رأى الباحث والمحلل الاقتصادِي، عمر الكتانِي، فِي قراءته للجوءِ البنكِ المغربي للتجارة الخارجيَّة، لمالكه رجال الأعمال، عُثمان بنجلُّون، فِي خطوةٍ اضطراريَّة، إلى اقتراضِ 500 مليُون دُولار، وفقَ ما أعلنَ عنه أمسِ، فِي بلاغ رسمي، أنَّ العمليَّة دليلٌ آخر على أنَّ المغربَ يعيشُ أزمةً ماليَّة، وأنَّهُ منذُ السبعينات لم يستطع معالجة إشكال اللجوء فِي كل مرة إلى القروض الخارجية، بحيث إنَّ من المأساة أن بلداً غنياً مثل المغرب لا يستطيع أن يعيش فِي مستواه الإنتاجي الذِي لا يلبِّي حاجياته، مما يحيلُ إلى إشكاليَّة بنيويَّة، وحالةٌ مرضيَّة لم يكن ليتمكن المغرب من التخلص منها. وعن الأسباب التِي تثوِي وراء عجز المغرب عن حلِّ إشكاليَّة اللجوء، من حين إلى آخر، إلى الاقتراض من السوق الدوليَّة، أوردَ الأكاديميُّ المغربي، فِي اتصالٍ مع هسبريس، أنَّ المغرب يعيش فوق مستواه بتبذيره للمال، زيادةً على ضعف الإنتاجية، وهروب الأدمغَة التِي من شأنهَا أن تدفع بالوضع الاقتصادِي قدُماً، مما يطرحُ اكثر من علامات استفهام حولَ ما ستؤولُ إليه الأمور فِي حال دخل المغربُ مسلسلاً جديداً من الرجوع إلى المديونية، الذِي يهددُ مستقبلاً بفقدان ما تبقَى من السيَادة الاقتصاديَّة، "وأنَا أعِي قولِي ما تبقَى" يوضحُ الكتانِي، مستطرداً "لقد فقدنَا المبادرة الاقتصاديَّة فِي المغرب، وضربنا جزءً من السيادة الاقتصاديَّة، ونعمل الآن على تكريسِ فقدان ما تبقَّى من السيادة الاقتصاديَّة، التِي يسفرُ فقدانهَا عن تأثرِ سيادة البلد على باقِي الأصعدة. وعمَّا إذَا كانَ المبلغُ الذِي أعلن البنكُ المغربي للتجارة عن اعتزامه الخروج لاقتراضه، رقماً فلكياً، أردفَ الدكتور الكتاني أنَّ المبلغ ليس كبيراً بحجمه، وليسَ بالمعطى الأهم فِي عملية الاقتراض، وإنمَا هو أنَّ المغرب يضطر اليوم للتراجع عن سياسة الاستقلاليَّة الاقتصادية، التي من شأنها أن تبوئَ المغربَ مكاناً بين الدول المنطلقَة الاقتصاديَّة، لأنَّ قرض أمس ليس الأول من نوعه، فإذا كان رصيد المغرب من العملة الصعبة قد تراجع كثيراً وأضحى في حاجة إلى المعالجة، فمعنَى ذلك أضحينَا نؤدي ثمن العجز التجاري، بعدما بلغ 50 بالمائة تقريباً، فيما انخفضت عائدات المغرب من الصادرات، وفِي غضون ذلك، عزَا الباحث تفاقم العجز التجاري إلى عدم تطور المنتوج المغربي، فِي خضم التحديات العالميَّة، بحيث أنَّ الأرقام تفيدُ على سبيل المثال، أنَّ 70 في المائة من براءات الاختراع لم تعدْ تسجل في أوربا وأمريكا على السواء، وإنمَا فِي دول آسيوية؛ هي الصين وكوريا الجنوبية واليابان، مما يجعلنا نتساءلُ حول موقعنا في العالم، وقد أصبحنا دون أفق، بالرغم من توفر العالم العربي على طاقات كبيرة جداً. وبشأن قول الBMCEفي بيانه إنَّ خطوة الاقتراض تأتِي في سياق مساعٍ ترومُ تنويع الموارد القارة والرفع من السيولَة وكذَا تمكين البنك من مواكبة برامج التنميَة، أوضح الكتانِي أنَّ الأمر لا يعدُو كونه خطاباً لتهدئَة الشعور بالألم، أمام الوضعيَّة الاقتصاديَّة والماليَّة الحرجَة التِي يجتازهَا المغرب، بحين أنهُ ليسَ من شأن تلك الكلمات الرقيقة أن تغرنا، بعدما اختيرت بطريقة دقيقة جدا، لأنَّ عملية الاقتراض بمثابة جرح مغربي نازف، على إثر عجز البلاد عن تحقيق الاستقلالية المالية لخسمة وثلاثين مليوناً من السكان، لا يمثلون عبءً كبيراً بالنظر إلى قلة العدد مقارنَةً بدول أخرَى لها ساكنة بأعداد هائلة. كمَا أنَّ خطاب بنك "بنجلُّون" يسعَى وفقَ المتحدث ذاته، إلى طمأنَة الرأي العام، ونفيِ أيِّ تراجع عن المكتسبات التِي تمَّ تحقيقها، رغم وجود تراجع حقيقي فِي أرض الواقع. وعمَّا إذا لم يكن هناك داعٍ للتوجس، ونحنَ إزَاء خطوةٍ أقدمت عليها مؤسسة بنكيَّة، قال الكتانِي إنَّ البنك ليسَ إلَّا وسيطا، لأنَّ المغرب فِي الواقع هو الذِي يقترضُ، ولوْ عبرَ بنكٍ مغربيٍّ خاص، لأنَّ الاقتصاد المغربي هوَ الذِي يعاني في ظل عدم التمكن من تغطية عجز التجارة الخارجيَّة، لأنَّ آخر حل يمكن اللجوءُ إليه هو الاقتراض. وعلى صعيدٍ آخر، شددَ الكتانِي على أنَّ من التغرير بالمواطن ومغالطته القول بأنَّ القروض تمنحُ للمغرب، لكونهِ ذَا مصداقيَة في السوق الخارجيَّة، بحيث أن اعتماد الاقتصاد الوطنِي على المديونيَّة يخلف انطباعاً سلبياً فِي الخارج، ولا يخلفُ ذاك الاطمئنان، الذِي يتحدث عنه المغرب كلما اضطر إلى الاقتراض لاحتواء عجزه.