منذ ان تاسس حزب العدالة والتنمية وهو يعمل - حسب ما يقول- تحت شعار: "ان اريد الا الاصلاح ما استطعت" (وهو نفس شعار حركة التوحيد والاصلاح)..وكل خطابات الامين العام للحزب ورئيس الحكومة الحالية عبد الاله بنكيران تمضي في هذا الاتجاه..ومعنى الاصلاح- حسب فهمي- هو تغيير الواقع من السيء الى الحسن او من الحسن الى الاحسن او في اسوأ الاحوال التقليل من الفساد ومحاصرة المفسدين..لكن وبعد مضي ما يقرب من عامين على تولي حزب العدالة والتنمية مسؤولية "الحكم" (وأضع كلمة الحكم بين مزدوجتين لان الصلاحيات منقوصة وفق الدستور الجديد ولان الحزب ليس وحده في الحكومة) فاننا لم نلمس ،كمواطنين او مراقبين،اي تقدم في هذا المنحى.. فكل اشكال الفساد ما زالت تمسك بمفاصل الدولة والمجتمع..اما "التماسيح" و"العفاريت" الذين ما فتئ عبد الاله بنكيران يتحدث عنهم فاننا لم نر منهم احدا امام القضاء او احدهم يستسلم للاصلاح او يتراجع عن الفساد..اليس عامان من تولي السلطة - حتى ولو منقوصة- قمينة بالكشف عن هؤلاء التماسيح والعفاريت ؟؟ انه السؤال الذي ننتظر من رئيس الحكومة ان يجيب عنه بدل توجيه اصبع الاتهام الى مجهولين ..واني لاتساءل وربما معي الكثيرون: هل بنكيران العاجز عن فحص ميزانية مهرجان "موازين" وتهذيبه قادر على اصلاح هياكل البلد الاكثر تعقيدا ؟؟ ان استمرار هذا المهرجان بهذا الشكل يسيء الى كثير من المغاربة حتى لا اقول كلهم(الاف منهم يشجعونه بمشاركتهم في سهراته) كما يسيء الى حزب العدالة والتنمية والحكومة التي يقودها وهو الذي لطالما انتقد هذا المهرجان وبقوة في البرلمان.. مهرجان"موازين" بين المخزن و بنكيران... كم هي قريبة كلمة"موازين" من كلمتي "العام زين" التي تذكرنا بايام التحكم في عهد ادريس البصري وحقبة صناعة الكذب في بلاد المغرب..لذلك جاء مهرجان "موازين" كعنوان لمغرب "الشطيح والرديح" وترويج "ثقافة" بعينها ..بل ان المهرجان غطى سوأته باسم جميل هو "مغرب الثقافات"(!!!؟) ..فهل يجوز لهذا المهرجان ان يختصرثقافات العالم العظيمة في رقصة او غنوة ..وهل من الثقافة ان نلقي بمثقفي المغرب(خاصة من هم خارج العاصمة) الى حافة التهميش والقهر والفقر في وقت نبذر فيه المليارات تبذيرا في مهرجان واحد، تذهب كلها الى جيوب مغنيات ومغنين بعضهم من الشواذ ؟؟!! مثلا ، المغنية وتني هوستن تقاضت في دورة سابقة من المهرجان (حسب الارقام المعلنة اما ما خفي فهو اعظم) مبلغ 750 مليون سنتيم. والمغنية شاكيرا 650 مليون سنتيم تقريبا ، وحصد من الميزانية كل من ستيفي ووندر وستينغ 500 مليون سنتيم لكل واحد منهما ،دون ان نذكر البقية..بينما كشف منظمو المهرجان أن تكلفته هذه السنة تصل إلى حوالي 6 ملايير سنتيم.. انه سخاء ما بعده سخاء..ولو صرفت ميزانية دورة واحدة من هذا المهرجان المبتذل لشغّلت المئات من العاطلين او لَأَسَّسَت مصنعا كبيرا كل سنة..اعرف ان بعض الممسوخين والمنسلخين من جلدهم سيقول : وما العيب في الغناء ونشر الفرح بين الجماهير؟؟ سيقول ذلك، لانه ببساطة لا يستوعب عما نتحدث عنه..ومتى كانت "الدندنة" ومعها البطن "يطنطن"بالجوع والفاقة..(؟؟!!) . ولأَنَّ حديثي ليس موجها الى هذه الطبقة ، بقدر ما هو موجه مباشرة لرئيس الحكومة فانني اسال بنكيران: لماذا لا تخرج عن صمتك ،وتعلن موقفك إزاء المهرجان مثلما كان فريق حزبك في قبة البرلمان يستنكر ويعلي صوته لما كان في المعارضة؟؟هل كون المهرجان تحت رعاية الملك هو ما يحرجك؟؟ هل كون المهرجان وراءه جهات لها علاقة بالقصر وذات نفوذ كبير هو ما يمنعك؟؟ ام انك تخاف من ان تهتز ثقة الملك فيك وفي حزبك اذا ما اتخذت موقفا ثابتا على مبادئ حزبك؟؟ اذا كنت لا تقدر على وقف ولو مهزلة مثل "موازين" او على الاقل تهذيبه ، فكيف نصدق انك ستقتلع التماسيح من نهر النيل..المغاربة مستعدون لاعطائك الوقت الكافي للاصلاح ،لكنه ليس وقتا مفتوحا ..وانت تعلم ان الانسان خلق عجولا..ويستعجل رؤية تحقيق جزء من الوعود الانتخابية في حياته..والشخص العادي لا يهمه التوازنات الماكروقتصادية..والحفاظ على استمرارية الدولة ومصداقيتها امام صندوق النقد الدولي..ان الاهم عنده ان يلمس التنمية على ارض الواقع ،وان يغني في بيته بعد ان يشبع بطنه،لا ان يشاهد الرقص والغناء بكافة لغات العالم في تلفزته العمومية التي تمتص جيبه بينما هو ينام على حصير من الدوم وربما لم يجد رغيف يومه.. بنكيران يخطب امام مناضلي العدالة والتنمية ،وكل مرة يفعل ذلك الا ويذكرهم بان المواقع تتغير والمناصب لا تساوي جناح بعوضة اذا كانت على حساب مصلحة البلاد والعباد..وانه ،ووزراء حزبه، هذا ديدنهم الى ان يحكم عليهم الشعب عبر صناديق الاقتراع..بنكيران يؤمن بما يقول،لا شك في ذلك،انما ترجمة هذا الكلام على ارض الواقع ،من خلال جرعات من الجراة السياسية والحزم في الموقف، هو ما يخونه حتى الان..واعتقد ان سياسته المبنية على التدرج ومراعاة "خواطر" القوى النافذة هو ما سيجعل بنكيران دائما مترددا ،دائما متخوفا على نجاح فترة رئاسته الحكومة..وهذا وربي لن يؤدي الى تغيير حقيقي كما كان الجميع يتمناه.. ربما ليس عيبا ان تكون الحكومة عاجزة عن فعل شيء من هذا(لقوة النافذين الاخرين) ،لكن العيب ان تغطي عيبها بالصمت او التبرير الواهي ..وليس معقولا ان نجلد جماهير واسعة من هذا الشعب بسهرات مهرجان "موازين" تحديدا ،حيث تنقلها مباشرة ثلاث قنوات عمومية ممولة من الشعب..فليس هناك مهرجان يحظى بهذه التغطية المريبة ..في المقابل، الا تستحق مهرجانات اخرى في مدن عدة نقلها مباشرة على شاشات التلفزات العمومية..ولماذا لا ننقل مباشرة بعض المؤتمرات المهمة جدا او الندوات العلمية والثقافية المفيدة (من باب "مغرب الثقافات") كما نفعل مع "موازين".. بنكيران،وهو يراس هذه الحكومة ، مسؤول امام الله اولا ثم امام الشعب عن وقف مهرجان السخافات، وللقصر حظه الاوفر، لرعايته مهرجانا من هذا القبيل حيث يثير جدلا واسعا لا سيما ان المغرب يعيش ازمة اقتصادية خانقة..اما الذين يدافعون عن المهرجان من ابناء الشعب ويتدافعون عند ابواب فضاءاته ،فهؤلاء ،او كثير منهم، ضحية تضليل اعلامي وغسيل دماغ تمارسها قنواتنا الرسمية وغير الرسمية ، في غياب دور المؤسسات التربوية الفاعلة والقويمة.. في الدول التي تحترم نفسها وتقدر شعوبها ،نصادف مهرجانات غناء او مباريات رياضية كبيرة يخصص ريعها لمحاربة ظاهرة سلبية معينة او اعانة جهة ما..وليت ميزانية سخية مثل ميزانية "موازين" تخصص لتشجيع الفنانين والمثقفين المغاربة من مختلف التخصصات والاهتمامات..وليت عائدات مهرجان "موازين" ،ان كان ولابد ان يستمر ، تذهب لمساعدة القرى المعزولة في جبال الاطلس والريف، او اخواننا السوريين اللاجئين بسبب بطش نظامهم ،او دعم المقدسيين في القدسالمحتلة (من خلال بيت القدس)..ليت الامر كذلك ..لكن هيهات هيهات..ليست تلك اهداف منظميه ،ولا حتى تاتي على بالهم.. * صحفي مغربي في المهجر