1- إذا كنتَ تبحث عن وصفة جاهزة تصنع منك مذيعا لامعا فلا تقرأ هذه الخواطر. لن تجد، وإن أعدت قراءة هذه الوريقات مئات المرات، تقنيات معلبة، ولا قواعدد ذهبية، ولا منهجيات صارمة يكفي أن تستلهم منها لتصير إذاعيا لا يشق لك غبار !.. الأمر أعمق من ذلك وأدق ! العمل الإذاعي، بالمعنى الذي أكتب، ليس أصواتا عبر الأثير فحسب، ولا مضامين تعالج معالجة إذاعية فقط، ولا مواد "إعلامية" تحترم معايير المهنية وأخلاقيات المهنة !.. إنه المذيع قبل ذلك وبعده ! إنه أنت خلف الميكروفون. 2- يسعى كل مذيع، أثناء وضع المخطط الإذاعي، إلى إنتاج برنامج جماهيري يحقق له، وللمحطة الإذاعية، الشهرة والانتشار. وهو يستحضر، أثناء كل ذلك، رؤية محطته الإذاعية وأهدافها الكبرى. لكن ذلك لا يكفي. لا يكفي.. لأن المحطة الإذاعية، وإن أجهدت النفس، لا تستطيع أن تضع أهدافا صغرى – هكذا أسميها – لكل برنامج على حدة. أعني أن مسؤوليتها أن تسطر الغايات الكبرى والضوابط العامة. واجتهاد المذيع، هنا، أن يبدع، على ضوء تلك الأهداف الكبرى، أهدافا صغرى لبرنامجه قبل أن يعمد إلى "أجرأتها" في قالب إذاعي جميل. 3- ولا يعفي ذاك التقسيم الكبير لأهداف المنتوج الإذاعي (إلى إخباري وترفيهي وتربوي) المذيع من مسؤوليته. ما أسهل أن أسمي برنامجي (اضحك والعب) ثم أصنفه في خانة البرامج لأقول بعد ذلك في الجنيريك إن هدف برنامجي الترفيه الصرف وقضاء أوقات ممتعة رفقة المستمعين ! (ألا تبدو العملية معكوسة، بل وفاقدة للمعنى !). ولا يغرك بعده تفاعل المستمعين مع برنامج ولد بهذا الشكل. لأنه ولد ميتا. أصاب روح العمل الإذاعي في مقتل. أعرف انه حكم قاس. وقد يبدو مستفزا، ولكن طموحي إثارة النقاش وتحريك السواكن، لا إصدار الأحكام جزافا. -4 ليس قصدي أن أدعو المذيعين إلى التفكير من داخل قوالب جامدة، ولا كبت عقولهم عن إبداع برامجهم بالشكل الذي يرونه مناسبا ولا القول إن اختيار العنوان يتأخر، كرونولوجيا، عن تسطير أهدافه. كلا، إن الذي أريد أن أخلص إليه، بكلمة، أن لحظة ولادة فكرة برنامج إذاعي (لحظة ممتعة حقا ومضنية في الآن ذاته). وهي جديرة بأن يوليها المذيع حقها.. ذلك لأن مخاض خروج فكرة برنامجه إلى النور لا يمكن أن يتوج بمولود "سليم وجميل" ما لم يكن نتاج مخاض من نوع آخر يعيشه كل يوم مع نفسه ومع الناس.. وإذا صارت العملية الإبداعية بهذا الشكل حققت هدفها الكبير: أن تقدم خدمة إذاعية تحترم ذكاء المستمعين ومشاعرهم، وتدفعهم إلى اتخاذ مواقف إيجابية في حياتهم، وتعزز تماسكهم الاجتماعي وإحساسهم بالانتماء إلى الوطن ورغبتهم في العيش المشترك. 5- وهنا، أكون قد سحبت خيوط خاطرتي الإذاعية إلى الفكرة المحورية التي أضع تحتها خطا أحمر: (الخلفية التنموية). أقصد، دون حاجة إلى الخوض في التفاصيل، أن البرنامج الإذاعي ينبغي أن يفتل في حبل المجهود التنموي الوطني وأن يدفع في اتجاه حشد الطاقات والتعبئة الشاملة لمعانقة أحلام التنمية الكبرى. وهذه الخلفية التي يصدر عنها المُنتِج الإذاعي هي الخيط الناظم الذي ينبغي أن ينتظم كل البرامج الإذاعية التي ينتجها. إنها وعي شخصي، قبل أي شيء، يمارسه المذيع بعيدا عن أي ضغط أو إكراه، أو حتى "التزام" حرفي بالضوابط العامة للمحطة الإذاعية. (نكمل في مكتوب قادم).