يحار أحيانا أي متتبع للسياسة العامة التي تنهجها الحكومة في ضبط القواعد القانونية والمعايير الأخلاقية التي تتبناها هذه الأخيرة في تدبير شؤون البلاد والعباد بشكل يجعله واثقا من وضوح مسلكها وصدق خطابها. مناسبة هذا القول يمليها القرار الخطير والمفاجئ الذي اتخذه السيد رئيس الحكومة في شأن قضية معطلي محضر 20 يوليوز ، إذ أصدر كما هو معلوم يوم الإثنين المنصرم في معرض جوابه على الأسئلة الشفهية بالبرلمان قرارا يقضي برفض تنفيذ مضمون ذلك الإلتزام الحكومي بحجة أنه مخالف للدستور ولقانون الوظيفة العمومية الجديد .وإنه لمما يدعو إلى الإستغراب أن السيد بنكيران كان حريصا على التصريح هو وثلة من وزراء حزب المصباح منذ تشكيل الحكومة الجديدة على أنهم ملتزمون بتنفيذ مقتضيات ذلك المحضر ولم يشيروا مطلقا ولو تلميحا للمخالفة المزعومة. ولعل هذا الإنقلاب المفاجئ في موقف السيد بنكيران بخصوص قراره الأخير فيما يخص محضر 20 يوليوز يكرس بشكل جلي شططا وإجحافا في حق تلك الشريحة من المعطلين ، كما يثير من جانب آخر تساؤلا حول السر المكنون وراء جنوح السيد بنكيران ومعه حزب العدالة والتنمية نحو الإجهاز على حق معلوم وموثق يهم أطر المحضر.وغير خاف أن إلزامية تنفيذ مضمون المحضر المذكور قد أجمع عليها جهابدة وفقهاء القانون المغربي حتى أنهم اعتبروها ضرورة حتمية لا تستطيع أية جهة التنصل منها باعتبارها تجسيدا لإستمرارية المرفق العام.ويبدو أن السيد بنكيران كان في قرارة نفسه مقتنعا بهذا الطرح ، ولأجل ذلك حافظ على شعرة معاوية التي تربطه بالمعطلين حينما لم يغلق باب الإنصاف في وجوههم ، بل تركه مواربا ، إذ دعاهم إلى رفع دعوى إلى المحكمة الإدراية إن هم شاؤوا استرجاع حقهم المصادر في التوظيف. ولا بدع أن القرار المجحف الذي أصدره السيد بنكيران في حق معطلي المحضر قد ولد في نفوسهم مشاعر السخط والتحبيط والعدمية ، ذلك لأنهم آمنوا لأشهر خلت بأنهم في عداد الموظفين ، وكيف لا يؤمنون بذلك وهويملكون محضرا حكوميا موثقا وممهورا بأختامها ينص في فقرته الثانية على أنه " سيتم في نفس الإطار إدماج أطر المجموعات المتبقية التي قدمت لوائحها وتم حصرها ..." ؟. أي ظلم بل أي جرم ذاك الذي اقترف في حق المحضر وأهله ؟ أين نحن من العدالة و من مصداقية الخطاب الرسمي ؟ أين نحن من أنشودة التنزيل السليم لمقتضيات الوثيقة الدستورية التي تنص فيما تنص على أنه ليس للقانون أثر رجعي ؟ أسئلة صارت تلازم معطلي المحضر هذه الأيام ، يطرحونها في مرارة وحسرة ، لكنهم بالرغم من ذلك ، لم يهنوا ولم يحزنوا ، بل إنهم صاروا يشعرون بفضل عدالة قضيتهم و تعاطف الرأي العام معهم أنهم الأعلون وأنهم سينتزعون حتما حقهم المسلوب .ومن ثم فإنهم قد وطنوا أنفسهم على مواصلة احتجاجاتهم السلمية بأشكال نوعية وبوتيرة تصعيدية في مقبل الأيام ،مؤمنين في ذلك بأنهم يعيشون في ظل دولة الحق والقانون التي تصون الحقوق وتفي بالإلتزامات. هكذا وفي خضم تداعيات المظلومية التي طالت معطلي المحضر ، بادرت العديد من الجهات الحقوقية والقانونية كما مؤسسات المجتمع المدني لتقديم يد المؤازرة والدعم والمساندة إليهم .وفي هذا الإطار تطوع العديد من كبار المحامين لرفع دعوى قضائية إلى المحكمة الإدارية من أجل إنصاف معطلي محضر 20 يوليوز ورفع الظلم عنهم ، إلا أن هؤلاء لم يخفوا توجسهم من تبني هذا المسلك بعدما نزع قرار السيد بنكيران من نفوسهم الثقة ، إذ يخشون في هذا الصدد أن ترفع قضيتهم إلى جهة قد تمثل الخصم والحكم.