لكل مؤسسة أو هيأة أو جماعة أناس "متألقون فوق العادة" يشككون في مبادئها وتوجهاتها، ويزرعون في المجتمع التوجس والخيفة منها، أناس جندوا أنفسهم، وحشدوا طاقاتهم، وسخروا إمكانياتهم من أجل أن يظهروا للناس في ثوب الناصح الأمين، ولم تسلم من ذلك حتى جماعة المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، بدعوى نصرة دين الآباء والأجداد، ويشاء الله تعالى أن يكون المدعو مصطفى كرين هو من قيّضه الله تعالى "لنصرة المشروع الحداثي الديمقراطي" الذي يريد حزب النهضة والفضيلة ،حسب زعمه، أن يقوض أركانه بانفتاحه على الزوايا تارة والمتزمتين تارة أخرى. إذا ساورك الفضول ذات يوم وأدرجت اسم "مصطفى كرين" في أحد محركات البحث على الإنترنيت، فسوف يلوح لك من مقالاته وتصريحاته وحواراته العجب العجاب، وستجد نفسك وكأنك أمام فيلم مثير قصته مستوحاة من الخيال العلمي، أو أمام مسلسل هزلي لا يفتر أبطاله ولا تنتهي حلقاته، فهو تارة يهدد بالإستقالة من حزب النهضة والفضيلة، وتارة يستقيل بالفعل، مثلما أعلن صراحة على موقع هسبرس، وبعدها يفقد الذاكرة ثم يعود إلى عادته القديمة، فيطعن في توجهات الحزب وقانونيته ومؤسساته، وآخر طرائفه الطعن في المؤتمر الوطني الثاني للحزب الذي شهد له القاصي والداني بنجاحه، ولم يجرؤ على قول عكس ذلك حتى ألذ الخصوم السياسيين. ليس ما يؤرقني هو انتحال السيد كرين صفة نائب الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة، التي ظل يُعَرف نفسه بها حتى بعد زعمه الإستقالة، ولا حتى ادعاؤه بأن الحزب يتوجه نحو الزوايا حينا والسلفيين أحيانا أخرى، رغم أن الجمع بين هؤلاء في سلة واحدة ضرب من الخيال، لكن الذي يسترعي فضولي هو طريقة الإخراج الهوليودية لخرجاته الإعلامية، وكأنك أمام شخص منفصل عن الواقع، لا تكاد تجد خيطا ناظما لتصريحاته البعيدة كل البعد عن العقل والفكر والمنطق. إن ما يثيره السيد كرين على صفحات الجرائد وفي واجهات المواقع الإلكترونية يطرح مجموعة من الملاحظات: لقد أصدرت الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة قرارا مؤرخا بالرباط شهر نونبر 2007، والذي بموجبه تم إعفاء السيد مصطفى كرين من أي مسؤولية تنظيمية داخل هياكل الحزب، وعليه، فإن السيد المذكور لا يملك أي صفة تخوله للحديث باسم الحزب، منذ أكثر من خمس سنوات، فبالأحرى الطعن في مؤتمره الوطني. إن السيد كرين،أبدا، لم يشغل منصب نائب الأمين العام للحزب، وأرفع في وجهه التحدي عاليا، مادامت تستهويه التحديات، أن يدلي بأي وثيقة تبين شغله هذا المنصب، وإلا فإن ادعاءه مجرد هرطقة لا يعبأ بها عاقل، ومجرد مزايدات سياسية لا يلتفت إليها لبيب. لقد نشرت جريدة النهار المغربية بتاريخ 10، 11، 13 فبراير 2010م حوارا صحافيا مع المدعو "مصطفى كرين" ينتحل فيه صفة نائب الأمين العام للحزب، وأصدرت الأمانة العامة بيانا توضيحيا في الموضوع بتاريخ 14 فبراير2010، فندت ادعاءه وحذرته من تبعات انتحال هذه الصفة، وتجدون رفقة هذا المقال نسخة من هذا البيان. لقد زعم المدعو كرين بأن السيد الخالدي قام بأفعال جنائية، حينما استغل وجود أغلب أعضاء الأمانة العامة بالديار المقدسة لإقامة المؤتمر الوطني الثاني، وكأن المؤتمر مجرد لقاء في مقهى بين بضعة أشخاص، انتظروا فرصة غياب شخص ما ليدبروا له مكيدة أو مؤامرة. إن المؤتمر الوطني لقاء يضم أكثر من 1500 مناضل من مختلف ربوع الوطن، ومختلف مدنه وأقاليمه وجهاته، وإن اجتماعهم في يوم واحد، في مكان واحد، وفق برنامج موحد، والأكثر من ذلك على قلب رجل واحد، يستوجب الاستعداد لبضعة أشهر، خصوصا بالنسبة لحزب فتي لا يتلق من الدولة الدعم الكافي لإقامة مؤتمر وطني من هذا الحجم. تنتابني موجة ضحك عارمة وأنا أتصور المئات من المناضلين والمناضلات مُرابطين، خُفية، على تخوم المدن والدشائر والقرى، حازمين أمتعتهم ووثائق مؤتمرهم، منتظرين أن يحج أغلب أعضاء الأمانة العامة إلى الديار المقدسة، لكي يهرعوا هبة واحدة إلى الرباط لإقامة المؤتمر، والعودة سريعا قبل أن يرجع أصحاب الحق الطبيعي، فتنكشف المؤامرة الكونية التي حيكت ضد السيد كرين وأصحابه الوهميين، الذين لا وجود لهم إلا في العالم الافتراضي، وفي مخيلة السيد كرين نفسه. لقد قال المدعو "كرين" بأن سبعة من أعضاء الأمانة العامة يعتزمون الطعن في المؤتمر، وأنا في غاية الفضول أنتظر من هؤلاء أن يُعَرفوا بأنفسهم، وأتمنى، لمرة واحدة فقط، أن يكف عن النطق باسمهم وكأنهم صم بكم عمي لا ينطقون. كما أتساءل في الوقت ذاته، إذا كان المؤتمر قد مر في جو عال من الشفافية والنزاهة والانسجام، ولم تسجل أية ملاحظة سلبية، أو انتقاد للمؤتمر من أي كان، فأين كان مُعجبو ومؤيدو ومناصرو هؤلاء الأعضاء السبعة، هل كانوا هم أيضا بالديار المقدسة؟ أم أن هؤلاء الأعضاء ليس لهم مؤيدون أصلا؟ أنصح السيد كرين وأصحابه الافتراضيين أن لا يعتمروا بعد اليوم، خشية أن يقيم الحزب مؤتمره الثالث وهم بالديار المقدسة، فالعمرة سنة وإحقاق الحق فريضة، وإذا تعارضت السنة مع الفريضة وجب تقديم الفرض على السنة. إن المؤتمر الوطني لحزب من الأحزاب والإعداد له، لا يمكن إلا أن يكون من قبيل ما يُسمى عند علماء الحديث ب"ما تَعم به البلوى"، فمن غير المعقول منطقا، أو المقبول سياسيا، أن يكون انعقاده سرا لم يسمع به أحد، فبالأحرى المتتبعين للشأن السياسي، وعلى رأسهم من امتلأت رؤوسهم بالريب والشك والتوجس ككرين وأمثاله. وفي ختام هذه الحلقة الأولى من هذا الرد البسيط أقول للسيد كرين، إذا كان حزب النهضة والفضيلة، كما يدعي، بهذا المكر والدهاء والخديعة، فإن إعفاءك من مهامك التنظيمية داخل الحزب، قبل خمس سنوات، خسارة لا تُعوض. *الكاتب الجهوي لحزب النهضة والفضيلة جهة الشرق