لئن بدا العنوان أعلاه حاملا لحُكم قيمي، فليس معناه التحامل على المعارضة الحكومية، والتساهل مع أغلبيتها، فإن "كل إناء بالذي فيه ينضح" ، ولكل "عُجَره وبُجَره "؛ بل المقصود هو تحديد موقع المعارضة الحزبية من المشهد السياسي الراهن، وما عليها من الإشكالات الفكرية و السياسية والاجتماعية. و هذا يُدرك بتحليل الباحثين في الحقل السياسي المغربي تفكيراً و تنظيراً، لا بتأويل المشتغلين بالسياسة تدبيراً و تبريراً . وإنَّ نظرة ًعَجْلى إلى ما كُتب عن الأزمة التي تعتري الحكومة و ائتلافها المتصدع، بفعل القرار موقوف التنفيذ لانسحاب حزب الاستقلال من الحكومة ، تثير أكثر من سؤال عن موقع وموقف المعارضة من الأحداث المتواترة والمتوترة في الحياة السياسية المغربية . إذ من الواضح أنها غيرقادرة على تفسيرها فضلا عن تغييرها. و هذا ما يعزوه البعض إلى ضعف الأداء السياسي للمعارضة ، رغم تخويل الدستور لها صلاحيات أقوى و أوسع لمساءلة الحكومة ، و الذي يبقى أهمها ، ملتمس الرقابة الذي بموجبه قد تُنحي الحكومة . لكن يبدوأن ذلك بعيد المنال ، لاختلاف مكونات المعارضة ، وتضارب مواقفها السياسية ، فكل يغرد في سربه ، و كل يستعمل لغته الخاصة ، بحزبيته الضيقة ، التي يعوزها الحس السياسي ، والقيم الديمقراطية ، وروح المواطنة . لا مِرَاءَ إذن في أَنَّ من سمات المعارضة الحزبية في المغرب، انقسامها إلى أحزاب مختلفة في إيديولوجيتها السياسية . فمِنْ أحزابٍ تسمى بالاشتراكية، ويندرج هنا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و حزب العمال ، و الحزب الإشتراكي ؛ وأخرى توسم بالليبرالية ، وتضم أحزاب الأصالة و المعاصرة ،و التجمع الوطني للأحرار، و الاتحاد الدستوري ؛ وثالثة لا إلى هذه ولا إلى تلك ؛ فلا جَرَمَ ليس لها رؤية سياسية واحدة . ولعل هذا التصنيف لأحزاب المعارضة، هو من قبيل التحليل النظري، أكثر مما هو من السلوك السياسي للأحزاب المذكورة، و التي قد تكون " اشتراكية شعبية " ، وسلوكها ليبرالي فرداني متوحش ؛ وقد تكون " ليبرالية ديمقراطية " ، وسلوكها أوليغارشي فاسد مُتفاحش . وما قيل عن أحزاب المعارضة ينسحب أيضا على أحزاب الأغلبية . فهل يعني ذلك أَنَّ " لعبة السياسة " لا وفاء لها ! ؟ . ومهما يكن ، فإن سلوك المعارضة بالنظر إلى الأزمة السياسية للحكومة الحالية، يشير إلى نزوع حزبي مُوغِلٍ في الحزبية ، أَوْ قُلْ إنه عبارة عن " حزبوية" لا فرق بينها وبين ما يُرمى به رئيس الحكومة من "شعبوية!" . والأمثلة على هذه "الحزبوية" أكثر من أَنْ تحْصَى . ذلك أن الأحزاب المعارِضة ذات النزوع الاشتراكي اختزلت معارضتها في استقطاب البقية الباقية من " الرفاق " في أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و حزب العمال ، و الحزب الإشتراكي، عسى أن تعيد إنتاج نضالها المُستهلك فكريا و سياسيا واجتماعيا ؛ ومن غير أن تستوعب قانون الجدل الهيجلي، ولا الدرس الماركسي عن بؤس السياسة . والنتيجة : معارضةٌ مسكونة بالماضي، ومُسْتكِنة للحاضر. وأما الأحزاب المعارضة ذات النزوع الليبرالي، فإنها انخرطت في المعارضة كرها لا طوعا ، لا لشيء إلا لأنها لم تظفر بالأغلبية الحكومية ، فليست معارضتها مبنية على قرار استراتيجي، أوثقافة نضالية ، بل هي مجرد تدبير تكتيكي في انتظار تولي السلطة، ولا شيء سواها . وهكذا فقد عبر حزب الأصالة و المعاصرة، عن أنه غير معني بما يتعلق بانسحاب شباط من الحكومة، وأنه يراهن على انتخابات 2016 ، لقيادة الحكومة . وكذا حزب التجمع الوطني للأحرار ، الذي أبدى رغبته في الوصول إلى قيادة الحكومة المقبلة ، رافضا إمكان حلوله محل حزب الاستقلال . أما بالنسبة إلى الاتحاد الدستوري ، فقد اكتفى برفضه القيام بدور عجلة الانقاذ . كل هذا إن دل على شيء ، فإنما يدل على الحزبوية التي تحرك سلوك الأحزاب المعارضة للسياسة الحكومية ؛ إِذ لا شيء فوق الحزب، وكل شيء بالحزب وللحزب . فإنْ سألت عن وظيفتها الرقابية ، وعن توظيفها للوسائل الدستورية المتاحة لها ، وعن بدائلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ لم يكن خطابها إلا شعارات، وأضغاث أحلام مُتَلَبِّسَة بعبارات طنانة وفضفاضة عن الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان...!! . وإنْ سألت عن مدى تمثيلها لنَاخبيها ، وتعبيرها عن آلامهم وآمالهم ، لم تجد إلا مصلحة حزبية لا علاقة لها بالوعود الانتخابية ، ولا بالديمقراطية الشعبية ، وكأنَّ وظيفة الشعب أَنْ يُساق سوقا إلى المشاركة الانتخابية، وأن ينساق انسياقا للسياسة الحكومية الفوقية والحزبية . وليس هذا من المعارضة في شيء . بل المعارضة بالمواطن : أَنْ تُعبر عنه، وأن تنافِح عنه، وأن تُقْلِق وتُؤرِقَ الحكومة من أجله ، لا أنْ تتقاعس ناكصة على عقبيها ، ناكسة رأسها أمام رئيس الحكومة في الجلسة الشهرية بالبرلمان، لأسباب تقنية راجعة إلى توزيع المدد الزمنية بينهما . فما أوْهَاهَا إذن من أسباب..! . ويا بؤس للمعارضة إن كان هذا تفكيرها وتدبيرها ..! .فبماذا نعالج جميع ذلك ؟ ليس الاعتبار بأن توجد معارضة حكومية ) وكذا الأغلبية ( نص عليها الدستور، وإنما العبرة في وجود معارضة " مواطنة " معبرة عن المواطن لا عن الحزب أو النقابة أو الطائفة ، وذلك إن كان مفهوما غائبا عن الوعي السياسي المغربي: لغياب مفهوم المواطن " دافع الضرائب " ، وغياب مفهوم الحكومة " الخادمة " للمواطن ؛ فإنه سبيل لا محيص عنه لتأسيس علاقة إيجابية بين المواطن والحكومة بأغلبيتها ومعارضتها، مبناها على "عقد تشاركي " يحدد حقوق وواجبات الطرفين، فإنه بقدر ما تأخذ من الحقوق يُنْقَص لك من الواجبات . أفلا يكون من الغبن الفاحش ألا يأخذ المواطن حقوقه بسبب مناكفات و مماحكات الأغلبية والمعارضة ؟ . أليس الحق في الكرامة والصحة والتعليم والشغل والسكن...أولى بالرعاية الحكومية ؟ . وماذا تغنينا الحكومة بأغلبيتها ومعارضتها إن ضاعت مهمات الواجبات، وضرورات الحقوق ؟ . ومَنْ يعارض مَنْ : آ المعارضة تعارض الحكومة أم الحكومة تعارض المعارضة ؟ ... فهكذا ينبغي أن يعاد النظر في مفهوم المعارضة ، بما يجعلها قمينة بتمثيل المواطن ، والدفاع عن حقوقه ، وقادرة على مراقبة الحكومة ومحاسبتها ،ومستعدة لكشف " حسابها" للمواطن ؛ وعندئذ يمكن أن تستبدل بُؤسها السياسي ، ببَأس ٍ إنجازي ناهض بأسباب التنمية الشاملة . وناهيك بذلك معارضة ً .