الحديث عن ديون المغرب أو بالأحرى المديونية، كإشكالية مرتبطة أساسا بفشل الحكومات المتعاقبة، منذ 1998، إلى اليوم في تدبير المالية العمومية، وارتهان السياسة الاقتصادية لهذه الحكومات وصولا إلى الحكومة الحالية، ل "هاجس الحفاظ الصارم على استقرار المؤشرات الاقتصادية الكبرى، المتعلقة أساسا بنسب عجز الميزانية والتضخم والمديونية" يظل حديثا ذا شجون، وسببا في التحذير من السير في هذا الاتجاه الخطير، الذي اختارته حكومتنا "الموقرة"، دون تفكير عميق وتمحيص وتأن مطلوب، من أجل مواجهة شبح الأزمة الجاثم على صدر اقتصادنا الوطني منذ سنة 2008. فوعود الحكومة ب "تجاوز الأزمة"، في زمن قياسي، تبخرت مع أول اختبار لها في تدبير الملف المالي والاقتصادي، وبالتالي انخفض وقع خطابها الحماسي والشعبوي، وتحولت بقدرة قادر إلى حكومة تصريف أعمال لا إلى حكومة تملك رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، وإرادة حقيقية لمعالجة إشكالية المديونية من جذورها، والبحث عن بدائل وحلول واستراتيجيات أو برامج كفيلة بإيقاف نزيف الأزمة وطوفان الاقتراض. فهي اليوم تتهرب من الشبح ومن مواجهة المعضلة بالهروب إلى الأمام عن طريق مزيد من الاقتراض، والسير بالبلاد نحو الهاوية، بسرعة لا يعادلها إلا تسرعها في اتخاذ قرارات مرتجلة، كقرارات الاقتراض من الخارج، أثبتت السنوات الثلاث الماضية أنها قرارات تنذر بكارثة وطنية، لا قدر الله، في مناخ عالمي لا زالت تخيم عليه أجواء الأزمة الاقتصادية، برغم تراجع أسعار النفط، لأسباب سياسية وجيو- إستراتيجية وأخرى اقتصادية ومالية. وكما كان قرار وقف عدد من الاستثمارات في قطاعات حكومية حساسة، قد شكل ناقوس خطر حقيقي على مستقبل اقتصادنا الوطني في ظل ضغوط المؤسسات الدولية من أجل تسريع ما يسمى ب " عجلة الإصلاح"، فإن قرار الرفع من وتيرة الاقتراض من الخارج على يد الحكومة الحالية ينذر بما هو أسوأ، ويضع مستقبل البلاد على كف عفريت. إن مسألة المديونية اليوم لا تمثل فقط إشكالية عميقة وشائكة نتيجة فشل السياسة الحكومية الحالية في التخفيف من الحاجة إلى المؤسسات المالية الدولية، وعجزها عن وضع بدائل وحلول من شأنها إنعاش الاقتصاد الوطني ماليا واستثماريا، بل خطرا محدقا على القرار الاقتصادي السيادي للبلاد، وتكريس التبعية للخارج، وهوما ترفضه كل القوى الوطنية والديمقراطية الغيورة على سيادة واستقلال المغرب. فعلى عكس ما كانت تبشر به عدة تقارير ،مؤخرا ،من أن سنة 2015 ستكون "سنة اقتصادية استثنائية" بفضل تراجع أسعار النفط على الصعيد العالمي، خرج معهد "ماكنزي" الأمريكي للدراسات ليؤكد في تقريره الجديد العكس، ويحذر المغرب من "ارتفاع ديونه العمومية منها والخاصة، وخطورة هذا الارتفاع على اقتصاد البلاد"، ويضعه بالتالي في صدارة الدول الإفريقية والعربية من حيث حجم الديون مقارنة بالناتج الداخلي الخام. وبغض النظر عن كل الأرقام والمعطيات التي كشف عنها هذا التقرير والتي تجعل المغرب ضمن الدول الأكثر استدانة في العالم، يمكن القول إن من بين أهم الأسباب في ذلك هي المقاربة الفاشلة التي نهجتها الحكومة حتى الآن في جعل الاستدانة أو الاقتراض من الخارج، عنصرا أساسيا في سياستها المالية، لمواجهة الظرفية الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وذلك بطرق كل الأبواب الممكنة من دول مختلفة ومؤسسات مالية كثيرة من أجل الاقتراض والاستدانة لملء الخزينة المستنزفة، ووقف نزيف المالية العمومية، ولتحصل بذلك على تمويلات مختلفة الشكل والحجم، أدخلت اقتصادنا الوطني في دوامة مديونية مرتفعة، حيث إن كل سنة نشهد تزايدا كبيرا لمؤشرات الاقتراض من الخارج. إننا نتساءل اليوم كقوى سياسية وفاعلين اقتصاديين واجتماعيين ومؤسسات ومواطنين حول مآل الاقتصاد المغربي في ظل هذا التمادي غير المبرر للحكومة في الاستدانة والاقتراض، وكأنه لا حل سوى رهن سيادة البلاد المالية والاقتصادية لدى المؤسسات الدولية لمعالجة الخلل المزمن في هيكلة الميزانية، والذي لم تجد الحكومة سبيلا لمواجهته سوى اللجوء إلى أسهل الحلول والخيارات، غير عابئة بالنتائج الكارثية التي ستعود على اقتصادنا الوطني من فرط المديونية، وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر جمة لعل أبرزها خطر تدهور التنقيط السيادي للمغرب وفقدانه لقراره الاقتصادي السيادي، بعد أن ضاهت قروض ثلاث سنوات قروض 10 سنوات أو أكثر.