أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    انخفاض عالمي وغلاء محلي .. من يربح من لعبة أسعار المحروقات بالمغرب؟    صحراء المغرب تنتصر في واشنطن    العاملون في القناة الثانية يحتجون ضد "غياب الشفافية" في التعاطي مع الأجور وتدبير المسار المهني    اختتام المرحلة الثانية من "تحدي الهاكتون أكادير 2030" بتتويج مشاريع شبابية مبتكرة لتحسين الخدمات الجماعية    كرادلة يجتمعون لترتيب جنازة البابا    قتيل في غارة إسرائيلية بجنوب لبنان    السلطات الأمريكية تقاضي "أوبر" بتهمة غش المستخدمين    لقجع: لاعبو المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة هم "مشروع المنتخب الأول في كأس العالم 2030"    فان دايك: جماهير ليفربول ستتذكر أرنولد في حال قرر الرحيل    تطوان تحتفي باليوم العالمي للأرض بتنظيم أيام تحسيسية حول الماء، الصحة والبيئة    الصين وأندونيسيا يعقدان حوارهما المشترك الأول حول الدفاع والخارجية    هذه توقعات الأرصاد الجوية اليوم الثلاثاء بالمغرب    الدار البيضاء.. اعتقال شخص بحوزته 1525 قرص مخدر وتسعة غرامات من الكوكايين    عميار يكتب عن المغرب والفلسطينيين    ميناء طنجة: مفرغات الصيد البحري تتراجع بنسبة 5% خلال الفصل الأول من 2025    معهد الدراسات الإستراتيجية يغوص في العلاقات المتينة بين المغرب والإمارات    الملك محمد السادس يعزّي الكنيسة الكاثوليكية في وفاة البابا فرانسوا الأول    درك تطوان يُطيح بعصابة متخصصة في سرقة المواشي    حادث عرضي لطائرة سياحية خفيفة بمطار طنجة    فوزي لقجع يوجه رسائل دعم وتحفيز للاعبي المنتخب المغربي تحت 20 سنة قبل "كان" مصر    ولي العهد يفتتح المعرض الدولي للفلاحة بمكناس وجهة الشمال تستعرض مشاريعها التنموية    مندوبية الصحة بتنغير تطمئن المواطنين بخصوص انتشار داء السل    نهضة بركان تكتسح شباب قسنطينة وال"كاف" يشيد: خطوة واثقة نحو نهائي الكونفدرالية    تفاصيل "الجثة المقطعة" بابن أحمد    توقيف بطولة كرة السلة بالمغرب    بركة: لم نخرج بعد من الجفاف... وتحلية المياه ستقلّص الضغط على أم الربيع وتؤمن سقي 100 ألف هكتار    طول شبكة الطرق السريعة بالمغرب يمتد إلى حوالي 2177 كلم    "قضاة إفريقيا" يلتئمون بالمغرب ويدعون إلى "تكتل أطلسي" يكرس العدالة    فوضى قد تطيح بوزير الدفاع الأمريكي    ترانسبرنسي تستغرب اعتراض الأغلبية على تقصي حقائق دعم الأغنام    انخفاض أسعار النفط بنحو 3% وسط مؤشرات على تقدم في محادثات أمريكا وإيران    مصرع عامل بناء إثر سقوط مميت من الطابق السادس بطنجة    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    ‬والآن ‬سؤال ‬الكيفية ‬والتنفيذ‬ ‬بعد ‬التسليم ‬بالحكم ‬الذاتي ‬كحل ‬وحيد ‬‮….‬    رحيل الفنان محسن جمال صاحب «أحلى الأغاني» و«الزين فالثلاثين»    في الحاجة إلى قراءة متجددة للخطيبي أفاية : في أي حقل إبداعي أو فكري، ثمة بصمة للخطيبي، صانع القلق    وفاة البابا فرنسيس عن 88 عاما    المغرب يخلد الأسبوع العالمي للتلقيح    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الفاتيكان يكشف عن وفاة قداسة البابا فرنسيس    مدرب نهضة بركان: أدرنا المباراة بالطريقة التي نُريد وسندافع عن حظوظنا كاملة في الإياب    تنديد حقوقي بالتضييق على مسيرتين شعبيتين بالدار البيضاء وطنجة رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    مهنيو النقل الطرقي يستنكرون "احتكار" المحروقات ويطالبون مجلس المنافسة بالتحرك    نهضة بركان وجمهورها يُلقّنان إعلام النظام الجزائري درساً في الرياضة والأخلاق    شريط "سينرز" يتصدر عائدات السينما في أمريكا الشمالية    فاس... مدينةٌ تنامُ على إيقاع السّكينة    المعارض الدوليّة للكتاب تطرح اشكالية النشر والقراءة..    أنشيلوتي يبعث برسالة للجماهير : ما زلنا نؤمن بالحلم    وفاة الفنان المغربي محسن جمال بعد صراع مع المرض    نحو سدس الأراضي الزراعية في العالم ملوثة بمعادن سامة (دراسة)    دراسة: تقنيات الاسترخاء تسمح بخفض ضغط الدم المرتفع    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يفقد الأستاذ العمري بوصلة الهدى والهداية في دروب النحو والبلاغة
نشر في هسبريس يوم 27 - 06 - 2013


تتمة الدرس الثاني
قوله: [أما الدارجة فتحمل الجواهر الحسان، وباقات الورود الزكية، مثل الفصحى، بل أكثر أحيانا]
هنا يَعْدل العمري الدارجة بالفصحى ويساوي بينهما دون تحفّظ، بل يفضّل هذه الدارجة على الفصحى التي هي لغة القرآن والحديث ولغة المعلقات والقصائد المدهشة لفحول شعراء العرب... والقرآن الكريم وهو أبلغ بلاغة، وأرقى تعبيرا، وأدق بيانا، وأسمى أسلوبا، وأجمل عَرْضا، وأكثر إعجازا،... أصبح دون مستوى الدارجة المغربية – أحيانا - . وليت شعري كيف يستقيم أن تكون لهجة عامية لا قواعد لها ولا نحو ولا صرف ولا معجم... أكثر "حملا للجواهر الحسان" ول "باقات الورود الزكية"؟. كيف يقول هذا مسلم يدعي الإيمان ببلاغة القرآن وشعر فحول الشعراء... أنا لا أصدق.
فلئن كان العمري يحمّل الدارجة [الجواهر الحسان، وباقات الورود الزكية، مثل الفصحى، بل أكثر أحيانا] ناسيا أن الفصحى هي من استوعبت شرع الله المعجز، وهي وحدها - دون سواها - الأقدر على تحمّل التوحيد والإيمان والإخبار عن المُلك والملكوت والغيب والشهادة... لئن كان يقول هذا وهو مسلم، فليسمع ما يقوله الوليد بن المغيرة وهو مشرك: [عرفنا الشعر كله رجزه و هزجه و قريضه و مقبوضه و مبسوطه] يقول للمشركين في مكة عن القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى قرآنا قيّما غير ذي عوج... بلسان عربي مبين... [فوالله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته] رواه الحاكم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما. أسمعت ما قال لك الوليد بن المغيرة ؟ قال لك: [وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته]
كيف تكون لغة القرآن الكريم وهي حمّالة كل صور الإعجاز الباهرة، سواء في المعاني أم في المباني، وسواء بالصور التعبيرية والأدبية والتصويرات الفنية، و"الرنات الموسيقية" استعارة ومجازا وكناية... أم على مستوى جوامع الكَلِم والقدرة على قول أشياء كثيرة بكلمات قليلة... كيف لها أن تكون دونية تسمو عليها في شيء من ذلك لغة أخرى - أي لغة أخرى - فضلا عن لهجة عامية، مجرد لهجة، اختلط فيها العربي بالعجمي، وامتزج فيها الشرقي بالغربي، ولا تخلو من عبارات الإفرنج والتفرنج. فُصْحى طأطأ لها شعراء العرب رؤوسهم، ووقف البلغاء أمامها عاجزين بعد أن تحداهم رب العالمين {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} [البقرة: 24] إن القرآن يتحدى في المثلية فقط وليس في الأفضلية... يتحدى بلغاء العرب وفحول الشعر والأدب وصنّاع البلاغة والبيان... في الأسواق الكبرى أيام الجاهلية "عكاظ" و "مجَنّة" و "ذي المجاز"... وليس من هب ودب من المتسكعين في الأزقة اليوم.
وهذا لبيد بن ربيعة من رواد الشعر العربي، طلب منه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن يسمعه شعرا، فقرأ عليه سورة البقرة... وقال: [ما كنت لأقول الشعر بعد أن علمني الله سورة البقرة وآل عمران] ويقال بأنه لم يقل في الإسلام سوى أبيات قليلة منها:
الحمدُ لله إذْ لم يأتني أجلي /////// حتى لبستُ مِنَ الإسلامِ سِرْبالاَ
والعمري يقول: [أما الدارجة فتحمل الجواهر الحسان، وباقات الورود الزكية، مثل الفصحى، بل أكثر أحيانا] هل هذه لوثة فكرية غير مقصودة؟ أم نكسة عابرة "لميزة بلاغية"؟ أم أنها مصيبة ولا أبا حسن لها؟
أتدرون لِمَ يستعمل العمري الدارجة في خطابه العربي؟ إليكم جوابه حرفيا: لأنها [أداة فعالة ، مثلا، في السخرية من كل أنواع التصلب العقلي والعاطفي، وهذا ما ينشده العمري من استعمالها، والتوفيق من الله] هكذا ! السخرية من كل من يحمل تصورا إسلاميا وعقيدة نقية منضبطة بالكتاب والسنة ومرتبطة بمنهج السلف الصالح... وهذا هو ما يسميه [التصلب العقلي والعاطفي] فلا أجد ردا عليه خيرا من قول الله تعالى : {إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُون} [هود: 38 ] وقوله سبحانه: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40] والجزاء من جنس العمل. السخرية حرام ياأستاذ. قال الله تعالى:{ ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم...} [الحجرات: 11]
إن السخرية بالآخر لا تنفك عن الشعور بالاستعلاء، والكبر والاحتقار... وكلها أخلاق مذمومة... هذا إذا كان "الآخر" من مطلق الناس، فكيف إذا كان من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا؟... فالأمر أخزى وأنكى. فإذا حصل أن وقع الاستهزاء على ولي من أولياء الله عز ثناؤه فحينها يكون الله تعالى قد آذن المستهزئ بالحرب. وفي الحديث القدسي: قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : إن الله قال: [من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب...] رواه البخاري. وهل الاستهزاء بالمسلم إلا ضربٌ من ضروب العدوان عليه؟ اللهم إلا أن يكون من باب رد العدوان بالمثل فالأمر مشروع...
هذه المرة قبل أن تسمح لنفسك بالسخرية من مسلم عليك استحضار هذه الآية: {إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون. إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون } [المؤمنون: 109 / 110]
الأمر خطير أيها البلاغي النحرير. وما عليك إلا أن تقيس عمق الهوة التي وقعت فيها بعد هذا الانحراف والانجراف. [الدارجة عندك أداة فعالة في السخرية من كل أنواع التصلب العقلي والعاطفي] والمصيبة العظمى أن سوء خلقك هذا توفيق من الله في تصوّرك. حيث ختمت هذا الفحش المشين بالقول: [والتوفيق من الله] إنها غواية من الشيطان وليست توفيقا من الله:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28] {...ويَنْهى عنِ الفحشاء والمُنْكر والبَغْي} [النحل: 90].
وعندما علِمنا أنه لم يسخر بلسانه وقلمه قط إلا من أصحاب التوجه الإسلامي بكل أطيافهم ومذاهبهم، خلال محاضراته ومناظراته، وفي دروسه ومؤلفاته، ومستثنيا من هذا الخلق الخسيس غير المسلمين بشتى نِحلهم ومللهم... أدركنا بسهولة من هم الذين يحملون [كل انواع التصلب العقلي والعاطفي] في نظره.
عودة إلى استعماله [على] في موضع [عن] لنختم الدرس.
وجد العمري نفسه في ورطة حقيقية بما حاضرته فيه وحاصرته به في هذه "الزاوية" فكان لا بد أن "يُفَرْكِل" في كل اتجاه لعله يتفلّت وينجو. وختم ذلك بالقول: [وبذلك تغتني اللغة وتصبح أكثر دقة. نحن نفرق اليوم بين "قيَّم" و"قوَّم"، وبين "أحال على" و"أحال إلى"...الخ. اللغة تسير...]
أرأيتم؟ [نحن نفرق بين "قيّم و "قوّم"...] أي علاقة – يارب – لهذا التيه باستعمال [على] محل [عن]؟
الدرس الثالث
التكرار
في هذا الدرس [التكرار] رصدت فيه ركاكة تعبيرية وخطأ تركيبيا لا غبار عليه. وكان على العمري أن يتواضع ويعترف بخطئه دون أن ينقص ذلك من قدره شيئا. لا سيما بعد أن عجز عن إيجاد دليل واحد يشهد له من كتاب الله تعالى أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو من أشعار العرب. هذا مع ما ذكرته له من شواهد قرآنية ترغمه على الاعتراف. لكنه لم يعترف. بل ركِب فرس الاستعلاء وأطلق له العنان للعدْو في كل الاتجاهات "مُحليا" عباراته بزخرف القول، ومنمّقا تعبيراتِه ببعض "التوابل" الكلامية على طريقته في [لْغْليقْ] لعله يشوّش على القارئ ويجعل من هزيمته النكراء انتصارا ولو على طريقة "دونكيشوت". علق العمري على درسنا في التكرار قائلا: [هنا رَفسَ الشيخان متحفَ الخزف، وقلّبَا الحريرَ بكفين خشنين!]
قلت: الأمر أيسر من كل ذلك. كان عليه أن يأتينا بشاهد من كتاب الله تعالى أو ببيت شعري من أشعار العرب... وتنتهي القضية. لكنه وقد عجز عن ذلك اعتمد على نفسه فحوّلَها إلى مصدر للأدلة ومرجع للاستشهادات. تحول هو شخصيا إلى الدليل. على طريقة استبداد فرعون اللعين {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } [غافر: 29] العمري النبيه، العمري الألمعي هو من رفس متحف الخزف، وهو من قلب الحرير بكف خشن في الواقع.
إنه لم يكتف بالغلط في ارتكابه التكرار غير المستساغ وهو يتكلم بالعربية، بل تغلغل فيه وأوْغَل، وتغَوَّل فيه وتوغّل. وذلك بسحب خَطَئه وخِطْئِه بل وتجنّيه على لغات عالمية أخرى مثل الفرنسية والإنجليزية والإسبانية وغيرها... فتوهم أن يجعل من لغات الإفرنج ولهجاتهم حجة على لغة الضاد، لغة كتاب رب العالمين. فهل أفلح في ذلك؟ تابعوني!.
دافع العمري عن خطيئته بتقسيم التكرار إلى قسمين، أحدهما "حشوي" والآخر "بليغ". وقال: [ومن لم يدرك الفرق بين التكرار البليغ والتكرار الحشوي المعيب فالأكيد أنه لم يدرك بلاغة القرآن الكريم في قوله تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"]
وأنا هنا أذكر القراء الكرام بأن التكرار محل البحث بيني وبين العمري هو في خطإ هذا التركيب: [ليس في البيت لا زيد ولا عمرو] وأن الصواب هو [ليس في البيت زيد ولا عمرو].
أقول: ليس في التعبير الأول سوى الركاكة وليس في الإصرار على الركاكة -بعد قيام الحجة - إلا الجَحْد والمكابرة. الأصل إذن، هو [ليس في البيت زيد وليس في البيت عمرو] وتفاديا لهذا التكرار نقول: [ليس في البيت زيد ولا عمرو] فإذا قلت ما قاله العمري فقد قلت منكرا من القول وزورا.
قلت إن رد العمري على هذا ليس فيه استشهاد واحد من الوحْيَيْن: الكتاب والسنة، أو من أشعار العرب. وأنا هنا سأمطره بعد قليل ب"وابل" من الأدلة القرآنية تشهد لصحة مذهبي وتبرهن على فساد مذهبه. والقرآن الكريم حجة لنا أو علينا. أما الاستشهاد بسورة "الكافرون" [والرفع على الحكاية] في هذا المقام فينِمّ عن جهل فظيع بالمسألة في الظاهر. وإن كنت أرجّح أن العمري يدرك أن السورة الكريمة التي استشهد بها لا شيء فيها مما نحن فيه. استشهاده خارج عن الموضوع جملة وتفصيلا. فهل في السورة أدنى إشارة لنفي شيء قد تم نفيه من قبل؟ أبدا. وإن كل ما هناك هو تكرار الآيتين: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } ومن ثمة فليس هذا موضوعنا. موضوعنا ليس : التكرار، ولا فوائده، ولا متى تكون
الحاجة إليه...
كنت أفضل أن يكون العمري أكثر تعقلا... فعدوٌّ عاقل أفضل من صديق جاهل. وأطمئن العمري أنني لا أعتبره عدُوّا. لكن وددت لو أنه كان أعقل. فحينما يستشهد في الموضوع الذي نحن فيه وهو [عدم جواز نفي تم نفيه من قبل في الصيغة المطروحة آنفا تحديدا] بقوله [سورة القارعة، حيث اعتُمد "الإظهارُ" (التكرار) في أولها، و"الإضمارُ" في آخرها؟ الإظهار في قوله تعالى: "القَارِعَةُ! مَا الْقَارِعَةُ؟ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ؟!.."، والإضمار في قوله بعدها: "... فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ؟!"، ولم يقل: "وما أدراك ما الهاوية"]... فاعلم أن الأستاذ [تْقَضَاوْ لُو] بالدارجة. أو [يهرف بما لا يعرف] بالفصحى.
ياأستاذ ! أليس من العيب أن أذكرك كل مرة بأن الموضوع هو نفي شيء قد تم نفيه من قبل؟ ألا تنفعك الذكرى؟ أين حجتك في سورة القارعة؟ وفي سورة "الكافرون"؟ بل في القرآن المجيد كله؟ وفي السنة العطرة؟ وفي أشعار العرب؟ أين؟ رحم الله من قال:
لقد أسْمعْتَ لو ناديتَ حيّا ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارٌ نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في الرمادِ
فلا تَعْجبْ إذا ناديتَ جسماً ولم تَسْمَع جواباً من جماد
فسبحان الذي له في خلقه شؤون.
لو أنني نهجت منطق ["اِحْذِفْه فقد سبق ذكره"] على حد تعبير العمري، لجاز له الاستنتاج [زلَّت به إلى الحضيض قدمه] لكن الحقيقة دون ذلك تماما. فالقدم التي [زَطْمَت فَ الْمرايا] هي قدم العمري لا غير. فكيف يجوز لي أو لغيري أن يحذف ما سبق ذكره، وهذه سورة "الرحمن" القصيرة نسبيا مثلا قد تكرر فيها قوله سبحانه {فبأي آلاء ربكما تكذبان} ثلاثين مرة؟ وتكرر قوله عز ثناؤه {ويل يومئذ للمكذبين} في سورة المرسلات القصيرة عشر مرات... ليس هذا هو موضوعنا ياسي العمري. ألا تفهم؟ موضوعنا هو سوء التكرار في قولك [ليس في الأمر لا كذا ولا كذا] والصواب للمرة الألف هو [ليس في الأمر كذا ولا كذا]
لنستمع إلى العمري:
[...إن تكرار النفي في قولي: "لا علاقة لها لا بالعنصر البشري ولا بالمحتوى العقدي"، تكرارٌ بلاغيٌّ مفيدٌ. هناك ثلاثة مستويات متدرجة في التأكيد والإحاطة المقنعة بالنسبة لهذه الجملة:
المستوى الأول: "لا علاقة لها بالعنصر البشري والمحتوى العقدي"،
والمستوى الثاني: "لا علاقة لها بالعنصر البشري ولا بالمحتوى العقدي"،
والمستوى الثالث: "لا علاقة لها لا بالعنصر البشري، ولا بالمحتوى العقدي".
ويمكن زيادة تأكيد النفي في المستوى الثالث بعبارة: "لا من قريب ولا من بعيد...".]
قلت: أما المستوى الأول، فهذا ليس موضوعنا. وهو تركيب صحيح جاء بمثله كتاب الله تعالى كما في الآية الكريمة: {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم} [التوبة: 85] وكما في قوله تعالى: {وما تغني الآيات والنذر} [يونس: 101]
وأما المستوى الثاني فهو أيضا تعبير صحيح يشهد له كتاب الله تعالى كما يشهد للمستوى الأول. وليس هذا هو الموضوع.
الموضوع هو المستوى الثالث. العمري يعتبره تكرارا بلاغيا مفيدا وتدرّجا في التأكيد... وأنا أعتبره تكرارا غير بلاغي ولا مفيد. بل هو تكرار ركيك ومعيب. وتركيب فاسد وكاسد. والبينة قاصمة ظهر كل دعيّ.
وقبل هذه البينة دعوني أؤكد لكم أن البلاغي يخلط ويخبط... و"يُخَرْبِق"... فقوله: [ويمكن زيادة تأكيد النفي في المستوى الثالث بعبارة: "لا من قريب ولا من بعيد...".] تصنيف مُجْحِف فيما أسماه المستويات الثلاثة. ذلك لأن المستوى الثالث فاسد بلاغيا وتركيبيا من جهة، وعبارة "لا من قريب ولا من بعيد" التي حصرها في مستواه الثالث - تأكيدا للنفي - يمكن زيادتها لنفس الغرض سواء بالنسبة للمستوى الأول فنقول: ["لا علاقة لها بالعنصر البشري والمحتوى العقدي لا من قريب ولا من بعيد"]، أم بالنسبة للمستوى الثاني فنقول: ["لا علاقة لها بالعنصر البشري ولا بالمحتوى العقدي لا من قريب ولا من بعيد]، أم أن للأستاذ ميزة بلاغية تمنعه من ذلك؟ بل إني أقول إن تلك الزيادة لا يمكن زيادتها إلا في المستوى الأول والثاني. وليس في مستواه الثالث، لأنه مستوى وهمي وفاسد. إن قول العمري: [ويمكن زيادة تأكيد النفي في المستوى الثالث بعبارة: "لا من قريب ولا من بعيد...".] نقش على عرش غير ثابت. فأقول له: أثبت العرش ثم انقش...!
أما البينة فيكفيني منها كتاب الله تعالى. هذا الكتاب الذي لا يخالفنا في سمو بلاغته أي بلاغي على وجه الأرض قديما وحاضرا ومستقبلا. اللهم إلا ما كان من العمري – إذا ما اعتبرناه بلاغيا - الذي زل به قلمه وجعل الدارجة المغربية تسمو – أحيانا - على بلاغة الفصحى التي هي بلاغة القرآن. وهو بهذا الجَعْل يجرد نفسه من كل لقب أو وسام سبق أن حظي به مثلما تُجَرِّد الجامعات الرياضية بطلا من الأبطال من "ميداليته" أثبتت التحليلات الطبية من بعدُ أنه تناول منشطات محرمة.
قال الله تعالى:
{قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا...} [الأعراف: 188] ولم يقل [قل لا أملك لنفسي لا نفعا ولا ضرا...]
{كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة} [التوبة: 8] وكرر العبارة بقوله سبحانه {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة} [التوبة: 10] ولم يقل [لا يرقبون في مؤمن لا إلا ولا ذمة]
{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر...} [التوبة: 29] ولم يقل [قاتلوا الذين لا يؤمنون لا بالله ولا باليوم الآخر]
{ليس على الضعفاء ولا على المرضى...} [التوبة: 91] ولم يقل [ليس لا على الضعفاء ولا على المرضى...]
{ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة...} [التوبة: 121] ولم يقل [ولا ينفقون نفقة لا صغيرة ولا كبيرة]
{قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} [يونس: 18] ولم يقل [قل أتنبئون الله بما لا يعلم لا في السماوات ولا في الأرض]
{قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا...} [يونس: 49] ولم يقل [قل لا أملك لنفسي لا ضرا ولا نفعا]
{لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كِيرَةً إلا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49] ولم يقل [لا يغادر لا صغيرة ولا كبيرة...]
{ ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم } [الكهف: 51] ولم يقل [ما أشهدتهم لا خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم]
{لا نخلفه نحن ولا أنت...} [طه: 58] ولم يقل [لا نخلفه لا نحن ولا أنت]
{لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي} [طه: 94] ولم يقل [لا تأخذ لا بلحيتي ولا برأسي]
هل أزيدك أيها البلاغي أم هذا يكفي؟ : سأزيدك:
{لا ترى فيها عِوجا ولا أمْتا} [طه: 107] ولم يقل [لا ترى فيها لا عوجا ولا أمتا]
{فلا يخاف ظلما ولا هَضْما} [طه: 112] ولم يقل [فلا يخاف لا ظلما ولا هضما]
{لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤها} [الحج: 37] ولم يقل [لن ينال اللهَ لا لحومها ولا دماؤها]
{رجالٌ لا تُلهيهِم تجارةٌ ولا بيْع عن ذِكرِ الله...} [النور: 37] ولم يقل [رجال لا تلهيهم لا تجارة ولا بيع...]
{يومَ لا ينفع مال ولا بنون} [الشعراء: 88] [ولم يقل [يومَ لا ينفعُ لا مال ولا بنون...]
{...وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23] ولم يقل [ولا تذرنّ لا وَدّا ولا سُواعا...] وفي هذه الآية جمع للمستويين الأول والثاني حسب تقسيم العمري، لكن لا شيء عن مستواه الثالث المزعوم.
عندي من الأمثلة القرآنية أكثر مما ذكرت بكثير... لكني أختم بمثال واحد من الدعاء النبوي:
[ولا تجعلِ الدنيا أكبر همِّنا ولا مبْلغ علْمنا] ولم يقل [...لا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا]
أعلم أنني أكثرت ووفّيْت، ولكن أعلم أيضا أن العمري في حرج شديد... وهذا ما أريد.
فما هي الحاجة البلاغية للذهاب إلى ما ذهب إليه العمري من تكرار نفي قد تم نفيه من قبل؟ إنها "التدرج في التأكيد والإحاطة المقنعة" حسب تعبيره. وهي أيضا ما عبر عنه بأنها [درجة "الجاحد" الذي يُرصد له أقصى ما يمكن من المؤكدات والحجج لمحاصرته]
والسؤال الآن هو: كيف غفل كتاب الله تعالى عن هذا الاستعمال [تكرار نفي ما تم نفيه من قبل] مع وجود الحاجة إليه والمتمثلة في [التدرج في التأكيد والإحاطة المقنعة] وفي مخاطبة ["الجاحد" الذي يُرصد له أقصى ما يمكن من المؤكدات والحجج لمحاصرته] ؟ أم ترى هذه الحاجة لم تكن واردة على الرغم من تنوع المواقف المقتضية للتأكيد في أبلغ صوره وهو يعالج أعظم الموضوعات العقدية والإيمانية والتي تترتب عليها جنة أبدا، أو نار أبدا.؟؟ هذا هو السؤال، فمتى يأتينا الجواب؟
النتيجة أن ما اعتبره العمري [المستوى الثالث للتدرج في التأكيد...] وأنه [يكون هذا في المواقع الحجاجية التي يراد فيها شد انتباه المستمع أو المتلقي إلى القضية أطولَ مدى ممكن، وسد أبواب التأويل أو التهوين من الأمر. وذلك حين يكون المتلقي في موقع الإنكار] كلام باطل. لا يجعل اللغة تسير كما يدعي، ولكنه يضع لها [لْعْصا فَ الرّوِيضَة] ليس إلا. ويفسد تعبيراتها الجميلة وتجلياتها الجليلة ليس غير.
كلام حجة على صاحبه، وهو كمن حفر قبره بظُفره. فالعلل التي تعلل بها هنا، كلها متحققة في خطاب القرآن الكريم. فالمتلقون في موقع الإنكار، في كثير مما سبق ذكره من آيات قرآنية هم المشركون. والحاجة في التأكيد متحققة. واستهداف شد الانتباه أطول مدى أمر حاضر. وسد أبواب التأويل أو التهوين من الأمر مسألة تفرض نفسها. فلماذا لم يذهب القرآن الكريم إلى "الأسلوب الثالث" المبتكر؟ وإذْ هو لم يفعل مع وجود الداعي والمقتضى، علمنا يقينا أن هذا المستوى الثالث ما هو إلا ركاكة بلاغية مشينة، وخطأ تعبيري فاضح تنزه القرآن الكريم عنه. وأن الدفاع عنه بالباطل - بعد قيام الحجة - ما هو إلا منطق [ولو طارت مَعْزَة]
أقول: [المعزة لا تطير] والمستوى الثالث [ما يْصِير] مع رفع الرأس قليلا نحو الأعلى على طريقة الأعرابي الذي لم يغادر رمال الرُّبع الخالي من صحراء شبه الجزيرة العربية...
لماذا ابتكر العمري هذا الأسلوب المعيب؟ الجواب في قوله: [وكلامي في ذلك المقال كان موجها لأعتى درجات الجحود، كان يواجه أشخاصا يقلبون الحقائق العلمية، ويرمون خصومهم بالكفر والمروق من الدين جَرَّاءَ خلافات سياسية مكشوفة]
مرة أخرى، هنا أفرخت بيضة العمري. فأعتى درجة الجحود التي يحاول إلصاقها بالدعاة إلى الله، ظلما وعدوانا، هي صفة المشركين الذين قال فيهم رب العزة {إنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [الأنعام: 33] وقال فيهم سبحانه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14] وأما ما يسميه العمري الخلافات السياسية المكشوفة... فهذا مثال لها: [أين الضرر في أن يمارس شاب الجنس مع شابة، نحن لا نرى الضرر في ذلك] "رواه" عبد الحميد أمين بالصوت والصورة على اليوتوب. وفي مثال آخر، اعتبار الزنا من طرف الأم والبنت والأخت والعمة والخالة... حرية شخصية لا شيء فيها إذا تم بالرضى. والمشرّع لهذا "المشروع" أكثر من واحد. وأنا أجزم أن العمري على معرفة تامة بكل هذا إن لم أقل على صداقة ببعض من يقول هذا... لكن أنزهه أن يكون مناضلا في هذا الاتجاه الذي تعافه الدواب والبهائم.
والخلافات السياسية المكشوفة هي قول من قال: [الإسلام أصبح متجاوزا الآن] و [رسائل النبي محمد "كذا" راسائل إرهابية] "رواه" أحمد عصيد في "معلقاته". والشذوذ الجنسي حق مكفول بالقيم الكونية. بل زواج المثليين "بالعدول" حق مكفول بالقانون الدولي. والمجاهرة بالإفطار الجماعي في نهار رمضان داخل المجتمع المغربي المسلم حرية شخصية... وهذا من "تأليف" بعض "المتنورين" المغاربة" الثائرين على كل القيم الدينية والوطنية. فهل هذه خلافات سياسية مكشوفة؟ قليلا من الحياء ياأستاذ.! متعك الله بعقلك.
ألا تبا لها من أفكار تحمل بذور وفاتها في تربتها، وتحوي سمّها القاتل بين جوانحها وليس لها من ترياق سوى العودة إلى الإسلام الحنيف حيث القيم الخالدة ومكارم الأخلاق تتلألأ في سماء الإنسانية الراقية من حيث هي حجة قائمة من رب الكون على مدعي سمو "قيم" بشرية علمانية [باعتراف العمري] يعتبرونها قيما كونية...
يقول العمري:
[وأنا أفترض أن هذه البنية النحوية/المنطقية (بنية: ليس لا a ولا b) بنية منطقية مشتركة بين اللغات. وهي التي تَستعمل فيها الفرنسية أداة النفي ni مكررة. ففي مقام نفي رؤية شخصين يقال:
Je n'ai pas vu ni l'un ni l'autre
أي: لم أر لا هذا ولا ذاك. وفي الإنجليزية تلتقي أدوات النفي الثلاث (not… neither…nor) في جملة واحدة
I have not seen neither one nor the other
وفي الدارجة حدث ولا حرج: "ما تصدعنى! ما شتُّ لا هو لا خوه!". وقد سألت السيد ?و?ل عن المقابل الإسباني للجملة الفرنسية فقال:
No he visto ni una cosa ni la otra.
ورغم أني لا "أقْشعُ" من الإسبانية إلا ما "يُقشِّره" الشيخان من البلاغة فقد فهمتُ أن هناك ثلاثَ أدواتٍ للنفي في هذه الجملة: (no…ni…ni). أي الصيغة الفرنسية نفسها، وهذا يرجح أن يكون الأمر نفسه في اللغات العائدة إلى أصل لاتيني، مثل الرومانية [كذا] (nu…nici…nici)، والإيطالية (non…né…né). أَرأيتما أين أقحمتُماني؟ أتمنى ألا يسخر اللسانيون ,والمناطقة من جرأتي على ميدان ليس من اختصاصي.] انتهى
قلت: فعلا، لا بد أن يكون كلُّ من قرأ جرأتك على لغات العباد قد سخر من هذه الجرأة أو أنقلب على قفاه ضاحكا... لأنك خضت فيما لا تحسن وتكلمت بما تجهل، وعصيت ربك في قوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 17] وقديما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله [من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب] [ الفتح : 3/584]
وبما أن الله تعالى أكرمني بمعرفة اللغة الفرنسية كذلك، فلا يفوتني أن أصحح للعمري ما وقع فيه من [erreurs] في قوله: [Je n'ai pas vu ni l'un ni l'autre] والصواب هو: [Je n'ai vu ni l'un ni l'autre] وكلمة [pas] في الجملة حشوٌ لا يقبله موليير... والأعراب... عفوا "الفرنسيون" بالباب. أما باقي الأمثلة في باقي اللغات المذكورة فهي خارج دائرة معرفتي. وعاش من عرف قدره... وما أظنه إلا قد "زطم" فيها جميعا... و"الزطمة" جاءت من اعتماده على [ترجمة كوكل] حيث يكفي أن تُدخل نصا معينا بلغة محددة لتجد بجانبه الترجمة للنص إلى اللغة التي تريد. وهكذا ظهر العمري الألمعي متبحرا في كل اللغات حتى وإن اعترف أنه لا "يُقَشِّر" أو لا "يَقْشِع" فيها شيئا. وهذان الفعلان بالدارجة من استعماله طبعا "لميزة بلاغية" عنده.
أدخل العمري في حيّز الترجمة الجملة الركيكة: [Je n'ai pas vu ni l'un ni l'autre] وجاءته الترجمة إلى الإنجليزية بهذا الشكل: [I have not seen neither one nor the other] واعتمد عليها فورا. ولو أنه أدخل الجملة السليمة: [Je n'ai vu ni l'un ni l'autre] لجاءته الترجمة بنفس الكلمات حرفيا هكذا: [I have not seen neither one nor the other] والأمر نفسه يتكرر بالترجمة إلى اللغة العربية. وهي بالمناسبة ترجمة غير دقيقة.
فأين الحجة إذن أيها البلاغي؟
العمري يترجم العبارة إلى أخرى ترجمة الكلمة بالكلمة مثلما فعل بترجمة الجملة الفاسدة : [Je n'ai pas vu ni l'un ni l'autre] بقول فاسد آخر: [أي: لم أر لا هذا ولا ذاك.] معتمدا على "كوكل". والترجمة لا تكون [mot à mot] بل بما يناسب من معنى في اللغة المقابلة. وكان الأنسب أن يقول [أي: لم أر أحدا منهما] .
وأنبه العمري إلى أن [l'un] معناه [أحد] لأنك إذا قلت: [l'un d'eux] فمعناه [أحدهما] و [l'autre] معناه: الآخر. وليس ما ذهبت إليه [لا هذا ولا ذاك] وهو ما معناه على التوالي: [ni celui-ci] و [ni celui-là]
فعلا حشرت نفسك فيما ليس لك فيه تمكّن ولا تمكين. ولا معَضٌّ ولا مستمسك. وحُقّ لي أن أقول لك: [ليس هذا بعشك فادرجي] فتحمّل عاقبة أمرك.!
يقول أستاذنا في دروسه [الفابورية]
[العمري لا يُكرِّر، بل يؤكد المعني ويُقلِّبه على جوانبه، ["المعني" بالياء، مسكين هذا المعني الذي يقلبه العمري على جوانبه وليس على جنبيه فقط]
يقول: [العمري لا يكرر] ويناقض نفسه ويقول: [تكرار النفي مقصود]. يعني أن الخطأ عن سبق إصرار وترصد...
وأنا أقول: الفزازي لا ينفي التكرار ولا ينكره أو يلغيه، وأنّى له أو لغيره ذلك؟ دواعي التكرار كثيرة. إنما يحاصر العمري في حالة معينة من هذا التكرار يعتبرها الفزازي ركيكة ومعيبة. ويعتبرها العمري بلاغية ومفيدة على رغم أنف البلاغة نفسها.
فمَن يعاني من محنة المَنْحى العقدي والفكري؟ نحن أمن أنت؟ مَن الخصم العنيد للفهم والتفهّم حتى مع قيام الحجة؟ نحن أم أنت؟ وعلى كل حال: نحن – أهل الشريعة ولا فخر - من نقول، وأنت وأضرابك لكم التأويل. وإن شئت فأنا هنا صوت الحق – إن شاء الله – وأنت ترفض الحق ولا ترضى أن تكون له ناصرا بل ولا حتى صدى... وأكرر قول المتنبي:
[وَدَع كُلَّ صَوتٍ غَيرَ صَوتي فَإِنَّني /////////// أَنا الصائِحُ المَحكِيُّ وَالآخَرُ الصَدى]
أسمعت ياأستاذ؟ أَنا الصائِحُ المَحكِيُّ وأنت الصَّدى... طوعا أو كرها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
يليه – إن شاء الله – الجزء السابع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.