شرعت إحدى الصحف الجزائرية منذ أيام خلت في نشر ملف حول "حرب الرمال" بين المغرب والجزائر، من خلال سرد شهادات مجموعة من الجنود الجزائريين الذين شاركوا في المعارك خلال 1963، تُظهر المغرب بالبلد المخادع الذي طعن الجزائر في الظهر. وبالاطلاع على الحلقات المنشورة تباعا في ذات الصحيفة المحسوبة على صناع القرار في الجزائر، والتي اختارت لذلك توقيتا يتسم بعدد من المتغيرات من قبيل الوضعية الداخلية للبلاد بعد مرض الرئيس بوتفليقة، وفتح وزارة الدفاع لآلاف الشباب للالتحاق بأسلاك التجنيد، يتأكد للقارئ توجه نحو إبراز الطابع الملحمي لحرب الرمال، من خلال التركيز على قدرة الجيش الجزائري على مواجهة نظيره المغربي حينها. وجاء في إحدى حلقات ملف حرب الرمال، في الجريدة ذاتها، شهادة لأحد الضباط الجزائريين قال فيها إن "الجنود المغاربة كانوا شبابا صغار السن، وليسوا متعودين على "التمرميد" مثل عناصرنا التي تفوقت عليهم بالتدريب في الجبال، لذلك كانت الصحاري سهلة بالنسبة لنا ومكشوفة"، وأردف: "لقد كنا نمسك بهم كالطيور في فخاخ محكمة..". وادعت الصحيفة ذاتها، بأن "حرب الرمال أشعل فتيلها الملك الراحل الحسن الثاني، حيث إن النظام المغربي "أراد التوسع على حساب دولة شقيقة، في وقت كانت فيه الدولة الجزائرية الفتية لم تلملم جراح الفترة الاستعمارية وحرب التحرير الدامية" على حد تعبير الصحيفة المقربة من جهاز المخابرات الجزائرية. ادعاء الملاحم العسكرية غير بريء الدكتور خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة وجدة، قال في تصريحات لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن الحديث اليوم بهذه الملحمية هو "كلام ليس بريئا"، وسعي البعض من الجنرالات لبلقنة المنطقة في حال حدوث اضطرابات داخلية بالجزائر، شيء لا يخرج عن البدائل المطروحة في الجزائر اليوم". وأكد الخبير بقضايا الصحراء بأن "تهييج الشعب الجزائري ضد أخيه المغربي عملية حقيرة وجبانة ويائسة لثني الشعوب عن السعي للحرية والديمقراطية، وبناء أوطان مزدهرة، واتحاد مغاربي كبير ناجح ومتضامن ومتكامل". واسترسل شيات بأن "الذي يتحدث عن حرب بين إخوة أريقت فيها دماء، وكان لها أثر نفسي مؤثر في العلاقات بين المغرب والجزائر بهذه الملحمية يجب أن يراجع نفسه، وأن يراجع التاريخ أيضا"، مشيرا إلى أنه لهذه القضية "أبعاد إستراتيجية كما له أبعاد سياسية". ومن الناحية الإستراتيجية، يضيف شيات، كان تفوق المغرب عسكريا أمرا طبيعيا، ولا داعي لصناعة الملاحم البطولية للجزائر، لأن المغرب كان قد هيكل جيشه قبل سنوات، والجزائر كانت قد خرجت لتوها من الاستعمار، ولم تعتمد إلا على حرب العصابات التي أراد بومدين أن يطبقها مع المغرب في حرب نظامية". وأفاد المحلل بأن "النتيجة كانت أن المغرب الذي ضاق ذرعا بتوسع الجزائر في أراضيه الشرقية، أو تحريضهم ضد السلطة المركزية لقلب "نظام رجعي" حسب الأدبيات السائدة آنذاك، كان ملزما بالرد على الجزائر في محطات كثيرة قبل الحرب، وأثناء الحرب لم تكن أمام المغرب سوى أقل من 12 كلم للوصول لتندوف مثلا". واسترسل "الحديث عن الأسرى المغاربة من طرف الجزائر صحيح، لكنه في الجانب الجزائري كان أفدح وعددهم أكبر، والذي تحكم في المعركة حينئذ ليس الجانب الاستراتيجي العسكري، وإنما البعد السياسي". ويشرح المتحدث بالقول "المغرب الذي كان حليفا للولايات المتحدة وفرنسا أساسا واجه انتقادات كبيرة من القوى "الثورية" العالمية، وصلت إلى حد انخراط مباشر في الحرب من طرف كوبا، التي قطع المغرب معها علاقاته الدبلوماسية آذاك، أو الاتحاد السوفيتي والعديد من الدول الإفريقية، ومثل المغرب طرفا مستقويا على دولة خارجة من الاستعمار، وهذا ما عبر عنه بومدين بقولته الشهيرة "حكرونا"، والاحتقار الذي تحدث عنه آنذاك يكفي للذين يتحدثون عن البطولة اليوم" يختم شيات حديثه لهسبريس. صور متنوعة لعسكر الجزائر في قبضة الجيش المغربي أثناء حرب الرمال (من منتدىFAR-MAROC )