اليوسفي الكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي كانت تتملكه رغبة كبيرة في الإصلاح، لكن قوى الفساد أجهضت جهوده، فوجد الرجل نفسه، وهو يحارب بمعية قليل من مناضلي حزبه ومساندة نقدية من "العدالة والتنمية"، (وجد) نفسه عاجزا عن الوفاء بوعوده فانسحب . سيناريو حرب الفساد نفسه يتكرر مع عبد الاله بنكيران، غير أن الفارق يكمن في أمرين اثنين، أولهما أن قوى الإصلاح بالأمس القريب اصطف جزء كبير منها مع الثورة المضادة في اللحظة الحالية بعدما بايع أركانها وأزلامها فأصبحت الحرب أصعب ، وثانيهما أن حزب العدالة والتنمية لايمكن - على الأقل بما نعرف عنه من مبادئ وإخلاص أعضائه ووجود قوة رادعة له- لن يستسلم ولن يضع السلاح مهما كانت الظروف. بالأخير يتمنى كثيرون من المغاربة أن يأتي عليهم يوم يستطيعون فيه أن يصوتوا على حزب أو حزبين فقط لتشكيل حكومة قوية في مقابل معارضة قوية، وليس حكومة مبلقنة تحمل في ذاتها وبشكل دائم بوادر الانفجار. * صحافي من الدوحة