في إحدى جلسات البرلمان المغربي وفي إطار رده عن أسئلة النواب حول محضر 20 يوليوز الذي سبق للحكومة السابقة توقيعه مع المعطلين قصد توظيفهم ، دعا السيد عبد الإله بن كيران أحد النواب إلى رفع دعوة قضائية ضد الحكومة من أجل البث في هذا الموضوع وفي حالة حكم المحكمة لصالحهم سيلتزم بتنفيذ القرار . وقد علل السيد عبد الإله بن كيران حينها رفضه لتوظيف المعطلين مباشرة بما فيهم أصحاب محضر 20 يولوز بكون ذلك مخالفا للقانون الذي صادق عليه البرلمان مؤكدا أن قرارات هذه الغرفة يجب أن تحترم وأن يكون النواب هم أول من يدافع عنها. وكم سال من المداد حول محضر 20 يوليوز بين من يدعو إلى حل هذا المشكل بلغة العقل والمنطق ومراعاة للظروف الاجتماعية والاقتصادية لهذه الفئة وكذا مراعاة أحوالها النفسية خاصة بعدما فرحت بقرار التوظيف ، وبين من كان يعترض على كل ذلك بلغة القانون والدستور حسب موقعه "رئيس الحكومة " وبين من كان يوظف الملف وآلام المعطلين في حسابات سياسوية وانتخابية ضيقة ، لا تزيد الوضع إلا تأزما. وأمام كل هذا وذاك كان المعطلين يعشون مرارة الفقر والتهميش وإكراه الحضور والنضال ، بين ضغط الأسرة و انتظاراتهم وبين ضيق العمر وطموحات الشباب حتى ضاقت بهم الأرض بما رحبت ، ولو تحثثنا حيات أغلبهم وهم يكابدون مشقة الحياة ويقطعون مسافات طويلة على الأرجل لحضور وقفة نضالية تختم فعاليتها غالبا بكرم المخزن الذي لا يرحم ولا يعرف شفقة لألف الرواة رويات عن آلامهم ومعاناتهم ، حتى أن البعض منهم بدأ يحكي أن كل شيء قد توقف في هذه الحياة. الآن ونحن أمام حكم المحكمة الإدارية القاضي بتوظيف هؤلاء الشباب الذين أمنوا بقضيتهم ، ولم يزدهم إصرار السيد رئيس الحكومة على تطبيق القانون إلا إصرارا على حل قضيتهم العادلة وتحقيق مطالبهم المعقولة ، وبما أنهم خبروا الصبر وسكن الأمل قلوبهم وتشربوا في عقولهم قيم حب الوطن والالتزام بالقانون أخذوا بنصيحة رئيس حكومة بلدهم لما دعاهم للجوء إلى القضاء من أجل ترسيخ دولة الحق والقانون فكانوا أهلا لهذه الثقافة والمبادئ .فهل ستكون سيدي الرئيس أهلا لوعد قطعته على نقسك أمام نواب الأمة وأمام الشعب المغربي. الحكومة الآن بين خيارات محدودة وواضحة المعالم في التعامل مع هذا القرار وهي ثلاث خيارات ممكنة : * فإما أن يتجاهل السيد رئيس الحكومة هذا القرار ويعتبره غير دستوري وبالتالي لا يكترث له ولا يعطيه أي أهمية باعتبار أن الدستور فوق كل القوانين والأحكام القضائية ، وأنه قرار يضرب مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في العمق ، وإن كنت أستبعد هذا الخيار من طرف رئيس الحكومة لأسباب عدة أهمها أن هذا الملف يشكل عائقا كبيرا. * أما الخيار الثاني فيكمن في استئناف الحكومة لهذا الحكم والطعن فيه بتقديم أدلة على بطلانه وعدم قانونيته ، ورغم أن هذا الخيار قانوني ومن حق الحكومة اللجوء إليه إلا أن عدد من قيادات حزب العدالة والتنمية لا تفضل ذلك و ترى أن يتم حل الملف في أسرع وقت لغلق أفواه المعارضين ومن كانوا يتاجرون بهذا الملف، ولأن الاستئناف ينظر إليه من طرف معطلي محضر 20 يوليوز انتقام من الرئيس وتحدي منه لهذه الفئة وقد يأتي بمفاجأة رفض الحكم وبالتالي سيكون كارثة على أصحاب المحضر بل وسيزيد من ألمهم وحقدهم على الحكومة ، وأنا لا أعتقد بأن السيد عبد الإله بن كيران لا يحب الحل لهذا الملف . * أما الخيار الثالث وهو القبول بالحكم و إصدار رئيس الحكومة قرار تعميمه على باقي معطلي محضر 20 يوليوز والبحث عن آليات تطبقه خاصة في الجانب المالي بل والإسراع في ذلك لأن الآن بحكم القانون ثبت أن هذه الفئة كانت مظلومة .هذا الخيار هو أفضل الحلول من عدة اعتبارات : * الاعتبار الإنساني بكونه سيحل مشكلة لعدد كبير من المعطلين الذين عانوا الفقر والحرمان منذ مدة على خلاف زملاء لهم الذين استفادوا من التوظيف المباشر والاستقرار النفسي والاجتماعي. * الاعتباري القانوني صدور هذا الحكم ضد الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة والالتزام بتطبيق فيه ترسيخ لدولة الحق والقانون ، وتثبيت لفصل السلطات وخاصة السلطة القضائية عن التنفيذية، لأن من قبل كان القضاء يصدر الأحكام في قضايا مثل هذه تحت تدخل أطراف في الدولة ويحسم لصالح الدولة أو أطراف معينة . * الاعتبار السياسي : هذا الحكم اعتبره بعض الكتاب على أنه ضربة قاضية للسيد بنكيران وانهزام لحكومته أمام الأطر المعطلة لكن المتأمل لهذا الموضوع بنظرة موضوعية لا يمكنه أن يخرج إلا بعكس ذلك ، خاصة إذا ابتعد عن توظيف خطاب سياسي ضيق من مثل أن شعبية بن كيران ستتراجع لأن السيد عبد الإله بن كيران لو كان يضع اعتبارا لذلك لما دخل أصلا غمار هذا البحر ولما التطم بأمواجه العاتية ، هذا الحكم وتطبيقه سيؤسس لبداية جديدة في العمل السياسي المغربي سواء للفئات المتضررة والتي ترى نفسها مظلومة وذلك باللجوء للقضاء من أجل إنصافها بعيدا عن الشارع ومتاعبه ، أو بالنسبة للحكومة من خلال قبولها بقرارات السلطة القضائية التي ستكون في الممارسات المستقبلية على أنها سلطة موازية وليس جهاز تابع تلتزم الحكومة بأحكامها بعيدة أن ثنائية الغالب والمغلوب لأن الحكومة الديمقراطية والمنتخبة في النهاية تعبير عن إرادة الشعب المغربي وليس خصم أو عدو.