لكي تكره نفسك وتخجل من الانتماء إلى هذا الوطن الحزين ، يكفي أن تشاهد مقطعا صغيرا من مقاطع الفيدو التي يظهر فيها سكان سيدي إفني هذه الأيام على موقع "يوتوب" وهم يتعرضون للصفع والركل والشتم والسلخ على أيدي وأرجل زبانية الشرقي الضريس وحميدو العنيكري وحسني بنسليمان ، تماما كما يفعل الجزارون بالذبائح في المجازر . "" مقاطع الفيديو هاته تجعل الانسان يشعر بالحنق ، ويشعر بالغضب ، ويشعر بتأنيب الضمير وهو يرى مواطنيه يتعرضون في تلك المدينة البئيسة التي كانت في عهد الاستعمار بؤرة للمقاومة الشرسة والكفاح لكل أنواع الاضطهاد دون أن يستطيع أن يفعل شيئا في حقهم . تلك المشاهد المريعة ، التي ستظل وصمة عار على جبين الدولة المغربية ، كافية كي تجعل الذين ما زالوا يعتقدون بأن المغرب قد قطع كل صلاته مع ماضيه الرهيب الذي كان الجمر والرصاص الحي من سماته البارزة يعيدون مراجعة أوراقهم من الصفحة الأولى ، ويغيرون رأيهم بمائة وثمانين درجة تجاه التشاؤم . فالذين يتخيلون أن المغرب يعيش عهدا جديدا هم بكل تأكيد واهمون ، فليس هناك أي فرق بين مغرب السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، ومغرب السنة الثامنة من القرن الواحد والعشرين . بالعربية تاعرابت ليس هناك أي فرق بين مغرب الحسن الثاني ومغرب محمد السادس ، كلشي بحال بحال ، ذهب ملك وجاء ملك ، وبقي المغرب كما هو منذ أن حصل على الاستقلال .
وقد يكون الفرق الوحيد بينهما هو أن الجرائم التي كانت تحدث في الماضي يتم تغليفها بسرية تامة ، ولا تصل أصداؤها إلى الرأي العام إلا في نطاق محدود ، بينما جرائم العهد الحالي يشاهدها القاصي والداني ، ويتفرج عليها العالم أجمع ، حتى أن كثيرا من المغاربة أصبحوا يعتبرون هذه الجرائم شيئا عاديا ، مثلها مثل حوادث السير التي تحصد أربعة آلاف قتيل كل عام على طرق المملكة . فما دام الجميع مقتنع بأن المخزن يستطيع أن يفعل ما يشاء بدون رادع وبلا خوف ، وما دام أن مثل هذه الانتهاكات تتكرر بشكل متسلسل ، دون أن نسمع عن تقديم ولو مسؤول واحد إلى المحاكمة ، فإن الناس أصبحوا يعتبرون هذه الانتهاكات الصارخة التي يقوم بها المخزن الجبار في حق المواطنين العزل شيئا عاديا جدا . بإمكان البوليس أن يقتلوا أي مواطن على قارعة الطريق أو داخل مفوضية الشرطة ، وبإمكان قوات الأمن أن تكسر عظام وأضلع المعطلين أمام البرلمان ، مثلما تستطيع أن تسلخ مواطنين وترسلهم إلى المستشفيات عندما يخرجون في مظاهرة سلمية وتنهب بيوتهم وممتلكاتهم ، ومع ذلك لا يمكن أن تسمع عن تقديم مدير الأمن الوطني أو الدرك أو القوات المساعدة أو وزير الداخلية للمساءلة أمام البرلمان ، فأحرى أن يتم تقديمهم أمام القاضي في المحكمة .
خطورة هذا "التطبيع" مع انتهاك حرمة المواطن المغربي من طرف المخزن تتجلى أيضا في كون منظمات الدفاع عن حقوق الانسان ابتلعت ألسنتها ولم يعد أحد يسمع صوتها في الآونة الأخيرة . هذا إذا افترضنا أنها لم تنضو تحت لواء المخزن .
ولعلكم تذكرون ذلك التقرير الغريب الذي قدمته السيدة أمينة بوعياش التي تترأس "المنظمة المغربية لحقوق الانسان" ، عقب أحداث سيدي إفني الأولى ، والذي يقول بأنه لم تقع أي انتهاكات لحقوق الانسان في تلك الأحداث المؤلمة ، ولم يبق لها سوى أن تقول بأنه لم تقع أصلا أي أحداث ، كما قال عباس الفاسي في شوهته التلفزيونية الشهيرة .
وربما تكون السيدة بوعياش التي من المفروض فيها أن تكون بجانب مواطني سيدي إفني وليس بجانب المخزن تعمل بمنطق البوليس ، الذين عندما تتصل بهم لأمر طاريء يسألونك أولا إن كان هناك دم أم لا ، فهؤلاء لا يمكنهم أن يتدخلوا لإنقاذ أي مواطن إلا إذا سالت دماؤه على قارعة الطريق أو في أي مكان آخر ، أما إذا لم تسل الدماء فالأمر لا يستدعي تدخلهم ، هذا بالنسبة للي عندو الزهر وجاو يعتقوه .
ورغم أنهم أسالوا كثيرا من دماء أبناء وبنات سيدي إفني قبل اشهر ، إلا أن السيدة بوعياش لم تر في ذلك أي انتهاك لحرمة وحقوق الانسان التي تتدعي أنها تدافع عنها ، رغم أن أشرطة "يوتوب" ستبقى شاهدة مدى التاريخ على تلك الانتهاكات الصارخة التي تحدث في مغرب محمد السادس . فهل سننتظر إلى أن تسقط أرواح كما حدث في الدارالبيضاء في بداية الثمانينات من القرن الماضي وفاس وغيرها من المدن المغربية التي تعرضت للاضطهاد وإبادة الناس بالرصاص الحي كي تتأكد السيدة بوعياش وغيرها من الذين يستهينون بما وقع ويقع في سيدي إفني بأن هناك فعلا انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان المغربي في بداية القرن الواحد والعشرين ؟ إيوا طفرناه يلا بقينا عوالين على هادو .
بصراحة لقد بدأ اليأس يدب في نفسي منذ مدة ، فقد حاولت كغيري من المغاربة أن أمني النفس بأن بلدنا سائرفي التقدم نحو الأمام ، لكني ومنذ انقضاء أولى سنوات "العهد الجديد" أصبحت أجزم بأن بلدنا يسير فعلا بوتيرة سريعة ، ليس إلى الأمام كما كنا نتمنى ، بل إلى الخلف . المصيبة أن هذه الطريق التي يسير عليها بلدنا لا تؤدي فقط إلى الوراء بل إلى الهاوية . غير الله يستر وصافي .
وعندما نرى مثلا كيف أن رئيس الوزراء الاسباني ثاباثيرو قطع عطلته السنوية على الفور وعاد إلى مكتبه في مقر الحكومة بالعاصمة مدريد بمجرد سماعه لنبأ سقوط طائرة اسبانية ، في الوقت الذي لم يقطع فيه محمد السادس عطلته الطويلة قبل أشهر عندما كانت مدينة سيدي إفني تحترق ويحترق أبناؤها بالرصاص في أحداثها الأولى ، سنكتشف أن المغاربة حقا ليس لهم سوى الله ، وقد صدق المحامي السويسري مومبريز الذي يدافع عن الخادم المغربي الذي اعتدى عليه ابن معمر القذافي عندما قال بأنه لم يسبق له أن رأى دولة لا تهتم بمواطنيها مثل المغرب . والله العظيم يلا عندو الحق !
وإذا كان المخزن يتعامل معنا كالذباب ، ويتخذ أجساد كل من تسول له نفسه التظاهر في الشارع العام لوحات لتدريب زبانيته من قوات الأمن على الرماية بالرصاص الحي ، وإفراغ ساديتهم بكل حرية ، وتأتي "المنظمات" التي تدعي أنها تدافع عن حقوق الانسان لتقول بأن وضعية حقوق الانسان المغربي بخير وعلى ألف خير ، ونرى كيف أن اللجنة التي شكلها البرلمان من أجل التقصي في أحداث سيدي إفني لم تقم بأي شيء ، ولا نسمع أي صوت لأحزاب المعارضة ، فمن حقنا إذن أن نيأس ونخاف ونقنط من مستقبلنا المجهول .
فالانتهاكات الصارخة التي تتعرض لها كرامة سكان سيدي إفني قد تنتقل عدواها في أي لحظة إلى مدن مغربية أخرى ، فليست هناك أي مدينة تتمتع بمناعة ضد انتهاكات المخزن ، فالمخرن واحد ، وتعليماته واحدة ، وزبانيته رهن الاشارة دائما لتنفيذ هذه التعليمات الجهنمية في أي مكان وزمان .
المصيبة العظمى هي أنه لا يوجد اليوم على الساحة من يدافع عنا ، بل يمكن أن نقول بأن الذين ذاقوا جمر سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كانوا أحسن حظا منا ، فقد كان في ذلك الوقت البعيد أحزاب حقيقية ومنظمات ونقابات تدافع عن المواطنين بشراسة ، أما اليوم فقد رفع كل هؤلاء راية الاستسلام ، واستطاع المخزن أن يحتوي أغلب معارضيه بعدما منحهم مناصب سامية في هرم الدولة . وبالتالي أصبح صدر المواطن عاريا أمام فوهة مدفع المخزن المرعب ، لذلك يجدر بنا أن نخاف ونردد اللطيف ، ونضع أيدينا على قلوبنا في انتظار الأسوأ الذي لا شك أنه قادم .