عقب ثورات الربيع العربي، التي انطلقت نهاية عام 2010، كانت من أهم النبوءات السياسية، التي أطلقها الكاتب المصري البارز محمد حسنين هيكل، هي أن قضية الصراع العربي - الإسرائيلي سوف تنزوي، ليبرز مكانها الصراع السني- الشيعي. وقتها رفض الكثيرون هذه النبوءة، وزعم البعض أنها محض خيال. لكن جاءت حادثة مقتل 4 شيعة في مصر، بينهم حسن شحاتة الذي يوصف بالأب الروحي للشيعية المصريين، على أيدي بعض أهالي إحدى القرى المصرية، لتعيد إلى الأذهان نبوءة هيكل، وتثير تساؤلا هاما حول المستفيد من الصراع السني – الشيعي، خاصة وأن مصر كانت بعيدة تماما عن هذا الصراع. جواد الحمد، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن، وقبل أن يجيب على تساؤل من المستفيد، قال في حديث هاتفي مع مراسل الأناضول: "لابد أولا أن نبحث عن الأسباب التي أدت إلى اندلاع هذا الصراع". وحمل الحمد السياسات الإيرانية في المنطقة مسئولية اندلاع هذا الصراع، قائلا إن "سياساتها منذ خمس سنوات تعمد إلى إظهار المذهب الشيعي في المنطقة العربية، انطلاقا من أهدافها الرامية للنفوذ والسيطرة". وأضاف: "نحن كأمة عربية، ومنذ عام 1979 (عام نجاح الثورة التي حولت إيران من حكم الشاه محمد رضا بهلوي إلى جمهورية إسلامية) حاولنا مد اليد إلى إيران، وأيدنا موقفها من دعم المقاومة في لبنانوسوريا، كما أيدنا سعيها لامتلاك القدرات النووية لأغراض سلمية، ولكن إيران لا تريد التعاون، هي تريد السيطرة والنفوذ". وأشار إلى أن "تدخلاتها بالعراقوسوريا في إطار سعيها للسيطرة والنفوذ، وما صاحب هذه التدخلات من أنباء تتداولها وسائل الإعلام عن مجازر ترتكب، كل ذلك استفز مشاعر المسلمين من المنتمين للسنة". ولا يعفي الحمد الغرب من المسئولية عن تأجيج هذا الصراع، لأنه " المستفيد منه "، لكنه قال ساخرا: " إذا كانت هناك أصابع غربية تعبث في المشهد، فأين عقولنا ؟!". الدور الغربي لم يكن غائبا أيضا عن المحلل السياسي اللبناني طلال عتريس، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ببيروت، حيث قال في حديث لمراسل "الأناضول"، إن "النوايا الغربية في تقسيم المنطقة على أساس مذهبي وطائفي، ليست سرا، حيث رسمت خرائط للمنطقة بعد تقسيمها". وبلهجة ساخرة أضاف: "كنا نقرأ مثل هذه المخططات، ونستبعد حدوثها، لأن من يريد أن يفعل لا يكشف عن نواياه، ولكننا نكتشف الآن أننا سائرون في هذا الطريق". ولا يملك عتريس دلائل على طبيعة الدور الغربي في تأجيج الصراع، لأنه "يتم بشكل غير مباشر وبأسلوب يبدو وكأنه إنتاج داخلي محض، ليبدو الأمر وكأن مشاكلنا من صناعة أيدينا". وتؤدي هذه الحالة من الصراع " السني – الشيعي "، وفق عتريس، إلى "بسط النفوذ الغربي في المنطقة، ووفاة قضية الصراع العربي - الإسرائيلي". ومضى قائلا إن "السياسة الغربية منذ قديم الأزل تقوم على الهيمنة من خلال التشتيت والتقسيم، ليشعر كل طرف بحاجته إلى دعم الغرب وتسليحه، ويكون ذلك هو المدخل للسيطرة والنفوذ، ويتحول العالم العربي من قلب للعالم، إلى قلب شرايينه تتصادم". ورأى عتريس: "ومع حدوث ذلك تنتهي قضية الصراع العربي – الإسرائيلي، وتتحول الطاقات إلى الصراع الداخلي بين السنة والشيعة". وفي محاولة للبحث عن المزيد من التفاصيل حول طبيعة الدور الغربي في تأجيج هذا الصراع، يملك المحلل السياسي السوري نبيل شبيب دلائل مباشرة وأخرى غير مباشرة. الدلائل المباشرة ، بحسب شبيب، هي "دفاع الغرب عن الأقليات دفاعا هائلا ودعمهم ماديا، وكانت الحكومات قبل ثورات الربيع العربي تساهم في ذلك بمنحهم مناصب، مما يخلق أرض خصبة للدعوات المتطرفة". ويملك شبيب مثالين على ذلك، الأول ما حدث في لبنان منذ خرج الاستعمار الفرنسي عام 1943، واضعا سياسة المحاصصة بين الطوائف في الدستور، وكذلك نفس الأمر في العراق، حيث عمدت الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى تقوية شوكة الشيعة وأصبح شيعي (نوري المالكي) رئيسا للحكومة العراقية، في سابقة هي الأولى من نوعها، بحسب شبيب. أما عن الدلائل غير المباشرة ، فيراها شبيب فيما حدث من تغييب للقيم الاسلامية الوسطية، التي تنطلق من قاعدة أنه (لا إكراه في الدين)، وذلك بوسائل كثيرة، بينها مناهج التعليم الديني التي صيغت بتوجيهات غربية. ومن دلائل الدور الغربي إلى الفوائد اعتبر شبيب أن "الغرب وإسرائيل هما المستفيدان الكبيران، كما أن هناك إيران التي تعتقد أنها مستفيدة، لكن الواقع يقول إنها متضررة". وأوضح شبيب أن "المخطط المرسوم لإيران أن تدخل في صراع مع السنة يضعف قوتها ويوفر الأمن لإسرائيل، كما أنها تفقد بهذا الصراع مكتسباتها لدى المواطن العربي كقوة مناوئة لإسرائيل داعمة لحركات المقاومة، وهو ما بدأ يظهر حاليا، حيث فقدت إيران الزخم الذي اكتسبته بسبب هذه الصورة الذهنية، وبدأ الكثيرون يتحدثون عنها كدولة غازية بسبب دورها في سوريا"، حيت تدعم نظام بشار الأسد. المفارقة الملفتة للانتباه ان الفوائد الغربية الاسرائيلية من امتداد نطاق الصراع السني – الشيعي في المنطقة العربية، جاءت – أيضا – على لسان خبراء غربيين وتحدثت عنها مؤتمرات إسرائيلية. ففي مقال له بصحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية مؤخرا تحدث المؤلف والمؤرخ الأمريكي ذو الأصول اليهودية "دانيال بايبس" عن الفوائد التي يجنيها الغرب من الصراع "السني – الشيعي". وقال بايبس، مؤسس ومدير "منتدى الشرق الأوسط " بالولاياتالمتحدةالأمريكية، في مقاله إن: "دخول فرع واحد من الإسلام في حالة حرب مع فرع آخر لبضع سنوات - أو عقود - أفضل كثيرا بالنسبة للغرب.. سقوط ضحايا من المدنيين في حلب أو حمص (السوريتين) هو مأساتهم و لا يورطنا ذلك أخلاقيا.. وربما يفيدنا استراتيجيا، فعلى الأقل هو يؤدي إلى إعادة توجيه الطاقات الجهادية بعيدا عن الغرب". وانتقد "بايبس" ما أشار إليه الكاتب الأمريكي "بريت ستيفنس" من التأثيرات السلبية على الغرب التي خلفتها الحرب العراقية - الإيرانية (1980- 1988)، ومن بينها تأثيرات اقتصادية سلبية، وأخرى ذات بعد أخلاقي. وقال إن "ستيفنس ركز على عيوب طفيفة نسبيا من الحرب بين العراقوإيران، بينما الواقع إذا نظرنا من منظور أوسع نجده قد جلب الفائدة الرئيسية وهي إضعاف كل من القوتين"، أي العراقوإيران. وخلص بايبس من ذلك إلى القول أن الحرب الدائرة الآن في سوريا، بين مجموعة "سنية متطرفة"، ضد "الشيعة المتطرفة"، على حد وصفه، أضعف حكومات إيرانوسوريا، وأضرت بحزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين، وأدى إلى تعثر حكومة حزب العدالة والتنمية لأول مره منذ عشر سنوات في تركيا، وهذا ما يريده الغرب، على حد قوله. وقد اتفق تحليل "بايبس" للفائدة الغربية من الصراع السني – الشيعي، مع ما دعا إليه مؤخرا مؤتمر "هرتسيليا"، وهو المؤتمر الاستراتيجي السنوي الأهم في إسرائيل، حيث يجمع بين جنباته نخبة من العسكريين والأمنيين والسياسيين والباحثين الاستراتيجيين والأكاديميين لمناقشة أبرز التحديات التي توجه إسرائيل. وقال الكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة، في مقال له بجريدة "العرب" القطرية يوم 17 إبريل/نيسان الماضي، إن المؤتمر أوصى بالعمل على تأجيج الصراع السني – الشيعي في العالم العربي، واعتبر أن ذلك يصب في مصلحة إسرائيل. وأردف الزعاترة بقوله إن "الأمر لا يحتاج أصلاً إلى توصية، إذ إن عملية التأجيج تتصاعد على قدم وساق من قبل قوى عديدة في المنطقة، بصرف النظر عن طبيعة الحسابات التي تحرك كل طرف منها". ودخلت مصر أمس إلى منطقة الصراع السني – الشيعي من خلال قيام المئات من أهالي قرية "زاوية أبو مسلم " بمحافظة الجيزة (جنوبالقاهرة) بمحاصرة منزل تجمعت فيه قيادات شيعية ،وقتل أربعة منهم، وبذلك تصبح هي الدولة السابعة في المنطقة التي تشهد مثل هذه الصراعات. وتشهد لبنان توترات طائفية ومذهبية منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أكثر من عامين حيث يدعم حزب الله الشيعي وحلفاؤه الرئيس بشار الأسد ، بينما يؤيد اللبنانيون السنة الإطاحة بالأسد. وشهدت مدينتي طرابلس (شمال) وصيدا (جنوبلبنان) معارك دموية بين مسلحين شيعة وسنة، أحدثها تلك التي تمكن الجيش اللبناني من السيطرة عليها مساء أول أمس. وتعيش الدولة الثالثة وهي العراق على فوهة بركان الصراع السني – الشيعي، الذي ثار في مدينة سامراء العراقية عام 2006 إثر تفجير مرقدي إمامين للشيعة، ليطلق أسوأ أعمال عنف طائفية بين السنة والشيعة في العراق. ويعاني العراق من توابع هذا البركان من حين إلى آخر، ومرشح أن تشهد الأيام المقبلة المزيد من التوابع على خلفية الأحداث في سوريا المجاورة. وقال وزير النقل العراقى (شيعي)، هادي العامرى، يوم الجمعة الماضي إن "آلاف الشيعة في العراق وخارجه سيحملون السلاح فى وجه وحوش تنظيم القاعدة في سوريا إذا تعرض الشيعة أو أضرحتهم لهجوم جديد". وفي الدولة الرابعة، وهي سوريا، تبدو الأمور أكثر تأزما، إذ عقد تدخل حزب الله الشيعي في الصراع الدائر هناك لصالح الأسد العلوي، من الأمور، بمنحها طابعا طائفيا، وتصويرها على أنها صراع بين السنة والشيعة. وتشهد الدولة الخامسة، وهي اليمن، اضطرابات سببها صراعات سنية - شيعية تنطلق من محافظة صعدا شمالي البلاد، حيث تتمركز جماعة الحوثي الشيعية المسلحة. نفس الأمر في المنطقة الشرقية بالسعودية، وفي البحرين التي تشهد من حين إلى آخر احتجاجات تقودها المعارضة الشيعية ضد نظامين سنيين حاكمين.