يعيش معطلو "محضر 20 يوليوز" هذه الأيام على إيقاع سجال حول إمكانية رفع قضيتهم إلى المحكمة الإدارية حيث انقسموا ما بين مؤيد لهذا التوجه ومعارض له. فأما المؤيدون فإيمانا منهم بشرعية ودستورية محضرهم وبسلامته القانونية من مختلف النواحي فإنهم لا يخفون رغبتهم في إيداع ملفهم لدى المحكمة الإدارية إذا كانت ستتعاطى معه كما يقولون كخصم شريف يحترم حق المرتفق في الأمن القانوني . ولعل ما يحفزهم على تبني هذا الخيار الحكم الذي أصدرته مؤخرا المحكمة الإدارية بالرباط والذي قضى بإلغاء قرار سابق لوزير التربية الوطنية محمد الوفا والذي هم طرد الأساتذة الذين تم توظيفهم بشكل مباشر تنفيذا للمرسوم الوزاري الذي وقعه الوزير الأول السابق عباس الفاسي ، حيث حكمت المحكمة الإدارية بإرجاع أحد الأساتذة المطرودين إلى عمله . أما المعارضون لرفع دعوى قضائية إلى المحكمة الإدارية ، فيرون أن الفارق العددي بين المدعين في كلا القضيتين ينبغي أن يوضع في عين الإعتبار ، إذ من المعلوم أن عدد المدعين في قضية الأساتذة المطرودين ينحصر فقط حسب ما قيل في 46 أستاذا ،أما عدد المدعين المحتملين ممن يشملهم محضر 20 يوليوز فيفوق ذلك العدد بأضعاف مضاعفة ما قد يجعل من هذا المؤشر عاملا حاسما في التأثير على مسار القضية. ومن ثم فإن العديد من معطلي " محضر 20 يوليوز " لم يتوانوا في الإعراب عن تشكيكهم في نتائج هذا التوجه إذ يعتبرونه مجازفة قد تعصف بشكل رسمي بحقهم المشروع في التوظيف المباشر في أسلاك الوظيفة ، بل إن منهم من يحذرون من اتباع هذا المسلك الذي قد يستغرق زمنا طويلا ويعتبرون ذلك التوجه بمثابة إعلان عن شهادة وفاة محضرهم وإقبار لقضيتهم العادلة . ولعل موقف هؤلاء يستند على مبررين ، فأما الأول فهو أنهم لا يرون جدوى من رفع قضيتهم إلى المحكمة الإدارية ما دام رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران قد أفتى بعدم شرعية ودستورية محضرهم . وأما المبرر الثاني الذي يستند عليه هؤلاء فيكمن في عدم إيمانهم بجدوى تلك العملية ما دام السيد مصطفى الرميد وزير العدل والحريات قد أصدر تصريحا خلال إحدى خرجاته الإعلامية اعتبر في نظر العديد من المتتبعين بمثابة حكم مقر بعدم قانونية المحضر المذكور ، بل إن السيد الرميد تحدى من خلال ذات التصريح أساتذة القانون بأن يناظروه في الشرعية القانونية والدستورية لذلك الإلتزام الحكومي ويثبتوا له عكس ما ذهب إليه. ولعل تصريح السيد وزير العدل والحريات قد اعتبر في رأي معطلي "المحضر" المعارضين لرفع دعوى قضائية توجيها صريحا وواضحا لجهاز القضاء الإداري ما جعلهم متوجسين من اللجوء إليه . بل إن منهم من أعربوا عن أن تخوفهم سيستمر حتى ولئن أصدرت المحكمة الإدارية - وهو احتمال مستبعد - حكما لصالحهم يقضي بتفعيل مقتضيات محضرهم ، ذلك أنهم يعتقدون أنه في هذه الحالة من المرجح أن تمتنع الإدارة عن تنفيذ الحكم القضائي تحت ذريعة الكلفة المالية الباهضة التي يتطلبها تفعيل مضامين المحضر نظرا للعدد الضخم للأطر العليا التي سيسري عليها مفعول الحكم ، إذ من المتوقع أن كل المعطلين المنضوين تحت لواء تنسيقيات الأطر المعطلة الحاملة للشهادات العليا برسم السنة الدراسية 2011 وما قبلها يضاف إليهم جميع حاملي الشهادات العليا الذين سجلوا أسماءهم في اللوائح الأولى التي تم إيداعها والتأشير عليها سابقا من لدن الجهة الحكومية المكلفة بملف التشغيل في الحكومة السابقة سيرفعون نفس الدعوى وسيظفرون بنفس الحكم ما سيجعل العدد الإجمالي للمعنيين بهذا الحكم يتناسل ليتجاوز خمسة أو ستة آلاف. وفي هذه الحالة يتوقع أن تعلن الإدارة عن ترحيبها بالحكم الذي يجسد في نظرها صورة من صور استقلالية القضاء في دولة الحق والقانون كما ستعرب في ذات السياق عن رغبتها في تنفيذ الحكم، لكنها في المقابل ستتذرع بكونها ليس لها موارد مالية تسمح لها بهذا التنفيذ في ظل القانون المالي للسنة الجارية بل وللسنة المقبلة ولربما على مدى ولايتها الحالية. وفي هذه الحالة لا يمكن اعتبار الإدارة ممتنعة عن تنفيذ الحكم كما لن تستطيع أية جهة إجبارها على تنفيذه لأن ذلك التنفيذ حسب ما قد تدعيه تواجهه صعوبات مالية جمة ، و في مسعى لتجاوز العائق المالي قد يتم طرح خيار الحل الجزئي الذي من بين ما سيفضي إليه إدماج معطلي " المحضر " في أسلاك الوظيفة عبر دفعات ووفق معايير معينة قد لا تنال بالضرورة رضا جميعهم . وفي غمرة هذه الأجواء التي تلفها التكهنات والتوجسات يواصل معطلو " المحضر " المنضوون تحت لواء أربع تنسيقيات ( الموحدة ، الأولى ، الوطنية ، المرابطة ) عقد لقاءات تشاورية مع الفاعلين القانونيين لبحث آفاق المسار القضائي في ظل ميل شريحة واسعة منهم نحو استبعاد خوض هذا المسار وتشبتها في المقابل بمواصلة سلك المضمار النضالي عبر خوض جولة من الإحتجاجات السلمية بالرباط ، وهي الإحتجاجات التي يرون أنها السبيل الأنجع للمطالبة بحقهم المصادر في التوظيف المباشر ، إذ لا يخفون في هذا الإطار إصرارهم على مواصلتها بلا كلل ولا ملل في ظل سياسة التجاهل التي تنتهجها حكومة بنكيران في التعاطي مع ملفهم.