قالت أسماء لمرابط، طبيبة بيولوجية وروائية ومدافعة عن حقوق النساء، إن بعض أوجه التعارض بين القيم العالمية والمرجعية الدينية يمكن تجاوزها عبر إصلاح الخطاب والفكر الديني، وإصلاح المنظومة التعليمية في شقها الديني. وذكرت لمرابط، في ندوة رقمية حول موضوع "القيم العالمية والمرجعية الدينية" نظمها معهد الدراسات العليا "HEM" في إطار الجامعة المواطنة لسنة 2021، أن إصلاح الفكر الديني يعني إعادة الاشتغال على الموروث الديني بمقاربات جديدة. وأبرزت المتحدثة أن هذا الإصلاح يجب أن "يتم بمقاربات جديدة وتفسير متجدد يتلاءم مع الواقع المعاش اليوم، وبقراءة جديدة أخلاقية وروحانية للنصوص، وهي القراءة التي بدأت قبل ثلاثة عقود مع المفكرين عابد الجابري وطه عبد الرحمن وفضل الرحمن الباكستاني وطلال الأسد". وأوردت لمرابط أن "الفكرة الأساسية من هذا الإصلاح هي تبيان أن النصوص المقدسة، وخصوصا القرآن، هي حاملة في عمقها لقيم تحرير الإنسان من أي نظام قمعي كيفما كان". وأشارت المفكرة المغربية المعروفة إلى أن "هذه القراءة الأخلاقية للنصوص الدينية ستمكن من التفريق بين ظرفية نزول الآيات القرآنية التي تجعل بعضها متجاوزة التنفيذ في عالم اليوم، مثل العبيد والإعدام والقصاص والغنائم، وبين الآيات الصالحة لكل زمان ومكان التي تتحدث عن قيم كرامة الإنسان والعدل وأهمية العلم والعقل والاختلاف والتقوى والعمل الصالح والرحمة والمحبة والمعروف والحكمة". واعتبرت لمرابط، وهي باحثة بارزة في قضايا النساء والإسلام مدافعة عن النسوية الإسلامية، أن "هذه القيم هي قلب الرسالة القرآنية، وهي التي يجب أن تحظى بالأولوية في كل قراءة للموروث الديني". وتابعت المتحدثة بأن "الخطاب الديني اليوم في المنظومة التعليمية غالبا ما يكون صعب الفهم بالنسبة للتلاميذ؛ بحيث يعتمد على نقل أفكار دينية معقدة دون أي تفسير أو نقد، من بينها الحديث عن الآخرة ويوم الحساب وجهنم والغيب، وهي أمور غير مفهومة بالنسبة للأطفال". وبالنسبة للتعليم الديني في المغرب، فالباحثة ترى أنه "لم ينجح في ترجمة القيم الأخلاقية الكبرى للإسلام، مثل العدل والأخلاق والآداب، إلى ميدان الواقع، وهو ما يؤثر على شخصية الشباب؛ بحيث يفقدون البوصلة؛ فإما ينغلقون على الدين، أي الوصول إلى التطرف، أو يرفضون الدين بشكل تام لأنه بالنسبة إليهم لا يلائم واقعهم المعاش". وشددت لمرابط على أن "المصالحة والملاءمة بين القيم العالمية والمرجعية الدينية أمر ضروري ومهم، وذلك يمكن أن يتحقق عبر الأخذ بعين الاعتبار الواقع المجتمعي وإصلاح الفكر الديني والمنظومة التعليمية في شقها الديني". وأوردت الحقوقية ذاتها في محاضرتها التي تابعها المئات رقميا، أن الدستور المغربي لم يحسم في عدد من الأمور فيما يتعلق بالعلاقة بين القيم العالمية والمرجعية الإسلامية، ويتجلى ذلك مثلا في حرية المعتقد والمساواة بين الجنسين ومسألة العلاقات الرضائية خارج الزواج وعقوبة الإعدام. ففيما يخص حرية المعتقد، أشارت لمرابط إلى أن دستور 2011 لم يحسم في الأمر؛ بحيث تحدث عن حرية ممارسة الشؤون الدينية وليس حرية المعتقد، في الوقت الذي وردت في القرآن آيات تدعو بشكل صريح إلى حرية المعتقد وأخرى عكسها، وهي التي يستند إليها المعارضون لحرية المعتقد. ودعت لمرابط إلى معالجة هذه القضايا الخلافية بمنهجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار السياق المجتمعي المعاش اليوم، والقيم الكبرى للدين الإسلامي التي وردت في عدد من الآيات غير المرتبطة بظرفية تاريخية.