هل فعلها السيكٌليس حقا وتسبب في إفشال عربة الحكومة بعدما كان يقول إنه سيصلح ما أفسدته عائلة الفاسي؟ وهل انسحب حزب الاستقلال حقا من الحكومة كما تقول بذلك وسائل الإعلام؟ الواقع أن شباط لم ينسحب، والاستقلاليون لا زالوا في مناصبهم داخل حكومة قطفت ثمار الربيع المغربي وتنكرت له، فالأمر يتعلق هنا بمناورة سياسية لإحراج بنكيران وإيهام حزب العدالة والتنمية بأن حزب الميزان لا زالت لديه هيبته، ولا زال قادرا على قلب الطاولة حتى ولو أتى في المرتبة الثانية خلال الانتخابات الماضية، والدلائل كثيرة ومتعددة على هذا الانسحاب الوهمي، منها أنه قرار اتخذه المجلس الوطني لحزب الاستقلال، وفوض للجنته التنفيذية تطبيقه، وهو ما لم يتم بعد، كما أن الدستور المغربي لا يعترف بانسحاب مكون من مكونات الأغلبية إلا عبر استقالة صريحة لوزرائه يتم إشعار الملك بها، أو بملتمس للرقابة تشارك في صياغته أحزاب المعارضة، إضافة إلى أن رئيس الحكومة لم يتوصل بأي إشعار بالانسحاب، الشيء الذي يوضح أن حزب الاستقلال لم ينسحب! لكن بما أن هذا الانسحاب لم يتم، فما الذي يريده شباط؟ الأكيد أن الرجل، ومنذ وصوله إلى زعامة حزب علال الفاسي، وهو يحاول تغيير الكثير من المعطيات التي جعلت شعبية حزبه تتراجع كثيرا، لذلك اختار التلويح بورقة التعديل الحكومي، ولمّا لم يكترث إليها بنكيران، قرر التلويح بالانسحاب من الحكومة، من أجل أن يضمن عددا جديدا من الحقائب الوزارية عكس ما هو حاصل حاليا، وأن يستبدل بعض الوزراء الذين، يظهر أن عمدة فاس غير راض عن أدائهم، أو لنقل أنه غير راض عن عدم قدرتهم على مواجهة هيمنة وزراء المصباح على القرار الحكومي. غير أن شباط، وفي حربه لاستعادة هيبة حزبه، نسي أن الكثير من الأوضاع التي ينتقد بنكيران عليها، كان حزب الاستقلال هو المتسبب فيها، وأن حكومة بنكيران، تبقى أكثر شعبية من حكومة عباس الفاسي التي اعترف أكثر من مرة أن لا برنامج لها سوى برنامج الملك، ونسي أن المشاكل المحورية التي يعاني منها المغاربة، ليست وليدة الحكومة الحالية، وإنما تعود إلى عقود طويلة من التسيير العشوائي التي كان حزب الميزان بطلا لها، ونسي كذلك، أن تاريخه كظاهرة شباطية، يُختزل فقط في الهدم وتخريب تجمعات الآخرين، سواء أكانت أحزاب أم نقابات أم تكتلات حكومية، كأن شباط لم يولد سوى لتدمير كل ما يعترض طريقه بما في ذلك برجه الفرنسي الذي هدمه بعد تشييده بأيام، مخافة أن تسوء علاقته بالقصر الملكي. إلا أن حرب شباط ضد بنكيران ليست خاطئة بشكل كلي، فحزب المصباح يستحق فعلا أن يتم رجّه على الطريقة الشباطية، لأن بنكيران، ومنذ تعيينه رئيسا للحكومة، اعتقد أن بإمكانه إفحام الجميع، فصار الرد على المعارضة البرلمانية والتنقيص من قيمتها شغله الشاغل، وتحولت اللقاءات الصحفية التي يبرر فيها الكثير من اختياراته هوايته المفضلة، وصار يرفع شعار التقرب من الملكية كلما تصل به دروب الكلام إلى نهايات مسدودة، إلا أنه وجد هذه المرة، خصما يجيد هو الآخر إدخال الملك في صراعاته السياسية، فالمكالمة الهاتفية التي جرت بين شباط والملك، أحرجت كثيرا بنكيران، وبيّنت له أنه ليس هو الوحيد القادر على الاستنجاد بالملك، وهو ما يفسر صمته إلى حد اللحظة، خوفا من أن يقترف لسانه زلة ما اتجاه شخص يحظى بالثقة الملكية. من هذه المسرحية الرديئة التي يلعب أدورها شباط وبنكيران، قد نستفيد مجموعة من الدروس، أولها أن الملكية لا زالت هي الفاعل السياسي الحقيقي الذي تحتكم إليه الأحزاب المغربية وأن كل ذلك الحديث عن صلاحيات حقيقية لرئيس الحكومة يبقى مجرد حكايات كلامية قصد إيهام الشعب بتطور الحياة السياسية المغربية، ثانيها أن حكومة ائتلافية تجمع مكونات متناقضة من حيث البرامج ومن حيث الإديولوجيا لن تكون قادرة على حل مشاكل المغاربة ما دامت غير قادرة على حل الخلافات بين أعمدتها، ثالثها أن المعارضة المغربية ضعيفة لدرجة أن تقمص حزب داخل الأغلبية دورها وخطف منها كل الأضواء. أذكر حديثا صحفيا للملك الإسباني صرّح فيه بأنه لا يتدخل في الحياة السياسية لبلاده إلا عندما يقع ازدحام حقيقي في مفترق طرق، وتعجز سيارات الأحزاب عن المرور، مما يفرض تدخل شرطي برمزية كبيرة قصد مساعدة الأحزاب على تجاوز هذه الأزمة الخانقة، المشكلة أنه عندما في المغرب، وبالنظر إلى تضييعنا لمجموعة من الفرص التاريخية للتحول إلى الملكية البرلمانية، صارت سيارات الأحزاب عندنا متوقفة على الدوام في مفترقات الطرق، الشيء الذي يفرض الاستنجاد بسلطة الملك في كل وقت وحين، في انتظار ترحيل هذه السيارات نحو مساحات "الفوريان" ! [email protected] http://www.facebook.com/ismailoazzam