فضلت الرباط عدم الإفصاح عن محفزات الأزمة الدبلوماسية مع ألمانيا، التي أدت إلى تعليق أي تعامل حكومي رسمي مع سفارة برلين بالمملكة، بينما تروج أوساط إعلامية ومصادر غير رسمية احتمال أن تكون الصحراء واحدة من مسببات هذا الجمود؛ ذلك أن سلطات برلين لم يرقها الاعتراف الأمريكي بالسّيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، وهو ما لمسته الرباط مؤخرا، وأدى إلى بروز الأزمة إلى العلن. وعاكست برلين طموحات الرباط في البحث عن حلفاء جدد داخل الاتحاد الأوروبي، يسايرون الخطوة الأمريكية المعلنة أخيرا في الصحراء، إذ طعنت في قرار واشنطن الاعتراف بمغربية الصّحراء، وهو ما مثّل النقطة التي أفاضت كأس الجمود الدبلوماسي بين ألمانيا والمغرب، ما سينعكس على التفاهمات المحققة في الجانبين الاقتصادي والسّياسي. وإذا كان الأمر يقتصر على جانبين هما ألمانيا والاتحاد الأوروبي، فإن "غضب الرباط" قد تكون له تبعات على طبيعة التفاهمات، خاصة مع بعض الحلفاء كإسبانيا، التي مازالت تتعاطى "بشكل محتشم" مع ملف الصّحراء، بينما تناقلت مصادر إيبيرية أن "الدبلوماسية الإسبانية في مأزق بسبب الخطوة الأمريكية في الصحراء". ونقلت وسائل إعلام إسبانية أن "الأزمة التي أطلقتها الرباط مع برلين تشكّل تحذيرًا للحكومة الإسبانية للابتعاد عن موقفها التقليدي واعتماد موقف أكثر وضوحا مع مصالح المغرب". ووفقًا لمصادر دبلوماسية تحدثت إلى "الإسبانيول" فإن "العلاقة بين إسبانيا والمغرب لم تعد تمر بأفضل حالها، والدليل على ذلك أن القمة الثنائية التي كان مقررا عقدها في 17 دجنبر تم تأجيلها، بطلب من المغرب، حتى فبراير، لكنها لم تعقد الشهر الماضي أيضًا". ويعود مسلسل الجمود الدبلوماسي بين برلينوالرباط إلى ما قبل ثلاثة أشهر، بعد أن حققت المملكة أكبر نجاح دبلوماسي لها في الآونة الأخيرة، إثر الاعتراف الأمريكي بسيادتها على الصحراء. وبعد إعلان ترامب في دجنبر، طلب السفير الألماني لدى الأممالمتحدة، كريستوف هيوسجن، الذي ترأس بعد ذلك مجلس الأمن، عقد اجتماع لهذه الهيئة "لتقييم الوضع في الصّحراء". وبالعودة إلى تصريحات نيلز أنين، وزير الدولة للشؤون الخارجية، لجريدة "دير شبيغل"، نجد قوله: "نرفض الاعتراف على حساب أحد الأطراف"، منتقدًا مبادرة ترامب، ومشددا على أن ما حدث "يتعارض مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة"؛ وهي تصريحات قد تكون سببا في غضب الرّباط وطلب تعليق التواصل مع السّفارة. وأرسل وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة مذكرة يأمر أعضاء الحكومة ورئيسها من خلالها ب"تعليق أي اتصال أو تفاعل أو عمل تعاون (...) مع السفارة الألمانية في المغرب، وكذلك مع وكالات التعاون والمؤسسات السياسية الألمانية" العاملة في الرباط. وتلمح المذكرة إلى "سوء تفاهم عميق" مع ألمانيا "في ما يتعلق بالقضايا الأساسية للمملكة المغربية"، لكنها لا توضح أسباب هذا القرار الجذري الذي لا يرقى إلى مستوى "الانهيار" الدبلوماسي. وتشير وسائل إعلام في مدريد إلى أن "إسبانيا قريبة جدًا من الأحداث إلى درجة أن الحكومات المتعاقبة رغم محاولتها تجاهل الصحراء فإن وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانشا غونزاليس لايا، تحاول الحفاظ على الموقف التقليدي لإسبانيا بشأن النزاع، ولكن دون إزعاج جارتها في الجنوب؛ على عكس الألماني نيلز أنين، الذي رفض مطلقا القرار الأمريكي". وشددت أرانشا لايا على أن "القضايا الدولية لا يمكن حلها من خلال مقاربة أحادية الجانب"، موردة أنه من الضروري "السعي إلى الحصول على إجماع من المجتمع الدولي".