رغم الأزمة الوبائية السائدة منذ ما يزيد عن السنة، نجحت مؤسسة "أرشيف المغرب" تحت الإدارة الرصينة للمؤرخ والأستاذ الجامعي "جامع بيضا" في احتضان ذخائر مهمة من الأرشيفات الخاصة ذات النفع العام، بشكل أنعش وينعش حقينة سدود التاريخ المشترك والذاكرة الجماعية، ولعل آخر النجاحات تجسدت على أرض الواقع في تمكن المؤسسة من احتضان وثائق وكنوز العلامة "محمد المختار السوسي"، الذي أثرى الخزانة المغربية بإنتاج فكري غزير على جانب كبير من الأهمية والثراء، شكل موضوعا لدراسات كثيرة وبلغات عديدة ولعدد من الندوات والمعارض. وهذا المكسب المتعدد المستويات (أرشيفيا، تاريخيا، علميا، دينيا، حضاريا)، ما كان له أن يتحقق على أرض الواقع لولا ما راكمته "أرشيف المغرب" منذ تأسيسها سنة 2011م من خبرات تواصلية وإشعاعية، عبدت لها طرقا سيارة لوضع اليد على الكثير من الوثائق الأرشيفية ذات النفع العام، ولولا أيضا حضور مفردات "الجاهزية" و"القبول" و"التطوع" و"الثقة" من جانب مالكي الأرشيفات أو من يدخل في خانة "ذوي الحقوق"، وهذا ما حصل بالنسبة لأرشيفات العلامة الراحل "محمد المختار السوسي"، حيث تفاعل نجله السيد الفاضل رضى الله عبد الوافي المختار السوسي -الساهر على نشر تراث والده- إيجابا مع ملتمس لأرشيف المغرب، يرمي إلى فتح رصيد باسم العلامة المختار السوسي في المؤسسة الأرشيفية، معتبرا على حد قوله -كما ورد في بلاغ لأرشيف المغرب- "أن الرصيد اللامادي الذي تركه والدنا لم يعد محتكرا من طرف ورثته، بل أصبح تراثا للمغاربة جمعاء، ووضعه رهن إشارة الباحثين والمحبين لكتاباته هو واجب علينا، لأن والدنا أفنى عمره في البحث والتنقيب والكتابة ليلا ونهارا، وترك هذه المادة الهائلة ليستفيد منها الجميع بعد وفاته رحمه الله". وحسب ما ورد في البلاغ ذاته، فإن أرشيفات "محمد المختار السوسي" المحتضنة من قبل أرشيف المغرب، تشتمل على "نسخ من نماذج محتويات خزانته العامرة كالظهائر، والمراسلات الرسمية، ومسودات خطية من كتاباته ودروسه ومحاضراته، وتسجيلات إذاعية وتلفزية مخصصة لأعماله ومساره، وبعض صوره الشخصية، وصور الشهادات والأوسمة التي حصل عليها، إلى غير ذلك من الوثائق التي سيجد فيها الباحثون ضالتهم"، إضافة إلى خمس مجموعات تاريخية، وهي على النحو التالي: مجموعة التراث السوسي: وتضم العشرات من الوثائق والرسائل والفتاوى والقصائد. مجموعة القواد السوسيين: بها العديد من الظهائر والمراسلات الرسمية لقواد سوسيين، وأهمها وثائق القائد الناجم الأخصاصي (220 وثيقة) الذي ألقى القبض على الثائر المدعو "بوحمارة". مجموعة نبغاء الصحراء: وتضم رسائل وقصائد وتراجم بعض الصحراويين. مجموعة من آثار الإفرانيين: وتضم العشرات من قصائدهم ورسائلهم وما يتعلق بهم. مجموعة أمازيغية: تضم نماذج من كتابات الشلحة السوسية بالحروف العربية ومرة أخرى، نجد أنفسنا مضطرين لتقديم التهاني على التوالي إلى "أرشيف المغرب" على هذا المكسب الأرشيفي المميز، الذي وصفه مديرها الأستاذ الجامعي والمؤرخ "جامع بيضا" بالفتح المبين، أولا اعتبارا لصعوبات المفاوضات من أجل تحقيقه والتي دامت أكثر من ثلاث سنوات، وثانيا لأن هذه المبادرة قد تجعل بعض الخواص في منطقة سوس يقتفون أثرها على حد قول الأستاذ، وإلى نجل الراحل محمد المختار السوسي الذي ائتمن "أرشيف المغرب" على ما تركه والده من رصيد لامادي، بات اليوم تراثا جماعيا للمغاربة، وموردا معرفيا غاية في الثراء من شأنه إرواء عطش الباحثين والمحبين لكتابات الراحل "محمد المختار السوسي"، على أمل أن يكون هذا "الفتح المبين" خطوة أولى في اتجاه اقتحام "جبهات أرشيفية" أخرى خاصة في سوس العالمة التي لم تكشف بعد عما تختزنه من ذخائر ونفائس تراثية، ولا يمكن أن نترك الفرصة تمر، دون أن نوجه نداء إلى رجالات الفكر والسياسة والثقافة والفنون والإبداع سواء الذين ما زالوا قيد الحياة أو ورثتهم من ذوي الحقوق، مفادها بأن لا أحضان آمنة ودافئة بعد الرحيل إلا أحضان "أرشيف المغرب" ولا أحضان سواها، فرحمة الله على الفقيد "محمد المختار السوسي" وإنا لله وإنا إليه راجعون.