لم تتردد الرباط في إعلان نهاية تحالف "ظرفي" مع ألمانيا، أملته اعتبارات إقليمية مرتبطة بالملف الليبي وقضية القاصرين والصحراء؛ بينما لم تفصح المملكة عن أسباب هذه القطيعة الدبلوماسية، حيث تناقلت وسائل إعلامية مجموعة من الدوافع قد تكون وراء هذا البرود الجديد، ومن بينها "ضبابية" الموقف الألماني من الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، ومعاكسة توجهات الرباط في إفريقيا، بالإضافة إلى احتمال تورط "برلين" في أعمال تجسس. وكانت الرباط تنتظر تفاعلا من أعلى مستوى من الجانب الألماني في قضايا الصحراء وملف القاصرين والإرهاب؛ لكن برلين أظهرت تريثا وتباطؤا في ردها على استفسارات المملكة، بينما شكلت خطوة الطعن في قرار "واشنطن" الاعتراف بمغربية الصحراء النقطة التي أفاضت كأس "الجمود" الدبلوماسي بين ألمانيا والمغرب، وهو ما سينعكس على التفاهمات المحققة في الجانبين الاقتصادي والسياسي. وكان ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، قد راسل رئيس وأعضاء الحكومة، وطالبهم بتعليق كل الاتصالات والعلاقات المؤسساتية مع السفارة الألمانية في المغرب، بسبب ما اعتبرها "خلافات عميقة" تهم قضايا محورية للمملكة المغربية. ودعا الوزير ذاته، في المراسلة عينها، "الإدارات الوزارية وجميع الهيئات التي تخضع لإشرافها إلى وقف جميع أشكال الاتصال أو التفاعل أو التعاون، على أي حال أو بأي شكل من الأشكال، سواء مع السفارة الألمانية في المغرب أو مع منظمات التعاون الألماني والمؤسسات السياسية المرتبطة بها"، مبرزا أنه "أي استثناء من هذا التعليق لا يمكن أن يتم إلا على أساس اتفاق مسبق مع وزارة الخارجية". ويرى نوفل البعمري، الخبير في العلاقات الدولية: "إلى حد الآن، نحن أمام مراسلة من المفترض أنها داخلية تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي وليس موقف رسمي صادر عن المغرب وعن دبلوماسيته"، مبرزا أنه "لا يمكن القول إن هناك توترا رسميا في العلاقة مع ألمانيا ولا قطيعة". وبالعودة إلى مضمون المراسلة الداخلية، يقول البعمري، "فهي توصية للحكومة بوجوب وقف التواصل مع سفارة ألمانيا بالمغرب لسوء فهم بين البلدين، دون أن توضح المراسلة طبيعة الخلافات أو التحركات التي قد تكون جهة ما ألمانية قد قامت بها في المغرب، أو كانت تنوي القيام بها". وإلى حين اتضاح الموقف الرسمي لكلا البلدين، يقول الخبير ذاته، "لا يمكن على مستوى التحليل أن نناقش موقفا غير معلن عنه رسميا، وإن كانت ما خلفته المراسلة من ردود فعل تثير أسئلة حقيقية حول مستقبل العلاقة بين البلدين، وإن كانت المراسلة نفسها لم تدعُ إلى مقاطعة ألمانيا دبلوماسيا، بل مضمونها يتعلق بالسفارة الألمانية في المغرب، بمعنى أنه قد يكون هناك سلوك غير دبلوماسي قد تبادر من جهة ما داخل السفارة الألمانية بالمغرب؛ وهو ما استدعى اتخاذ أو التوصية باتخاذ هذا الموقف تجاه كل ما يتعلق بالسفارة". وقال البعمري بأن "المغرب كبلد وكغيره من البلدان له الحق في الاحتجاج على سلوك قد يكون غير دبلوماسي ومضرا بمصالح المغرب"، مبرزا أن "هذا الاحتجاج أو نقطة نظام الدبلوماسية عادية في العلاقات بين الدول، لا يعني أن ألمانيا تحولت إلى عدو وليس بالضرورة مهاجمتها؛ بل على العكس إن كانت هناك اختلالات في العلاقة هي مناسبة لمعالجتها وطرحها مع ألمانيا لتطوير العلاقة معها والتي يوجد فيها حلفاء كثر للمغرب سياسيا واقتصاديا".