تاريخ الملكيات الاسبانية يزخر بالكثير من البطولات بقدر ما يزخر بمراحل ميزها الانحطاط والتخلف وصراعات البلاط ، وتناسلت في مراحل الضعف والانحطاط قصص وروايات عن الأمراء والأميرات والملوك، بعضها تميز بسخرية ناقدة نقلت لنا وصفا دقيقا لما كانت تعيشه الممالك الاسبانية قببل توحيدها مع إيصابيل الكاثوليكية وبعدها إلى غاية نهوض الجمهورية الأولي. من ألمع ما عرفه الأدب الاسباني في علاقته بالملكية والنبلاء نجد كتاب "دونكيشوت دي لامنشا" Don Quijote de la Manchaوبعده صدرت العديد من الابداعات الأدبية التي اختارت حياة القصور موضوعها الدسم وبالخصوص مشاهد البدخ والعربدة والجنس التي تميزت بها حياة القصور في اسبانيا وارتبطت بشكل كبير بعائلة البوربون التي ينتمي إليها الملك خوان كارلوس الحالي. ليس بعيدا وفي عهد الجنرال فرانكو وفي عز قوته سنة 1965 أصدر الكاتب خوان رامون خيمينيث Juan Ramón Jiménez روايته الشعرية " أنا والحمار" ورغم أن دار النشر الكطلانية التي أشرفت على طبعها بدلت مجهودا في تقديمها كأدب مُوجه لجمهور الأطفال، إلا أن الرواية وباعتراف الكاتب نقلت بشكل ساخر مرارة العيش التي كان الشعب الاسباني غارقا فيها قبل الجمهورية وبعدها مقابل حياة القصور والنبلاء، وحفنة من المحظوظين والكنيسة المتربعة على سلطة التحريم والتفويض. تفنن الكاتب في نقل واقع الظلم والعدالة الانتقائية والاستغلال البشع للإنسان باسم الحاكم أحيانا، وبإسم الكنيسة أحيانا أخرى وبإسمهما في بعض الأحيان. لم تتوقف الاصدارات والابداعات التي اتخدت من السرد الساخر وسيلة لنقد السلطة ، واستمرت مع عودة الديموقراطية بشكل مكشوف ومباشر لكنها لم تختلف في عمقها عن سابقاتها وانتعشت مؤخرا مع الازمة الاقتصادية وانكشاف فضائح مدوية أبطالها أفراد العائلة الملكية من أمراء وأميرات وعلى رأسهم الملك خوان كارلوس. آخر ما زخرت به المكتبة الاسبانية كتاب يحمل عنوان " التاريخ الماجن للملكيات الإسبانية"(2012) Historia Golfa de las Monarquías Hispánicas ويجمع فيه الكاتب والباحث دييغو مدرانوDiego Medrano بأسلوب قصصي مُمتع حكايات المجون والفساد الأخلاقي والعربدة المفرطة للملوك الذين تعاقبوا على اسبانيا الموحدة وقبلها، الكتاب يسرد بادق التفاصيل اختلاط المال بالسياسة والجنس والعربدة في قصور المملكة وكيف أن بعض الملوك لم يمارس من السلطة سوى التوقيع والمصادقة على قرارات البطانة والكنيسة، ومن الحالات الساخرة أن أحد الملوك قضى فترة اعتلائه العرش التي لم تتعدى خمسة أيام يُضاجع نساء القصر دون انقطاع إلى أن وافته المنية. أفرد الكاتب فصلا كاملا لفضائح عائلة البوربون منذ اعتلائها العرش، وبعد تنحيتها وعودتها بعد وفاة الديكتاتور فرانكو، والحقيقة أن أبرزها وأكثرها قوة ليس المتعلق بفضائح علاقات ملوك البوربون وأمرائهم بالنساء وسهرات العربدة والمجون بقدر ماهي فضائح استغلال النفود وتهريب الأموال التي أججت سخط المواطنين وأحرجت الحكومة اليمينية الغارقة في تدبير الأزمة الخانقة التي تعصف باسبانيا. آخر الفضائح التي دوت بقوة وتصدرت منابر الاعلام الاسباني والدولي بطلها اليوم الدوق أوندانغرينUndagarin زوج الأميرة كريستينا La Infanta Cristinaوالمتهم بتهريب الأموال إلى البنوك السويسرية والاستيلاء على 6ملايين أورو من أموال عمومية عبر مؤسسات غير حكومية أسسها ويديرها الدوق بمعية زوجته، هذه الفضيحة التي توافقت مع تداعيات الأزمة يعتبرها بعض المحللين والمتخصصين في الملكية الاسبانية بمثابة الضربة التي قصمت ضهر البعير، ورغم محاولة الحكومة واللوبيات الملكية تلافي جر الأميرة والملك إلى المحاكم، كل المؤشرات تؤكد أن أخف الأضرار سيكون تجنيب الملك دهاليز القضاء وإنقاد الملكية من تداعيات هذا الملف. بعض المنابر الالكترونية نقلت عن مصادر قريبة من الأمير فيليبي El Príncipe Felipe ولي العهد قوله خلال سجال مع الملكة عن زوج أخته الأميرة كريستينا الدوق أونداغارين" ليت أختي كانت بطلة قصة " الأميرة والوحش" بدل أن تكون بطلة قصة " الأميرة والحمار"، هذا الذي سيجر علينا ما كنا في غنى عنه". بعيدا عن السطحية والأحكام المجانية في حق الأنظمة الملكية التي أثبت بعضها ملائمته للديموقراطية ، ومنها ملكية خوان كارلوس الأول الذي كان له دورا أساسيا في الانتقال إلى ديموقراطية تسمح اليوم بانتقاده ومحاكمة أفراد من عائلته، وبعيدا عن أي ربط بليد بين الملكية والفساد، المؤكد اليوم أن الازمة المالية وأخطاء بعض أفراد العائلة الملكية تضع الملكية الاسبانية أمام امتحان الاندماج النهائي في النظام الديموقراطي، وخضوعها لميكانيزمات الرقابة التي تخضع لها النخبة السياسية دون تمييز، أو الانتحار من جديد وإعادة تجربة العودة إلى النظام الجمهوري باستفتاء شعبي. الملكية الاسبانية مطالبة بالاصطفاف مع مثيلاتها الأوروبية لضمان الاستمرار، وربما تفاقم الأحداث وتواترها واستمرار تناسل حلقات الفضائح ستدفع بالملك خوان كارلوس إلى قرار تاريخي يُعيد للملكية مكانتها في لحظات عصيبة من تاريخ اسبانيا، ويُنتظر أن يكون هذا القرار التنازل عن العرش لصالح ولي عهده.