لا حديث الآن بين الأساتذة الباحثين بمؤسسات التعليم العالي الجامعي وغير التابع للجامعات، وفي اللقاءات والاجتماعات النقابية، سواء الحضورية أم الافتراضية عن بعد، إلا عن مشروع النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات التعليم العالي، الذي دشنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي الحوار بشأن مضامينه منذ الموسم الجامعي الفارط، حيث كان مفترضا صدوره في آخر تلك السنة، إلا أن الحوار بين الوزارة الوصية ونقابتي التعليم العالي مازال مستمرا للتوافق حول مواده وأرقامه الاستدلالية وجداول تعويضاته التي تشمل أعباء التأطير والبحث. ولعل الهاجس الأكبر الذي يشغل الأساتذة اليوم هو عدم تناسب مواد النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي الصادر في (19 فبراير 1997)، مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن عدم ملاءمته للوضعية الاعتبارية التي يجب أن يحظى بها الأستاذ الباحث في المجتمع، باعتبار الأيادي البيضاء التي يسديها لجميع أطر البلاد على اختلاف درجاتهم وميادين انتسابهم الوظيفي والمهني. وبناء عليه، فلا مناص من نظام أساسي جديد ينصف الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي، لاسيما أن جائحة كورونا كشفت لجميع الدول والمجتمعات أهمية جسم الأساتذة الباحثين من أجل مواجهة تحديات الوباء والخروج من الأزمة. لا يمكن أن نحقق الأهداف المرجوة من التعليم العالي الجامعي ومن مراكز تكوين الأطر العليا ببلادنا اليوم دون إصدار نظام أساسي عادل ومحفز ومنصف، انطلاقا من إقرار الزيادة في أجور الأساتذة الباحثين بدون استثناء، مع تقديم كل الدعم المادي واللوجستي لهم من أجل الاضطلاع الجيد بمهام البحث العلمي النظري والتطبيقي، فضلا عن أدوارهم الطلائعية في التدريس والتأطير والتكوين. لكن الملاحظ أخيرا مع الأسف الشديد تركيز النقاش حول النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي، والمقصود به الأساتذة الباحثون بالجامعات، لكن واقع الحال أن هناك أساتذة باحثين بمؤسسات تكوين الأطر العليا؛ أي بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وعددها اثنا عشر مركزا، وبمركز التوجيه والتخطيط التربوي، وبمركز تكوين مفتشي التعليم، يخضعون لنظام أساسي خاص بهم. وللتذكير، هناك المرسوم رقم 793-96-2 الصادر في 11 من شوال 1417 (19 فبراير 1997) في شأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي، وهناك أيضا المرسوم رقم 2.96.804 الصادر في 11 من شوال 1417 (19 فبراير 1997) في شأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات تكوين الأطر العليا. قد يسأل سائل، ما سبب وجود نظامين أساسين لهيئة واحدة؟ أي هيئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات التعليم العالي؟. الجواب عن هذا السؤال يمكننا أن نعثر عليه في القانون 01.00 المنظم للتعليم العالي، الذي ميز بين نوعين من مؤسسات التعليم العالي؛ مؤسسات للتعليم العالي تابعة للجامعات، ومؤسسات للتعليم العالي غير تابعة لها. من هنا تم تخصيص كل هيئة بنظام أساسي حسب مؤسسة الانتماء. لكن لماذا لا يتم الاكتفاء بنظام أساسي واحد لهيئة الأساتذة الباحثين، سواء بالجامعات أم بمؤسسات تكوين الأطر العليا، لاسيما في ظل الهدف المعلن منذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين؛ القاضي بتجميع مؤسسات التعليم العالي، وتوحيد هياكل البحث العلمي وأقطابه؟. لقد خلق هذا الفصل بين هيئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات التعليم العالي الجامعية ومؤسسات تكوين الأطر العليا ما يشبه الحواجز أمام الأساتذة الباحثين بمؤسسات تكوين الأطر العليا، للانتقال نحو الجامعات من أجل التعاون والشراكة في مجالي البحث العلمي والتأطير بوحدات التكوين. وبالعودة إلى متن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات تكوين الأطر والصادر في (19 فبراير 1997)، نسجل وجود تشابه كبير بينه وبين النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات التعليم العالي، الصادر في التاريخ نفسه، وكأنما استنسخ منه، لكن بالعودة إلى طبيعة وخصوصية مهام الأساتذة الباحثين بالجامعات ونظرائهم في مؤسسات تكوين الأطر العليا نجد أن هناك اختلافات بينهما غير منصوص عليها في نظام الأساتذة الباحثين بمراكز تكوين الأطر خاصة. وقد ساهم عدم التمييز بين خصوصيات مهام الأساتذة الباحثين بمراكز تكوين الأطر العليا ونظرائهم بالمؤسسات الجامعية في تعميم الوزارة شبكة التقييم، المرفقة بقرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر رقم 15.2645 الصادر (16 يوليو2015) بتحديد كيفيات تنظيم إجراءات التعيين في إطار أساتذة التعليم العالي بالمؤسسات الجامعية، على الأساتذة الباحثين بمؤسسات تكوين الأطر، كما هو منصوص عليه في قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر رقم 15.2645 الصادر في (16 يوليوز 2015) بتحديد كيفيات تنظيم إجراءات التعيين في إطار أساتذة التعليم العالي بمؤسسات تكوين الأطر العليا. في ضوء ما سبق، أتساءل لماذا لا تفكر الوزارة الوصية وممثلو الأساتذة الباحثين من الفاعلين النقابيين في توحيد النظامين الأساسين لهيئة الأساتذة الباحثين؛ سواء بمؤسسات التعليم العالي الجامعي أم بمراكز تكوين الأطر العليا؟ لكن ذلك يجب أن يمهد له بتعديل ومراجعة القانون 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي، باعتباره أكبر مرجعية لبناء مشروع النظام الأساسي الجديد. إن توحيد النظامين الأساسيين من شأنه الاستجابة لمطلب توحيد التعليم العالي ببلادنا، فضلا عن إتاحة الإفادة من الموارد البشرية من الأساتذة الباحثين بمراكز تكوين الأطر العليا، لاسيما أن هناك مطلبا نقابيا ملحا لإلحاق مؤسسات تكوين الأطر العليا بالجامعات كما حصل سابقا مع المدارس العليا للأساتذة. لكن إذا كان ذلك غير ممكن الآن في ظل الهيكلة التي يمليها القانون 01.00، فلا بد من استحضار خصوصيات مراكز تكوين الأطر العليا التابعة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، خلال التوافق على مشروع النظام الأساسي الجديد الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بمراكز تكوين الأطر العليا، وذلك بالتنصيص بوضوح على مهام تكوين الأطر عوض التعليم، وعلى تأطير التداريب الميدانية، وعلى البحث التربوي التدخلي. كما يجب أن تُضمن هذه الأنشطة البيداغوجية والعلمية حصريا في شبكات التقييم الخاصة بالترقي في الدرجة أو للتعيين في إطار أستاذ التعليم العالي دون اشتراط القيام بأنشطة أخرى خارج مراكز تكوين الأطر العليا.