أول حاسة تنشط لدى الإنسان ساعة ولادته هي حاسة السمع،،، والسمع مدخل واسع إلى عقل الإنسان وإدراكه، وفي عملي الإذاعي، أدركت بالملموس أن التواصل مع الناس عبر هذه الحاسة العجيبة قد يكون أرقى الوسائل للوصول إلى الأفئدة ومخاطبة الوجدان. ولعل أحد مظاهر تخلف مجتمعاتنا المسلمة العربية هي تغييب هذه الحاسة كملكة وكمهارة، فجميعنا نسمع، وجميعنا له أذنان، ولكن،،، ليس لجميعنا القدرة على الإنصات بمهارة، فهذه ميزة القادرين منا على الفهم، ولا يصير الإنسان عالما أو مثقفا دون أن يكون قد استمع كثيرا لتتكون لديه الخلفية المعرفية والقدرة على تلقي الخطاب بشكل واضح غير مشوب بالصور النمطية والأحكام المسبقة!!! لقد استوحيت هذا المدخل لمقالتي من مجموع نقاشات مع أناس من مشارب فكرية ومذهبية مختلفة، وكل مرة كنت أخرج مندهشا من قدرتنا على الاسترسال في الكلام، دون أن نمنح نفسنا فرصة الاستماع إلى ما يقوله الآخرون، نقاشاتنا أصبحت نوعا من أنواع المصارعة والمغالبة، يسعى كل طرف فيها إلى إفحام الآخر وإسكات صوته، وركنه في زاوية المخطئ، هذا إن لم يتحول النقاش إلى تبادل لتحف الكلام السوقي ودرر الشتائم، على شريعة "الاتجاه المعاكس" أو كما يسميه أحد أصدقائي الظرفاء "إنا عكسنا". الأمر كما يقول الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي: لو تبعت الدخان إلى مصدره، وصلت إلى غليون القيصر. فعلا،،، ما هي النماذج التي يقدمها بعض قادة الرأي والفكر ورجال الدين والقادة؟ هؤلاء الذين يجب أن يشكلوا نماذج في مثل هذه القيم، ويستمعون للجميع قدر ما يتحدثون أو أكثر!!! حتى المعلم في القسم وهو مربي قبل أن يكون معلما، هل يمنح نفسه فرصة الاستماع إلى تلاميذه؟ وهل يفعل الأب والأم في البيت ذات الشيئ؟؟ قال لي أحد المحترمين وهو يحاورني ما معناه "لماذا تستشهد بفلان وفلان، وهم عندنا ليسوا أهل ثقة حتى لو كان الحق معك لأعرضنا عنه لأنه ليس من عند أهله" إن مثل هذا الكلام هو نتاج لعقلية "لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"، هكذا نطق فرعون في قومه، وهكذا هو لسان حال بعضنا، وننسى النماذج القرءانية الرائعة في الحوار والاستماع إلى الآخر، وأخذ الفائدة من كل الناس على اختلافهم، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إبليس وهو من هو عصيانا وكرها لصلاح الناس "صدق وهو كذوب"!!! لقد صدقه الرسول في نصحه لأبو هريرة بقراءة آية الكرسي إن أوى إلى فراشه، لم يمنعه أن يأخذ بها علمه بشره وكذبه، ولكن الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها. وفي القرءان نموذج يدهشني لرقيه في ثقافة الحوار والاستماع إلى الآخر حين يقول الباري عز وجل: قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون. لاحظوا معي هذا المقطع الراقي الذي يتقبل التهمة بصدر رحب ليرد عليها بأدب جم وبهدوء : قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون،،، وقبلها في ذات السياق وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين،،، هذا تمثيل واقعي لمعنى آية أخرى : وجادلهم بالتي هي أحسن أتسائل فقط!!! ألا يقرأ بعضنا القرءان؟؟؟ هل يمرون بمثل هذه الآيات مرور الكرام؟؟؟ إن ديننا الحنيف هو أدعى الأديان بالاستماع ورحابة الصدر أمام المخالفين، ولكننا ننسى، وكأننا لا ننطرب إلا بالاستماع إلى ذواتنا، كصارخ في فراغ الجبال يطربه الصدى. وأخيرا أريد أن أسوق عبارة للدكتور طارق سعيد رمضان أستاذ علوم الإسلام الذي يقول : il n y a rien de plus islamique que l'esprit critique دعونا نستمع للآخرين، ونقبل الاختلاف، فهذا أكثر تلائما مع طبيعة ديننا الحنيف، وأدعى إلى خروجنا من التبعية لمن لسان حالم مازال يردد قول فرعون،،، ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد. www.facebook.com/sydkan