هناك لبس غير قليليلفّ علاقة الدولة بالهوية، وهو ما نتوخى، في هذه المقالة، رفعه وتبديده بتحديد وتوضيح طبيعة هذه العلاقة. إذا كانت الأرضهي التي تحدد هوية الشعب الذي يعيش فيها وينتمي إليها، وإذا كانت هذه الأرض، كما هو معروف، ركنا ماديا لوجود الدولة التي تحكم هذا الشعب، فالنتيجة أن هوية هذه الدولة تابعة لهوية هذه الأرض ونابعة منها، عاكسة لها وناطقة باسمها. وبالتالي فلا يمكن تصور هوية الدولة مختلفةً عن هوية الأرض التي تنتمي إليها وتسود عليها هذه الدولة إلا في حالة الاستعمار، حيث تكون الدولة المستعمِرة (بكسر الميم) أجنبية عن الأرض التي تحتلها وتستعمرها. وبما أنه لا توجد دولة بلا أرض تسود عليها وتنتمي إليها، فإن الأرض والهوية والدولة مفاهيم تشكّل، في ما يخص هوية الشعوب، وحدةً لا يمكن الفصل بين عناصرها الثلاثة لأنها، كلها، تعبير عن مفهوم الأرض التي تمنح هويتها لكل من الشعب والدولة التي تمثّل ذلك الشعب في تلك الأرض. ولهذا فإن موضوع الهويةلا علاقة له بهوية الأفراد بالمفهوم السيكولوجي والفلسفي، ولا بهوية الجماعات بمفهوم الانتماء العرقي، ولا بهوية المنطقة بمفهوم الوحدة الترابية للجهة... وإنما يتعلق الأمر بهوية الدولة التي تضم كل الأفراد وكل الجماعات وكل المناطق المنضوية كلها الأفراد والجماعات والمناطق تحت سيادتها السياسية والهوياتية. وهو ما يعني أن كل من يخضع لسلطة هذه الدولة فهو تابع بالضرورة لهويتها التي تستمدها من الأرض التي هي موطن للجميع (الأفراد والجماعات والمناطق)، باستثناء حالات تعدد الهويات وليس التعدد في الهوية الواحدة الذي لا وجود له ذات الحدود الترابية واللسنية الواضحة والمتمايزة داخل الدولة الواحدة، كما في إسبانيا وبلجيكا مثلا. إذن مفهوم الهوية، ولأنه مرتبط بالأرض ومستمد منها وتعبير عن الانتماء إليها، فهو لا ينفصل عن مفهوم الدولة التي لا وجود لها إلا بوجود أرض تنتمي إليها وتمارس عليها سيادتها باسم هذا الانتماء. فهوية الدولة إذن، هي العنوان الكبير المعبر عن هوية الأرض والوطن والشعب، والمرآة العاكسة لهذه الهوية. ولهذا نجد أن اسم الدولة، في غالبية الأحوال العادية، هو نفسه اسم الأرض التي تنتمي إليها هذه الدولة، والتي (الأرض) تعطي هذه الأخيرة هويتها التي هي بالتبعية هوية شعبها، مثل: الصين، الهند، فرنسا، اليابان، فيتنام، تركيا، أندونيسا، الدانمارك... إلخ. فموضوع الهوية، كما قلنا، لا يحيل إذن على أي مضمون سيكولوجي أو عرقي، بل هو ذو مضمون ترابي سياسي لارتباطه بالدولة التي تمارس سيادتها السياسية على أرضها باسم الانتماء إلى هذه الأرض، إلا في حالة الاستعمار كما سبقت الإشارة. ويترتب عن هذا الترابط بين الأرض والهوية والدولة أن لا معنى للمطالبة باستعادة الهوية الأمازيغية خارج المطالبة باستعادة السيادة الأمازيغية على الأرض الأمازيغية للمغرب، متمثّلة (السيادة) في دولة أمازيغية ذات سلطة أمازيغية. ونذكّر، بالنسبة للذين لم يتتبعوا كتاباتنا ومناقشاتنا حول مفهوم الهوية، أن الدولة الأمازيغية المعنية هنا، كما هو الشأن لدى جميع دول العالم، لا علاقة لها بأي محتوى عرقي وإثني، بل هي ذات مضمون ترابي يحيل على الأرض التي تنتمي إليها هذه الدولة، وتمارس عليها سيادتها باسم هذا الانتماء الترابي وليس العرقي. بناء على هذا المفهوم السياسي للهوية، المرتبط مباشرة بمفهوم الدولة، ندرك الطريق الخطأ الذي سارت فيه الحركة الأمازيغية منذ نشأتها، عندما ظلت دائما تطالب برد الاعتبار إلى الهوية الأمازيغية كلغة وكثقافة وكتاريخ وكاعتراف بالأمازيغيين وكعناية خاصة ب"المناطق" الأمازيغية...، لكن مع سكوتها عن المطالبة بدولة أمازيغية تكون هي الترجمة التامة لاستعادة الهوية الأمازيغية كاملة، ما دام أن المغرب أرض أمازيغية ينبغي، تبعا لذلك، أن تكون الدولة التي تسود على هذه الأرض أمازيغية، تتطابق (لنتذكر أن الهوية تعني المطابقة) هويتها مع هوية أرضها الأمازيغية التي تمارس عليها سيادتها باسم الانتماء إليها. ولهذا فإن إعادة تمزيغ السلطة السياسية بالمغرب، أي تمزيغ الحكم والدولة، هوياتيا وليس عرقيا، هو تصحيح لوضع شاذ، ومصالحة بين الأرض والسلطة، بين الشعب والدولة، حتى تكون تلك الدولة منتمية إلى ذلك الشعب، وذلك الشعب منتميا إلى تلك الدولة لاشتراكهما في نفس الهوية التي هي الهوية الأمازيغية للأرض الأمازيغية للمغرب. وغياب مطلب الدولة الأمازيغية، بمفهومها الترابي دائما، لدى الحركة الأمازيغية، يجعل كل مطالبها الأخرى ذات مضمون عرقي صراعي (أمازيغي/عربي، مناطق أمازيغية/مناطق عربية، لغة أمازيغية/لغة عربية، شعب أصلي/شعب وافد...) غير مفيد على مستوى الدفاع عن الهوية الأمازيغية كهوية للأرض الأمازيغية ولكل من ينتمي إلى هذه الأرض، بغض النظر عن أصوله العرقية والإثنية. هذا الموقف، للحركة الأمازيغية من مسألة الهوية، ناتج عن تبنيها للمفهوم العروبي للهوية، والذي لم تستطع هذه الحركة التخلص منه بعدُ، والذي هو مفهوم عرقي يربط الهوية بالنسب والأصل والدم. وهذا التوجه "العرقي" للحركة الأمازيغية، في فهمها للهوية الأمازيغية والدفاع عنها، هو ما يريده خصوم الأمازيغية، لأن ذلك يوفر لهم "الدليل" للقول بأن هذه الحركة حركة عنصرية تريد تقسيم المغرب إلى عرب وأمازيغ على أسس عرقية وإثنية. ولتصحيح هذا الطريق الخطأ الذي لا تزال الحركة الأمازيغية سائرة فيه، ينبغي الانتقال من المطالب التي تقوم على التقابل بين "الأمازيغي" و"العربي" داخل المغرب، إلى المطالبة بالدولة الأمازيغية ذات الهوية الأمازيغية المستمدة من الأرض الأمازيغية للمغرب، والتي يسكنها شعب بهوية أمازيغية تبعا لأرضه الأمازيغية بغض النظر عن الأصول العرقية لمكونات هذا الشعب، والتي هي أصلا مختلفة ومتنوعة فيها ما هو عربي ويهودي وفينيقي ورماني وأندلسي... بجانب ما هو أمازيغي.