ذهب الباحث في علم الاجتماع الدكتور عمر إبوركي، في مقال خص به هسبريس، إلى أن أغلب ردود الأفعال التي واكبت واقعة خضوع أحد أساتذة مادة التاريخ في نيابة انزكان للتحقيق من طرف لجنة تفتيشية من وزارة التربية الوطنية، بسبب نص تاريخي ورد في كتاب مدرسي مُعد للتلاميذ يهم دور القائد العيادي الموالي لفرنسا في مواجهة المقاومة، ابتعدت أي ردود الأفعال عن الحوار العلمي الهادف. وأورد مؤلف كتاب "الظاهرة القائدية بالمغرب"، بأن " القائد تواجد إلى جانب الحاكم الفرنسي طيلة فترة الحماية، ولم تعرف هذه العلاقة تحولا إلا عندما نفي محمد الخامس، حيث انقسمت مواقف القواد، وهنا كانت القطيعة بين القائد العيادي والإدارة الفرنسية، لأنه تمسك بشرعية السلطان، وتعرض للعزل والنفي إلى فرنسا، والإقامة الجبرية بالدارالبيضاء". وكان أستاذ مادة أستاذ الاجتماعيات بثانوية حمان الفطواكي التأهيلية بنيابة انزكان أيت ملول قد خضع قبل أيام خلت للتحقيق من طرف لجنة تفتيشية تابعة لوزارة التربية الوطنية حول معلومات تاريخية وَرَدَت في الكتاب المدرسي الموجَّه لأولى باكلوريا اقتصاد التابع للسلك الثانوي التأهيلي، وصف خلالها الأستاذ أثناء شرحه القايد العيادي، وهو قايد قبائل الرحامنة آنذاك، ب" خائن الوطن". وفيما يلي نص مقال عمر إبوركي: ****** أثار نص تاريخي للعلامة المختار السوسي مجموعة من المواقف حول دور القائد العيادي الرحماني في مرحلة التدخل الفرنسي. وقد استحالت هذه المواقف إلى انفعالات، وردود أفعال نأت بنفسها عن الحوار العلمي الرصين، وتبنت أحكام قيمة متناقضة. ومساهمة في توضيح مجموعة من المعطيات والحقائق التاريخية، أرى لزاما علي أن أساهم بالتوضيحات التالية: فالحديث عن القياد ودورهم في تاريخ المغرب، عرف كتابات عديدة في الدراسات الاستعمارية كما في الأبحاث الأكاديمية بعد الاستقلال. وكل الكتابات سواء الأجنبية منها أو الوطنية أبرزت مساهمة جل القواد في تيسير مهمة الفرنسيين،لأن القائد المغربي كان جزءا من التنظيم الإداري المخزني، والذي استعمله ليوطي في ما سمي بسياسة القواد الكبار حيث لعب هؤلاء دورا أساسيا في عملية "التهدئة". ولأن وثيقة الحماية تؤكد على أن مهمة فرنسا هي إرساء التقدم الاقتصادي لكون النظم والأعراف العتيقة عاجزة عن ذلك، جاءت سياسة ليوطي لإنجاز عمليات الإصلاح والتقدم، وكان هذا تبريرا للسيطرة الاستعمارية على المغرب، والتي لقيت مقاومة قبلية في كل المناطق المغربية. إن القائد المغربي يستمد شرعيته من مؤسسة المخزن وعلى رأسها السلطان، وإن كان يتطلع إلى القيادة بدافع القبيلة، لكنها لا تكتمل إلا بالحصول على ظهير تعيينه. وهكذا لم يكن القايد العيادي خارج هذا السياق التنظيمي والتاريخي، بل بقي وفيا لسلاطين المغرب منذ أن تسلم ظهير تعيينه من السلطان مولاي عبد الحفيظ ضمن قواد الرحامنة سنة 1909م إلى أن اعتزل القيادة مع فترة الاستقلال.(كانت وفاته في يناير1964). ولم ينحصر دور القائد المغربي في علاقته بالإدارة الاستعمارية في مرحلة التدخل فقط، بل كان يمارس سلطته بالتوازي مع ممثلي الإدارة الفرنسية من مراقبين مدنيين،وضباط الشؤون الأهلية طيلة فترة الحماية. وقد تواجد القائد إلى جانب الحاكم الفرنسي طيلة فترة الحماية، ولم تعرف هذه العلاقة تحولا إلا في الخمسينيات من القرن العشرين، وبالضبط عندما نفي محمد الخامس، حينها انقسمت مواقف القواد، وهنا كانت القطيعة بين القائد العيادي و الإدارة الفرنسية، لأنه تمسك بشرعية السلطان، ونتيجة لذلك تعرض للعزل والنفي إلى فرنسا، والإقامة الجبرية بمدينة الدارالبيضاء. وصف ووثق بدقة المختار السوسي في مؤلفه المعسول الأحداث التاريخية ،وفصل في تطور هذه الأحداث، وبين مواقف قواد الحوز قبل وبعد التدخل الفرنسي إلى منطقة مراكش بموضوعية،ولم يقف عند موقف واحد معزول عن سياقه التاريخي. وما يبرز موضوعيته أنه كان صديقا للقايد العيادي، وكان تأثيره عليه واضحا أثمر بناء مجموعة من المساجد، ومدارس قرآنية استجلب لها أساتذة من منطقة سوس لنشر العلوم اللغوية والدينية بمنطقة الرحامنة. تلك باختصار هي طبيعة العلاقة التي جمعت جل القواد مع إدارة الحماية الفرنسية، والتي عرفت مدا وجزرا، وهذه حقائق لا يمكن التعالي عنها، وتؤكدها الوثائق والروايات، والكتابات، أما علاقة القائد بالقبيلة،فقد تناولناها بتفصيل، وحللنا الظاهرة القائدية بكل تجلياتها وتمظهراتها في المجتمع المغربي بما لها وما عليها. وبعد هذا العرض الوجيز،أصل الى الاستنتاجات التالية: * أن قراءة النصوص التاريخية لا ينبغي أن تعزل عن السياق التاريخي العام،ولا بد من وضع مسافة مع الحدث حتى نتجنب أحكام القيمة التي يكون مصدرها الانفعال الذاتي،أو المواقف المذهبية والأيديولوجية،والتي تتقدم معها القناعات السياسية،أو المذهبية كأنها حقائق علمية. * لا وجود لمعرفة بدون سلطة،ومن هنا يمكن الحديث عن معرفة استعمارية للمجتمع المغربي انطلقت من ثنائية: المخزن /السيبة،الشرع /العرف، السهل/الجبل ... وهي ثنائيات كانت أهدافها إبراز المجتمع المغربي في صورة مفككة وعتيقة ، يحتاج إلى قوى الاستعمار لتساعده على التقدم والتحديث والاندماج في النظام الرأسمالي. * وكرد فعل ضد الإنتاج الكولونيالي،برزت كتابات يغلب عليها الحماس الوطني، أنتجت مفاهيم جديدة مع فترة الاستقلال محاولة دحض المفاهيم الاستعمارية السابقة،فسقطت في تصنيفات ثنائية لا يمكن تبرئتها من طابعها الأيديولوجي،مثل : الحلال/الحرام،الوطني/الخائن، التقدمي/ الرجعي... * وفي كلا الحالتين تبقى هذه الكتابات بعيدة عن المنهج العلمي الموضوعي الذي يستقرئ الوقائع محاولة في الفهم والتفسير، والتي لم يتخلص منها البحث العلمي إلا بعد سنوات من التمرس بالمفاهيم والنظريات الاجتماعية والتاريخية المتطورة. * ومن هنا يمكن إعادة قراءة التاريخ الوطني بنوع من الهدوء العلمي وبطريقة تشكل قطيعة مع القراءات التي امتزجت بالحماس الذاتي، والرؤية المنفعلة. فالدراسات التاريخية والسوسيولوجية تفترض القراءة الموضوعية للأحداث والوقائع بعيدا عن أحكام القيمة، والمواقف التي من شأنها اختزال هذه الأحداث، وتصنيف الوقائع لتخلع عليها حالات من الغضب والانفعال.